تُعدّ الثقافة الشعبية من المداخل الأساسية لدراسة الشعوب، حيث تعكس الجوانب النفسية والعاطفية في حياة المجتمعات، وتعتبر الأمثال الشعبية أحد أبرز عناصر هذه الثقافة، إذ تمثل حجر الزاوية لفهم الشعوب.
والمثل هو حكمة تتجسد في كلمات مسجوعة أو غير مسجوعة، تنطوي على رمز يحمل نقدًا أو علاجًا لأحد جوانب الحياة المتنوعة. والحكمة في جوهرها قديمة، هي نتاج الروح وثمار تجربتها، تتشكل من نعم الحياة وابتلاءاتها، نادرًا ما تخلو أمة أو قبيلة من قول الحكمة في أمثال تتداولها، وقد تتجاوز هذه الأمثال حدودها إلى أمم أخرى، إذ إن النفوس البشرية، رغم اختلاف درجات تطورها، تشترك في العديد من جوانب الحياة، وقد تتسم هذه الحكمة بالرقي، لتصبح جزءًا من ثقافة الأمة ومعرفتها العميقة، ويعكس ذلك مستوى تطور الأمة ونضوجها.
خلال أيام شهر رمضان المبارك، نعرض معًا مجموعة من الأمثال الشعبية المصرية التي تناولت موضوعات حياتية يومية متنوعة.
واليوم نناقش الأمثال التي تدور حول "ابعد عن الشر وغنيله"
تعود قصة هذا المثل إلى أسد أصابه مرض أضعفه بشدة، وأصبحت رائحة فمه كريهة لا تُطاق، بالكاد كان يتمكن من التجول في الغابة بحثًا عن فريسة. وبينما كان يتجول، صادف حمارًا.
فقال له الأسد: "أيها الحمار، أشعر بتعب شديد، ورائحة فمي كريهة. ما رأيك؟" رد الحمار ببساطة: "نعم، رائحتك كريهة"، فغضب الأسد بشدة وهجم عليه قائلاً: "أتتجاسر أيها الحمار وتهين ملك الغابة!" وهكذا افترسه.
واصل الأسد تجوله في الغابة ووجد دبًا، كرر عليه نفس الحديث، فقال الدب: "رائحتك ذكية، ولا يبدو عليك المرض" لكن الأسد غضب مجددًا وهتف: "يا مخادع، كيف تتجرأ على الكذب علي!" ثم هجم عليه وافترسه.
بعد ذلك، صادف القرد الذي كان متسلقًا على إحدى الأشجار، وقد أدرك القرد ما حدث للحمار والدب.
توسّل إليه الأسد قائلاً: "أيها القرد، اقترب واشتم رائحة فمي، فأنا بحاجة لرأيك" أجاب القرد بذكاء: "سيدي الأسد، ملك الوحوش، أنا أتمنى خدمتك وتحقيق طلبك، لكنني للأسف أعاني من البرد ولا أستطيع شم أي رائحة الآن بسبب مرضي" وهكذا نجا القرد بحكمته.
ومن هنا جاء هذا المثل ليُقال كعبرة: "ابعد عن الشر وغنيله"، ليحث الناس على تجنب التدخل في أمور خطرة أو مواجهات لا داعي لها حفاظًا على سلامتهم.