أفرزت الثورة الرقمية والتطورات التي شهدتها وسائل التواصل الاجتماعي عدة تحولات في المجتمعات، وأحدثت تحولات على مستوى السلوكات الفردية، فبقدر ما أصبح الفرد يشعر بحرية التعبير، ويؤمن بالحق في الوصول الى المعلومات، تولدت له رغبة في انتزاع ما توفر له من الغير.
اليوم لم يعد لك الحق في الاختلاف، فأنت ملزم بركوب القارب نفسه مع المجتمع ولو لم تتأكد من أن ذلك ينسجم مع قناعاتك.
اليوم أصبحت تتلقى الإملاءات من كل حدب وصوب وعليك أن تستجيب للرغبات وإلا صدرت في حقك أحكام، قد تجردك من معتقداتك الروحية او الوطنية أو القومية أو كلها طالما أنك امتلكت القدرة والشجاعة للتعبير عن موقفك.
إن التدجين الذي درج المتنورون في عالمنا العربي على التعبير عن رفضه وخاضوا المعارك ضده، أصبح أسلوبا مسموحا به في الألفية الثالثة التي عقدنا ونعقد عليها الأمل في تحقيق الارتقاء على كل المستويات.
إنها الحقيقة المرة، التي تدمي القلوب، وتقتل رغبة السير قدما نحو الأفضل، اليوم لم يعد من حقك أن تعبر عن رأيك، كما لم يعد سلب هذا الحق بيد السلطات، كما كان خلال عقود خلت، بل انتزعه من كنت بالأمس تناضل من أجلهم.
تارة تكون معارضتهم لك بأسلوب فج، ولا يجدون حرجا في وضعك في خانة معينة وهي العملية التي تجري استجابة لخيالهم المريض. ولا غرابة أن افتروا عليك وألصقوا بك تهما تبرر القصاص المرفوض.
هل نحن ملزمون بإجراء استفتاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الموافقة قبل الخوض في موضوع ما؟
هذا السؤال مرده إلى الاندهاش نتيجة الحصار الذي صار يضرب على الفرد ما دام هو ماض في السباحة ضد التيار.
صارت المجتمعات مختلفة عما عهدناه، وأضحت تستميت من أجل الفكر الواحد والرأي الوحد وإن كانت تفتقد الوحدة على أرض الواقع.
ما سلف ذكره تنطق به مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، فمعها أصبح التكفير والتخوين جاهزين، نعم إن صك الاتهام جاهز ولا حاجة للتحقيق.
مع كل أسف حال مجتمعاتنا التي نبدي استعدادنا للتضحية بالأرواح وكل ما نملك من أجلها، لم يعد زمننا هذا زمن خالف تعرف، بل زمن خالف تصنف.
*صحافي مغربي.