حذّر البنك الدولى، اليوم الاثنين، من تصاعد حدة الصراع فى الشرق الأوسط، منبها إلى أنه قد يدفع أسواق السلع الأساسية العالمية إلى المجهول.
وأشار البنك - في أحدث تقاريره حول آفاق أسواق السلع الأساسية - إلى أن الاقتصاد العالمي في وضع أفضل بكثير مما كان عليه في السبعينيات للتعامل مع صدمة كبيرة في أسعار النفط، مبينا أن تأثيرات تصعيد الحرب في غزة، والتي تأتي بعد الاضطرابات الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، على أسواق السلع العالمية محدودة حتى الآن، لافتا إلى أن أسعار النفط ارتفعت بشكل عام بنحو 6% منذ 7 أكتوبر، فيما لم تتحرك أسعار السلع الزراعية ومعظم المعادن والسلع الأساسية الأخرى إلا في هامش ضيق.
وقدم التقرير تقييماً أولياً للآثار المحتملة للصراع على أسواق السلع الأساسية على المدى القريب؛ ويرى أن التأثيرات قد تكون محدودة ما لم يتسع الصراع.
يذكر أن توقعات البنك الأساسية، قبل التصعيد الإسرائيلي للحرب في غزة أن متوسط أسعار النفط سيبلغ 90 دولارًا للبرميل في الربع الحالي، قبل أن ينخفض إلى متوسط 81 دولارًا للبرميل العام المقبل مع تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، كما توقع أن تتراجع أسعار السلع بشكل عام بنسبة 4.1% العام المقبل، وأن تنخفض أسعار السلع مع زيادة الإمدادات، مع انخفاض أسعار المعادن الأساسية 5% في عام 2024.
وتوقع البنك استقرار أسعار السلع الأساسية في 2025، مرجحا أن تصبح آفاق أسعار السلع الأساسية أكثر قتامة إذا تصاعدت المواجهات، وفق 3 سيناريوهات، اعتمادًا على درجة انقطاع إمدادات النفط، موضحا أن السيناريو الأول، الذي صنفه البنك "اضطرابًا بسيطًا، ستنخفض فيه إمدادات النفط العالمية بمقدار 500 ألف إلى 2 مليون برميل يوميًا، أي ما يعادل تقريبًا الانخفاض الذي شهدته الأحداث في ليبيا عام 2011، وبموجب هذا السيناريو، سيرتفع سعر النفط في البداية بين 3 % و13% مقارنة بمتوسط الربع الحالي ليتراوح بين 93 و102 دولار للبرميل.
والسيناريو الثاني (الاضطراب المتوسط)، يعادل التأثير ما حدث إبان الحرب على العراق في عام 2003، وسيتم فيه تقليص إمدادات النفط العالمية بمقدار 3 إلى 5 ملايين برميل يوميًا، ما من شأنه أن يدفع أسعار النفط إلى الارتفاع بنسبة 21% إلى 35% مبدئيا، إلى ما بين 109 دولارات و121 دولاراً للبرميل.
ويتشابه السيناريو الثالث (الاضطراب الكبير) مع الحظر النفطي العربي في عام 1973، ومن المرجح أن تنكمش فيه إمدادات النفط العالمية بمقدار 6 ملايين إلى 8 ملايين برميل يوميًا، وهذا من شأنه أن يدفع الأسعار للارتفاع بنسبة 56% إلى 75% في البداية، إلى ما يتراوح بين 140 و157 دولارًا للبرميل.
وقال كبير الخبراء الاقتصاديين والنائب الأول لرئيس البنك الدولي لشؤون اقتصاديات التنمية إنديرميت جيل: "يأتي الصراع الأخير في الشرق الأوسط في أعقاب أكبر صدمة لأسواق السلع الأساسية منذ السبعينيات، وكان لها آثار مدمرة على الاقتصاد العالمي، مضيفا "إذا تصاعد الصراع، فإن الاقتصاد العالمي سيواجه صدمة طاقة مضاعفة للمرة الأولى منذ عقود، ليس فقط من الحرب في أوكرانيا ولكن أيضا من الشرق الأوسط".
بدوره، قال نائب كبير الاقتصاديين في البنك الدولي ومدير مجموعة التوقعات أيهان كوس: "استمرار ارتفاع أسعار النفط يعني حتما ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وإذا حدثت صدمة حادة في أسعار النفط، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تضخم أسعار المواد الغذائية الذي ارتفع بالفعل في العديد من البلدان النامية".
وأضاف نائب كبير الاقتصاديين في البنك الدولي أنه "في نهاية عام 2022، كان أكثر من 700 مليون شخص، ما يقرب من عُشر سكان العالم، يعانون من نقص التغذية، ومن شأن تصعيد الصراع الأخير أن يؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي، ليس فقط داخل المنطقة ولكن أيضًا في جميع أنحاء العالم".
وأشار تقرير البنك الدولي إلى أن حقيقة أن تأثير المواجهات حتى الآن متواضعة على أسعار السلع الأساسية، وقد تعكس تحسن قدرة الاقتصاد العالمي على استيعاب صدمات أسعار النفط.
وبحسب التقرير، أنشأت بعض البلدان احتياطيات نفطية استراتيجية، ووضعت ترتيبات لتنسيق العرض، وطورت أسواق العقود الآجلة للتخفيف من تأثير نقص النفط على الأسعار، ما يشير إلى أن تصعيد الصراع قد يكون له آثار أكثر اعتدالًا مما كان عليه الحال في الماضي.
ونوه بارتفاع أسعار الذهب بنحو 8% منذ بداية المواجهات، وهي ترتفع في فترات الصراع وعدم اليقين، كملاذ آمن للاستثمارات، ما يشير في كثير من الأحيان إلى تآكل ثقة المستثمرين.
وذكر التقرير أنه إذا تصاعدت المواجهة، فسوف يحتاج صناع السياسات في البلدان النامية إلى اتخاذ خطوات لإدارة الزيادة المحتملة في التضخم الإجمالي، ونظرًا لخطر انعدام الأمن الغذائي بشكل أكبر، دعا البنك الحكومات، في حال تحقق ذلك، إلى تجنب القيود التجارية مثل حظر تصدير المواد الغذائية والأسمدة، إذ كثيرا ما يؤدي ذلك إلى تفاقم تقلبات الأسعار وزيادة انعدام الأمن الغذائي.