الجمعة 3 مايو 2024

مئوية المصور «المصور» مائة عام من الدفاع عن القضايا الوطنية.. العدد الأول.. ثورة فى عالم الصحافة المصورة

مجلة المصور

7-11-2023 | 14:29

تقرير يكتبه: أشرف التعلبى
«أيها القارئ الكريم.. هذه مجلة أصدرناها لنسليك ونبهجك ونتحدث إليك حديث صديق يقتطف لك من كل بستان زهرة ومن كل شجرة ثمرة، وسنحمل إليك كل أسبوع مجموعتين: مجموعة من صور الأشخاص والحوادث والمشاهد، ومجموعة من الفكاهة والنُبَذ المفيدة».. بهذه الكلمات افتتحت مجلة «المصور» عددها الأول يوم الجمعة الموافق 24 من أكتوبر سنة 1924. وحسبما ورد فى كتاب «الهلال.. مائة عام من التحديث والتنوير»، للمؤرخ أحمد حسين الطماوى، أنه فى عام ظهور «المصور» دار الهلال صدرت فى مصر أكثر من ستين جريدة ومجلة متنوعة، اختفت جميعًا ولم يبق منها إلا «المصور» التى قاربت على الاحتفال بعيدها المئوى.. لتواصل رسالتها فى التنوير وبناء الوعى والدفاع عن الدولة الوطنية فى مواجهة تيارات التطرف وجماعات الظلام. حفلت «المصور» منذ أعدادها الأولى بالصور الكثيرة المطبوعة «بالروتغرافور»، وهذا النوع من الطباعة استخدمته ألمانيا ثم انتقل منها بعد ذلك إلى دول أوربية أخرى ثم أدخلته دار الهلال فى مجلاتها، و«المصور» كانت أول من أدخل هذا النوع من الطباعة إلى الأقطار العربية وتكبدت فى سبيل ذلك مشقات كثيرة شأن كل راغب فى التجديد. فى عدد مجلة الهلال الصادر بشهر نوفمبر عام 1924، يقول الإخوان إميل وشكرى زيدان: «يجد القارئ فى فاتحة هذه الجزء صفحات مطبوعة طبعًا يختلف عن طبع بقية الهلال، فهذا نوع حديث من الطباعة يعرف بالروتوغرافور أو الفوتوغرافور وهو بإجماع آراء الفنيين أرقى ما بلغته الطباعة فى بلاد الغرب. ولقد استقدمنا أخيرًا جميع الأدوات والأجهزة التى تمكن من الطبع على هذه الطريقة المستحدثة- تكبدنا فى سبيل ذلك نفقة كبيرة ومشقة عظيمة لأن هذه الطريقة لم تدخل الأقطار الشرقية بعد، ولكننا فعلنا ذلك مسرورين لأننا أردنا أن تخطو الصحافة الدورية خطوة جديدة إلى الأمام، وسنزيد فى المستقبل مقدار ما يطبع من الصفحات على هذه الطريقة لكى يكون نصيب العين من المسرة لدى مطالعة الهلال مثل نصيب الذهن. ويضيفا الأخوان «زيدان» عن «المصور» فى ذات العدد: نوهنا فى آخر السنة الماضية من الهلال عن عزمنا على إصدار مجلة أسبوعية مصورة تكون بجانب الهلال كالرفيق بجانب رفيقه، وقد قضينا الصيف الماضى فى التجربة والاستعداد ولا سيما أن الجانب الأكبر من هذه المجلة سيطبع على طريقة الروتوغرافور، والتى استدعى أحكامها مدة من الزمن، وسوف يصدر الجزء الأول من هذه المجلة ونرسله إلى مشتركى الهلال ليطلعوا عليه. أما عن بداية صدور «المصور يذكر الأستاذ حبيب جاماتى – صحفى لبناني، وهو من أوائل الصحفيين الذين عملوا فى دار الهلال، وشهد السنوات الأولى من حياة «المصور» وظل يعمل حتى وفاته.. يذكر الكثير عن مولد المصور فيقول: حضرنا مولد «المصور» وكان المولود الجديد - كمعظم الأطفال - خفيفًا طريفًا نحيفًا - دمه شربات. ويضيف «جاماتى» كما جاء فى كتاب «فكرى أباظة» للصحفى صبرى أبوالمجد (1920- 1991م) والذى تولى رئاسة تحرير مجلة «المصور» فترة السبعينيات: لم يكن القراء فى مصر والبلدان العربية قد عرفوا أو ألفوا الصحف المطبوعة بالروتغرافور فقال الذين تنقصهم الجرأة ويعوزهم الإقدام، طفرة جنونية لا داعى لها ولا فائدة منها، فالجمهور لا يستحق هذا المجهود. لقد ظلموا الجمهور- الجمهور صديقنا وحبيبنا الذى يقبل على كل ظريف وينبذ كل سخيف - فالجمهور ليس غبيًا، ولكن الذين ظلموه أثبتوا أنهم هم الأغبياء. والجمهور الذى كان بالأمس قنوعًا يكفيه القليل نراه اليوم طموحًا لا يكتفى بالكثير.. ذلك لأن مستواه ارتفع بفضل الصحافة ومستوى الصحافة قد ارتفع بفضله، فلتعش الصحافة له، وليعيش لها. كنا - حبيب جاماتى - نكتب «المصور» فى بدروم -أى والله فى بدروم - أى فى حجرة واقعة تحت الأرض فى شارع الأمير قدادار بقصر النيل، فإن إدارة دار الهلال الضيقة لم تكن تتسع إلا لعدد قليل جدًا من المحررين والمصورين، فاستأجروا لنا بدرومين الواحد لتحرير المصور والثانى لتخزين الورق». تضمن العدد الأول من «المصور» والصادر يوم الجمعة 24 أكتوبر 1924، 16 صفحة، بسعر عشرة مليمات، وعلى الغلاف صورة صاحب الجلالة الملك فؤاد الأول دون إشارة إلى أنه «ملك مصر والسودان»، ويكشف المؤرخ جمال بدوى فى كتابه «شاهد عيان على الحياة المصرية»، أن عدم وجود هذه العبارة مقصود، حتى لا تؤدى إلى تصعيد الأزمة التى كانت محتدمة فى ذلك الوقت بسبب إصرار المندوب السامى البريطانى على إلغاء هذا النص من مشروع دستور 1923 وأذعن فؤاد للأمر حتى لا يتعرض لخطر الخلع. وعلى الغلاف الأخير «للمصور» صورة تمثال نهضة مصر لمحمود مختار(1891 - 1934)، أحد الفنانين الرواد القلائل فى فن النحت، وأسفل الصورة تعليق «تمثال نهضة مصر الذى يجرى نصبه فى ميدان محطة مصر»، ويمثل التمثال فتاة مصرية تقف بجانب تمثال أبى الهول وتضع يدها على رأسه وهى رمز لمصر وهى تنظر إلى المستقبل. أما البيانات الخاصة بالمجلة الوليدة فقد نشرت على نصف الصفحة 15 - قبل صفحة الغلاف الأخيرة- وفيها أن المصور مجلة أسبوعية مصورة صاحباها إميل وشكرى زيدان. وفى الصفحة الثانية من العدد كان حديث الإدارة بعنوان «المصور»: أيها القارئ الكريم.. هذه مجلة أصدرناها لنسليك ونبهجك ونتحدث إليك حديث صديق يقتطف لك من كل بستان زهرة ومن كل شجرة ثمرة، وسنحمل إليك كل أسبوع مجموعتين، الأولى: مجموعة من صور الأشخاص والحوادث والمشاهد مما يتحدث عنها الناس ويتوقون إلى رؤيته وهذه الصور تطبع بأعظم إتقان وعلى أحدث الطرق الفنية التى تخرج الصورة المطبوعة كأنها صورة فوتوغرافية، مما لم يعرف بعد فى هذه البلاد. والثانية: مجموعة من الفكاهات والنبذ المفيدة للطلبة والقطع المسلية- منتقاة من المصادر القديمة والحديثة، الشرقية والغربية.. ومرادنا أن يكون ما ننشر من أدب خاليًا من التقعر وما ننشر من علم خاليًا من التفلسف وما ننشر من اجتماع خاليًا من التعصب. فكأنك ستطالع مجلتين فى مجلة واحدة- إحداهما مصورة والأخرى أدبية فكاهية، وقد اتخذنا لكل هذين القسمين شعارًا نسير بمقتضاه: فأما القسم المصور فشعاره قول نابليون: «رب صورة صغيرة كانت أفصح بيانًا من المقالات الطويلة». وأما القسم الأدبى الفكاهى فشعاره الحكمة العربية المشهورة: «خير الكلام ما قل ودل ولم يطل فيمل». فأيًا كانت الجريدة أو الجرائد التى تعودت مطالعتها فلا غنى لك عن «المصور» لأنه مكمل لها متمم لفائدتها – هو كطبق الفاكهة على مائدة الطعام. أن مبدأنا هو «الخدمة» خدمة القراء.. وخلفنا أكثر من ثلاثين سنة تشهد بأننا ما فتئنا سائرين على هذا المبدأ فى كل ما أصدرناه، وأن لمن دواعى البشر أن يكون صدور «المصور» فى مفتتح العهد الدستورى فى ظل صاحب الجلالة الملك فؤاد الأول. والآن نستودعك أيها القارئ ونترك لك الفرصة لمتابعة ومطالعة هذا الجزء والأجزاء التالية.. والسلام عليك.. توقيع: المصور. تضمنت الصفحة الثالثة من العدد الأول مختارات ونبذ وشذرات منها «أتعلم» وبها مجموعة من المعلومات العامة، منها أنه فى نيويورك تركب آلة تليفون جديدة كل دقيقة، وأن السنة الاعتيادية «المؤلفة من 365 يومًا تنتهى دائمًا فى نفس اليوم الذى ابتدأت به من الأسبوع، وأنه عند بعض قائل إفريقيا يعبر الإنسان عن إجلاله واحترامه لمن هو فوقه مقامًا بأن يدير له ظهره». إضافة إلى جزء بعنوان «إلى طالبات الزواج» وفيه نصائح قاض أمريكى خبير عن اختيار الزوج الصالح، أما الجزء المعنون بـ»كلام العظماء» وفيه أقوال مأثورة لمجموعة من الرموز والحكماء، إضافة إلى مجموعة من الأمثال الصينية، منها «رجل صالح فى الأرض خير من ملاك جديد فى الجنة». وفى الصفحة الرابعة مجموعة من الصور تحت عنوان «غرائب العلم.. استماع الموسيقى لاسلكيًا»، ومكتوب أسفل العنوان:»إن تقدم التلفون اللاسلكى فى أوربا قد بلغ مبلغًا عظيمًا، حتى لقد تألفت شركات كبيرة بإرسال المحاضرات والخطب والموسيقى من محطات مخصوصة، فيستطيع الجمهور استعمال سماعات لاسلكية لاستماع كل ذلك والتمتع به، مهما تكن المسافة التى تفصله من مصدره، سواء كان فى نزهة أو فى منزل أو غير ذلك.. وقد نشرنا فى هذه الصفحة صورًا تبين بعض مزايا هذا الاختراع وكيف يستفيدون منه فى البلاد الراقية، وعسى أن لا يطول زمن تعميمه فى هذا القطر». وفى مقابلها بالصفحة الخامسة مجموعة من الصور تحت عنوان «فى عالم المرأة» من عرض لأحدث الأزياء فى باريس، وصورة لـ»مهنة جديدة للنساء»، وفى الصورة فتاة اتخذت مكتبًا لها فى لوكندة شهيرة فى نيويورك لكى تقوم بكتابة رسائل العشق والغرام لمن ليست لديهم المقدرة الكافية أو الحذاقة اللازمة لذلك». كما تضمنت الصفحة السادسة مجموعة من اللطائف والفكاهات، منها نكتة بعنوان «طول الأذن» كان لرجل من الأذكياء أذنان طويلتان فأراد أحد الثقلاء أن يهزأ به فقال له: أيها الصديق إن أذنيك طويلتان جدًا على جسم إنسان... فرد عليه الذكي: صحيح أن أنها طويلتان على جسم إنسان ولكن ألا ترى أن أذنيك قصيرتان على جسم حمار».. واجل التواصل والتفاعل مع القراء أعلن «المصور» فى هذه الصفحة عن جائزة «لألطف نكتة»: مقدمًا ريالاً «20 قرشًا» عن ألطف نكتة يرسلها إليه أحد القراء فى خلال أسبوع من صدور هذا العدد.. فراجع ما سمعت من النكت والملح، وأرسل أحسنه إلى المحرر فينشره لك مذيلاً باسمك وربما حزت الجائزة». وفى العدد الأول نشر تقرير كبير فى صفحة كاملة بعنوان: «ابن فلاح يصير أغنى رجل فى العالم» يلخص لمحة عن حياة هنرى فورد العجيبة، ومؤسس شركة فورد لصناعة السيارات، حيث عمل فى الزراعة بعد أن قرر ترك المدرسة فى الخامسة عشرة من عمره، وكان جُل همه هو كيف تعمل الآلات والماكينات، حتى صنع أول سيارة استطاع العديد من الأمريكيين من الطبقة الوسطى اقتناءها، وبذلك حول السيارة من تحفة باهظة الثمن إلى وسيلة نقل عملية، وكان أغنى أغنياء ذاك الوقت. كما احتوى العدد الأول على صفحتين من الصور الشخصية، فلم تكن الصورة إضافة جمالية فقط، بل كانت تاريخًا يسجل ملامح الحياة لتراه الأجيال، ويظل سجلاً خالدًا فى تاريخ الأمة.. ومن هذه الصور صورة الملك حسين ملك الحجاز السابق بمناسبة تنازله عن العرش لابنه الملك «على»، وصورة للملك على الذى بايعه الحجازيون ملكًا دستوريًا ويعمل لإبرام الصلح مع ابن سعود، وبين صورتى الأب والابن صورة عبدالعزيز آل فيصل آل سعود سلطان نجد فى قصره بالرياض وهو يستعرض المدافع التى غنمها فى انتصاراته السابقة، وإلى جانبها صورة جندى بك إبراهيم، مؤسس جريدة «الوطن» حزنا على وفاته، وصورة مرقص حنا باشا، وزير الأشغال العمومية فى وزارة سعد زغلول، الذى قام برحلة تفتيشية على أعمال الرى وأحوال الزراعة. وكذلك صورة الرحالة المصرى أحمد حسنين بك صاحب الرحلة المشهورة فى الصحراء الغربية التى حازت رضاء جلالة الملك وإعجاب الجمعيات الجغرافية، إضافة إلى صورة المصرى باشا السعدى الذى فقدته الأمة المصرية بفقده شيخًا جليلاً عاملاً، وقد ترأس الوفد المصرى أثناء اعتقال سعد زغلول وأصحابه.. وصورة السيدة هدى شعراوي، التى عادت أخيرًا إلى مصر بعد أن حضرت المؤتمر السادس للقضاء على تجارة الرقيق، وألقت خطابًا تضمن اقتراحات ثمينة، وصورة للأديب الفرنسى الشهير «أناتول فرانس»، حزنًا على وفاته، وكان لنعيه أثر كبير فى جميع الأقطار ولا سيما بين محبى أدبه الراقي.. وضمن هذه الصور صورة لسعد باشا زغلول عند وصوله إلى باريس عائدًا من العاصمة البريطانية ومعه حرمه المصون، وحوله نفر من العاملين للقضية المصرية نذكر منهم مصطفى باشا النحاس وزير المواصلات. وخلا العدد الأول من أى إعلانات تجارية، والذى تولى رئاسة تحريره الأخوان إميل وشكرى زيدان، لكنهم نشروا بهذا العدد قصة صحفية بعنوان «فاجعة مايرلنج» أو «غرام ابن الإمبراطور» سر غامض كشف أخيرًا.. وتصدرت هذه الفقرة القصة: «فى 30 يناير سنة 1889 قتل الأرشيدوق ولى عهد النمسا وابن الإمبراطور فرانز جوزيف فى غابة الصيد.. وقد حدثت ضيقة كبيرة على أثر هذه الجناية واختلف الناس فى تأويلها، وقد أتيح لأحد كبار الكتاب الإنجليز أخيرًا أن يستجلى سر هذه الجناية وتفاصليها من المصادر الوثيقة وهاك ما رواه.. وبالفعل نشرت القصة على صفحتين، وتم نشر ختام القصة الحقيقية فى العدد الثاني. وفى الصفحة التالية ثلاث صور تاريخية ملأت صفحة كاملة ومعها خبر يقول: كانت لندن فى بضعة الأسابيع الماضية قبلة أنظار الأمة المصرية، إذ توجه إليها الرئيس الجليل سعد زغلول باشا للقيام بمحادثات تمهيدية فى شأن القضية المصرية مع رئيس الوزارة البريطانية المستر رامسىمكدونالد.. ونحن نثبت فى هذه الصفحة ثلاث صور لدولة الرئيس فى أثناء إقامته فى لندن، فصورة تمثله وهو نازل من سيارته لمقابلة المستر رامسى مكدونالد فى قصر الحكومة فى شارع دوننج نمرة 10، أما الصورة البيضوية فهى تمثله خارجًا من تلك المقابلة، وأما الصورة السفلى فتمثله قبل سفره من لندن من محطة فكتوريا مع حرمه المصون.. وقد أقبل جمهور غفير من المصريين يحيونه ويهتفون له، أما المحادثات التى جرت بين الرئيسين فلم تسفر عن نتيجة لتشبث المستر ماكدونالد بالاحتفاظ بجيش الاحتلال لضمان المواصلات الإمبراطورية فى مصر، وقد أجاب الرئيس مندوبى الصحافة الذين أتوا يستفهمون عن النتيجة بجملته التاريخية: «لقد دعونا لننتحر فرفضنا الانتحار، والآن نعود رافعى الرأس كما أتينا».. وهذه الفقرة وغيره يؤكد أن موقف «المصور» كان واضحًا وجليًا منذ أول عدد بأنها تدعم وتدافع عن القضايا والثوابت الوطنية لمصرنا، فهى تنشر فى عددها الأول الكثير من الصور للزعيم الراحل سعد زغلول، كما تذكر فى ذات الوقت جيش الاحتلال تعبيرًا عن الإنجليز، دون خوف من بطش المندوب السامى البريطاني، واستمرت «المصور» على عهدها منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا وهى تتبنى الانتماء الوطنى بعيدًا عن أى اعتبارات أخرى، وهذا يجعلها أول مجلة سياسية فى الوطن العربى كله. وفى التسلية نشر الأخوان إميل وشكرى زيدان بالعدد الأول صورًا بعنوان «خداع البصر» وبها صورة تتضمن ثلاثة رجال وخلفهم أربعة خطوط.. ويتساءل المحرر أن أطول رجل من الثلاثة.. إضافة إلى صورة أخرى بها دائرة صغيرة مظللة وعلامة «x» ويعلق المحرر أتعلم أن فى عينيك نقطة لا تبصر بها؟. إضافة إلى فقرة بعنوان طرق غريبة فى كنز الأموال، وتضمنت قصة أحد الأطباء المفلسين وبينما هو جالس فى مكتبته يطالع أحد الكتب ويقلب فى صفحاته فوجد شهادة امتلاك اسم فى أحد المصارف بمبلغ مائة ألف جنيه.. وكانت زوجة والد جده وضعت هذه الشهادة وماتت دون أن تخبر أحدًا عن هذه الوديعة.. وفى الصفحة أيضًا 81 مربعًا بكل مربع رقم مبعثر دون ترتيب، تحت عنوان افحص.. مقدراتك العقلية.. فإن استطعت ترتيبها فى أقل من 12 دقيقة فإنك فى الدرجة الأولى من حيث الذهن وقوة الانتباه. ثم نشروا مجموعة من النصائح مفيدة لصحة الإنسان، تحت عنوان «لكى يطول عمرك» وهى عشر نصائح فى الطعام والملبس والحياة اليومية.. بجانبها أغرب الوصايا، ولعل أغرب هذه القائمة: وصية محامٍ وهب ماله لمستشفى مجاذيب وقال فى وصيته: «لقد كسبت هذا المال بفضل المجانين الذين يقضون حياتهم فى المنازعات القضائية، فما أنا الآن إلا كمن يرد الشيء إلى صاحبه»... واختتم الأخوان إميل وشكرى زيدان العدد الأول من مجلة «المصور» بمقولة: هل أعجبك هذا العدد من المصور؟ أحفظه وانتظر القادم. كانت المصور اسمًا على مسمى منذ صدورها عام 1924، حيث احتلت الصورة الصدارة وكانت أصل الرسالة، وحتى هذه اللحظة لازالت «المصور» تحافظ على اسمها، وشكلها ونسقها العام، وحسبما جاء فى أعداد «المصور» الصادرة بشهر 6 و7 سنة 1925 أنه كان هناك مصدران للصور: الأول ما تنقله عن المجلات الأجنبية مثل صور الزلازل والبراكين وصور الحروب والمعارك المجلوبة من ميادين القتال وغير ذلك. والثانى ما تأخذه عن الواقع المحلى وتنفرد بنشره، ومن ذلك صور المتهمين بتنظيم شيوعى فى مصر من أمثال: قسطنطين فايس، ريدلهارشليك، شاكر عبدالحليم، حسن عبده بولاك، بيومى الباسوس، أفجدور إلى آخره. كما واكبت «المصور» أحداثًا سياسية كبيرة، واكتشافات أثرية مهمة وقامت بنشر صور نادرة تسجل تلك الواقعات مثل واقعة مقتل السير فى ستاك، فقد أوردت صور المتهمين مثل عبدالحميد عنايت وعبدالفتاح عنايت وشفيق منصور وغيرهم، أما الاكتشافات الأثرية فكان أهمها الكشف عن مقبرة توت عنخ أمون، وقد أخذت تزود القارئ بالصور الجديدة للتحف الفنية التى وجدت فى المقبرة، وأبدت «المصور» ضيقها بنقل صور الآثار المصرية من المجلات الأجنبية، لأن الحكومة المصرية التى اتفقت مع المستر هوارد كارتر مكتشف القبر على أن تتولى هى توزيع أخباره على الجرائد لم تحفل بأمر الصور مع أن لهذه الصور شأنًا كبيرًا.. ولا أستطيع أن أخبر القارئ عن آلاف الصور التى نشرتها المصور، كل صورة تمثل واقعة، ولكن يمكن القول إن «المصور» منذ صدورها إلى الآن عبارة عن سجل مصور لتاريخ مصر. كانت «المصور» تصدر وقتها كل جمعة أما الآن فهى تصدر صباح كل أربعاء، وحملت أغلفة الأعداد الأولى صورة أو اثنتين وأسفلهما تعليق بخط صغير.. فكما حمل العدد الأول الصادر بتاريخ 24 أكتوبر عام 1934 صورة الملك فؤاد الأول وكتب تحتها «صاحب الجلالة الملك فؤاد الأول»، حمل العدد الثانى الصادر 28 أكتوبر غلافا بصورة وحيدة للزعيم سعد باشا زغلول، وأعلى الصورة «لوجو- المصور» أسفله بخط صغير مجلة أسبوعية تصدرها إدارة الهلال، وأسفل الصورة تعليق صغير «صاحب الدولة سعد باشا زغلول».. وتضمن العدد مجموعة من الصور لاستقبال القاهرة لدولة الرئيس وحرمه المصون، وإلى جانب سعد باشا زغلول معالى مظلوم باشا، وصور لاحتشاد المستقبلين حولهم.. وصور لاستقبال الوزراء فى يختهم الخاص فى الميناء وهم منتظرون الزعيم، كما تضمن العدد صورا حديثة لبرج إيفل وصورة البطل أحمد سامى بطل رفع الأثقال فى الأولمبياد. أما عن العدد الثالث حمل صورة أحمد ذو الفقار باشا سفير مصر فى روما، وبجانبه السنيور موسوليني.. وداخل العدد شذرات وفكاهة ومعلومات، إضافة إلى صور كثيرة للوزارة السعدية بالكامل بعد التعديل الأخير، وأيضا صفحتان صور عن «من يتحدث عنهم الناس» من هؤلاء الأديب المشهور أمين الريحاني، ومحمود فهمى النقراشي، وخليل مطران وغيرهم. وفى العدد الرابع الصادر بتاريخ 14 نوفمبر حمل غلافه صورتين وبجانبهما تعليق كبير أسفل عنوان واحد «شباب مصر»، الذى يعمل بالقول المأثور «العقل السليم فى الجسم السليم». بمناسبة افتتاح وزير المعارف أحمد ماهر، للألعاب المائية المقامة فى مصر.. والصورة الثانية للتلاميذ من مختلف المدارس الأولية والثانوية وهم يتبارون فى الألعاب المائية مختلفة.. ثم وُزعت الجوائز على الفائزين. وفى العدد الخامس حمل الغلاف صورة واحدة وأسفلها تعليق: «قدوة الشباب ومثال الجرأة والإقدام: أحمد حسنين بك، وقد جاءت الأخبار أخيرا بأن الجمعية الجغرافية الأمريكية منحته ميداليتها الذهبية للاكتشافات».. حيث قام بعدة رحلات لاستكشاف الصحراء الغربية بمصر وليبيا، إضافة إلى مجموعة الصور فى الصفحات الداخلية لافتتاح البرلمان المصرى دورة انعقاده الثانية، وفيها الرئيس سعد زغلول باشا يتلو خطبة العرش وقد الأمراء إلى يمين جلالة الملك والوزراء على يساره. إلا أن حادث الاعتداء على السير لى ستاك باشا سردار الجيش المصرى تصدر غلاف العدد السادس، وهى صورة خيالية للحادثة، اعتمد المصور فى رسمها على جميع المعلومات المعروفة لتمثيلها، وفى الداخل مجموعة من الصور عن السير لى ستاك وصورة الأتوموبيل الذى ركبه الجناة، إضافة إلى صور لقيادات مجلس النواب بقيادة رئيسه أحمد مظلوم باشا. بينما كان غلاف العدد السابع مجموعة للعساكر وهم يجلسون، إضافة إلى عنوان صغير جانبى اقرأ فى هذا العدد: غضبة للتمثال لخليل مطران، عن تمثال إبراهيم باشا القائم فى ميدان الأوبرا، حيث تم صبغه ودهنه بما لا يتوافق مع الفن، فغضب محبو الفنون لذلك. وفى العدد الثامن كان غلافها صورة كبيرة وجانبها صورة صغيرة بعنوان واحد «سفيرنا وسيرهم»، وحمل العدد فى الداخل إعلانًا عن أفضل الروايات التاريخية من تأليف جرجى زيدان، منها رواية فتاة غسان وعذراء قريش، والحجاج بن يوسف، وفتح الأندلس. وفى العدد التاسع بتاريخ 19 ديسمبر نشرت «المصور» على غلافها أربع صور كبيرة، تتصدرها صورة الأمير عمر طوسون، موجها الدعوة إلى زعماء الأحزاب الثلاثة فى مصر بذاك الوقت، وهم حمد الباسل باشا وكيل الوفد المصرى، محمد حافظ رمضان بك رئيس الحزب الوطني، محمد محمود باشا وكيل حزب الأحرار الدستوريين، من أجل إزالة الخصومة القائمة بين الأحزاب فى سبيل المصلحة الحقيقية للبلاد فى تلك الظروف الحرجة التى تجتازها القضية المصرية.. وهذه الصور كانت من تصوير هنزلمان، كما دون أسفل الغلاف. فيما حمل غلاف العدد العاشر الصادر بتاريخ 26 ديسمبر 1924 صورة كبيرة من تصوير «زولا»، أسفلها مكتوب» آخر صورة للوزارة الزيورية، وأخذت هذه الصورة الفريدة أثناء انعقاد مجلس الوزراء فى دار رياسته وفى مقدمة الحضور دولة زيور باشا وبجانبه الوزراء.. وفى أعلى الغلاف توجد إشارة واضحة وكبيرة..: اقرأ فى هذا العدد مقالا ممتعا للأستاذ فكرى أباظة، موضوعه: هل أتزوج؟، وانظر صورة رحلة البرنس كمال الدين حسين فى الصحراء، وصور أهم الحوادث الداخلية والخارجية، وصور تطور وسائل النقل منذ القدم إلى اليوم، وصور طرق بثّ الدعوة الانتخابية فى أوربا. المصور سياسية: والأعداد الأولى التى تحدثنا عنها وما تحتويه من صور لزعماء وملوك وأحداث يؤكد أن مجلة المصور منذ اللحظة الأولى وهى مجلة ذات طابع سياسى اقتصادى اجتماعى، وليست فكاهية أدبية فقط. وخير دليل على ما نقوله الإشارة التليفونية الواردة من مدير الأمن العام يصادر فيها مجلة «المصور» الصادر فى 9 أكتوبر 1925 وتبلغ جميع المحافظات والمديريات ماعدا محافظة مصر بسرعة مصادرة العدد نمرة 52 من مجلة المصور الصادرة فى 9 أكتوبر 1925 أينما وجدت. وتتوالى رسائل المديرين من جميع أنحاء القطر بالقيام بمصادرة المصور وإعدام ما وجد منها والتنبيه بمصادرة كل ما يعثر عليه من هذا العدد - أما سبب المصادرة للعدد فهو «أن المصور نشر صورًا للجيش الإسبانى فى مراكش تؤكد انتهاك هذا الجيش لقوانين الحرب»، وكانت مصادرة العدد بناء على طلب من المفوضية الإسبانية فى القاهرة، وفيما يلى ما نشره المصور بالحرف الواحد. تلعب الطيارات دورًا مهمًا فى الحرب المراكشية، وهذه الصورة المأخوذة من طيارة تبين إلقاء القنابل على مراكز الجيش الريفى بالقرب من الحسيمية ويرى فيها ثلاث قنابل وهى تنفجر. وتحت صورة أخرى: جاءتنا هذه الصورة من أجدير، عاصمة الريف، وقد اتخذها المراسل دليلاً على تمثيل الإسبانيين بأسراهم، إذ يرى فيها بعض الجنود الإسبان، وقد قبضوا فى أيديهم على خمسة رءوس لأسرى ريفيين وهو حقًا منظر شنيع إلا أنه يسعنا أن نبدى شيئًا من التحفظ بشأن هذه الصورة الذى ربما كانت مفتعلة يقصد منها البروباجندة. ومع هذا التحفظ، ثارت المفوضية الإسبانية فى القاهرة ولم تهدأ ثورتها إلا بعد مصادرة «المصور»، وهذه الصورة تؤكد أيضًا أن «المصور» كانت عازمة منذ اللحظة الأولى على خدمة العروبة والقضايا العربية، ومناصرة النضال العربى فى كافة أنحاء الوطن العربى ضد قوات الاستعمار. وعن تعرض «المصور» للمصادرة وتحولها بشكل كامل لمجلة سياسية يقول الصحفى صبرى أبوالمجد فى كتابه «فكرى أباظة»، إن «المصور» تقدمت فى 7 ابريل 1928 يطلب الأستاذ إميل وشكرى زيدان الترخيص بجعل «مجلتنا» المصور سياسية أسوة بمجلتينا الأخريين: «الفكاهة» و«كل شىء». وتوافق وزارة الداخلية على هذا الطلب بعد أن قامت إدارة المطبوعات بإعداد مذكرة عن مجلة المصور جاء فيها: إن الطالبين – إميل وشكرى زيدان - من ذوى السمعة الطيبة والأخلاق الحميدة ولهما مكانتهما فى الأدب والصحافة... فإن الوزارة لا ترى مانعًا من الموافقة على إجابة طلبهما بجعل «المصور» مجلة سياسية أيضًا.