الإثنين 25 نوفمبر 2024

المصور

الدور المصرى لا يقبل المزايدة البحث عن مخرج من مأساة غزة

  • 21-11-2023 | 20:40

الكاتب الصحفي أحمد أيوب

طباعة
  • بقلم: أحمد أيوب
يعلم الجميع أن قرار وقف المجازر الإسرائيلية ليس فى تل أبيب بل فى واشنطن، وعندما تصدر من البيت الأبيض كلمة «كفى» ستتوقف فورًا آلة الحرب الإسرائيلية، لكن السؤال: كيف يتحقق هذا؟.. كيف يمكن أن نجد المخرج من هذه الأزمة التى تسبب الخسائر للجميع. المؤكد بالطبع أن الإدارة الأمريكية لها حساباتها الخاصة بها فهى ترى أنها بموقفها المساند لدولة الاحتلال فى جرائمها يمكن أن تحقق مكاسب داخلية فى عام الانتخابات، ومكاسب استراتيجية فى «الشرق الأوسط» المنطقة الأهم بالنسبة لها، وكذلك فى صراعها مع بعض القوى الكبرى، ولذلك لا تخفى إدارة بايدن دعمها لتل أبيب بل تجاهر به، مهما كانت التكلفة وهو موقف لا يخص حزبًا أو إدارة دون غيرها، والدليل أنه داخل الكونجرس هناك سباق أو على الأقل توافق على كل ما يلزم لدعم إسرائيل. ومهما علت أصوات المظاهرات الرافضة للحرب الإسرائيلية ضد غزة داخل الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها من العواصم الغربية فلن يؤثر ذلك على الموقف المساند لتل أبيب، قد يغير فقط من لغة الخطاب الإعلامى للإدارة الأمريكية ويزيد من الحديث عن ضرورة الهدنة الإنسانية وإيصال المساعدات والبحث عن الحلول السياسية، لكن دون أن يعنى ذلك أى تغير جوهرى فى الموقف الأمريكى أو الدعوة لوقف إطلاق النار، أو أى توقف عن دعم القتل والدمار الإسرائيلى ضد الفلسطينيين. المؤكد أيضًا، حتى الآن على الأقل، أن الحرب ستمتد لفترة ليست قصيرة، رغم الجهود المضنية التى تبذلها مصر بالتنسيق مع الأشقاء وخاصة قطر والاتصالات المستمرة مع الولايات المتحدة لأن النية لدى إسرائيل هى استكمال الحرب على غزة وبكل عنف دون توقف، فقادة دولة الاحتلال لا يريدون أن يستمعوا لأى نداءات أو مطالبات بوقف حربهم وارتكاب المجازر بحق الأبرياء إلا بعد أن يتحقق الهدف الذى حددوه لأنفسهم، وتساندهم فيه الولايات المتحدة وهو القضاء على حماس، أو على الأقل تدمير قدراتها العسكرية اللوجستية، وإخراجها من غزة أو حرمانها من السيطرة على القطاع، وكما يرددون فى تل أبيب، قطار النيران انطلق ولابد أن يصل محطته النهائية، وهى حسب رؤيتهم غزة بدون حماس. وحتى يتحقق هذا فكل ما يقبل الإسرائيليون مناقشته، تحت الضغوط التى تمارسها مصر وتحشد من أجلها الموقف الدولى الذى بدأ يستجيب لهذا النداء هو الهدنة الإنسانية والسماح بالمزيد من المساعدات وهو ما يحدث بالفعل. كل هذا معناه ببساطة أن الطريق الوحيد لإيجاد حل أو مخرج من الأزمة التى تتزايد تداعياتها هو الضغط على واشنطن نفسها وأن يشعر الأمريكان بوضوح أن الدعم الأعمى لدولة الاحتلال يهدد بشكل كبير مصالحهم فى العالم، أو على الأقل فى الشرق الأوسط، فلغة المصالح هى التى تحكم الآن، وهو أمر وإن كان صعباً لكنه ليس مستحيلاً لأن العديد من الدول العربية ومعها بعض الدول الإسلامية والمؤيدة للقضية الفلسطينية بما يربطها من مصالح ضخمة مع واشنطن يمكن أن تلعب الدور الأكبر فى هذا المسار، شريطة أن يكون ذلك من خلال تحرك موحد وموقف متفق عليه، بغرض أن ترى واشنطن رد فعل عربى وإسلامى واحداً وقوياً، ليس مجرد بيانات رفض وشجب ومطالبات ونداءات إنسانية، مما اعتادت عليه واشنطن طوال عقود ماضية وتعلم أنه لا يعبر عن مواقف جادة، بل وأحيانًا بعض مَن يشاركون فى التوقيع على البيانات الجماعية الغاضبة يتبرأون منها فى اتصالاتهم السرية مع البيت الأبيض أو الخارجية الأمريكية. وإذا كان هذا التصرف ممكنًا فيما مضى، لكنه الآن يصبح جريمة فى حق القضية ومشاركة آثمة فى قتل الأبرياء من الشعب الفلسطينى، والأخطر أنه يساهم بشكل صريح فى تمكين إسرائيل من تنفيذ مخططها التوسعى والذى يعلم الجميع خطورته وأنه بلا حدود ويهدد بشكل واضح الأمن القومى العربى، ولهذا فليس هناك مجال على الإطلاق لمواقف فردية أو تخاذل أو تهرب من المسئولية، لأن الجميع معنى بالأزمة وتداعياتها، مهما كان موقعه أو مدى ما يربطه من علاقات ثنائية بدول كبرى. قد يكون لدى البعض تحفظات على ما حدث يوم 7 أكتوبر ورفض ما فعلته حماس دون دراسة واقعية لآثاره وتداعياته على الشعب الفلسطينى لكن رغم ذلك فهناك توافق على أن الوضع الآن يتطلب بل يفرض على الجميع أن يكثفوا جهودهم ويقدموا ما لديهم من أجل إنقاذ الشعب الفلسطينى بل القضية برمتها من الضياع، وهذا لن يتأتى إلا بمواقف صادقة وموحدة وواضحة، وهذا ما أظهرته بعض الدول، وفى مقدمتها مصر ليس فقط بالتصريحات وإنما بالافعال. فقد كان الموقف الواضح والحاسم للدولة المصرية منذ البداية ورفضها أى مخطط لتهجير الفلسطينيين أو تصفية القضية، وفى كل الأحوال عدم تصفيتها على حساب دول الجوار وتحذيراتها من تطور الأوضاع سببًا مباشرًا وقويًا فى إثناء تل أبيب وإجبارها على التخلى عن هذه الفكرة المجنونة بعدما أدركت خطرها، كما كان الضغط المصرى ونجاحها فى حشد الدعم الدولى في هذا الملف ورفضها إجلاء الرعايا الأجانب إلا بعد دخول المساعدات سببًا فى إجبار واشنطن على التدخل وإلزام إسرائيل بالرضوخ وفتح ممرات إنسانية لدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية. وهذا يعنى أن المواقف القوية البعيدة عن الميوعة السياسية كفيلة بأن تحقق الهدف، لكن شريطة أن تكون بالفعل واضحة وحاسمة، ولدينا كدول عربية مجتمعة ومعنا بعض الدول الإسلامية أوراق ضغط كثيرة وقوية، ومجرد التلويح الجماعى الجاد بها بعيداً عن المزايدات يمكن أن يحقق الكثير ويغير المعادلة، بل ويشجع دولًا كبرى وغربية على تغيير موقفها والمساندة فى الضغط على واشنطن وتل أبيب. ولدينا الآن أساس يمكن أن نعتمد عليه فى التحرك وهو الثوابت التى أعلنتها مصر ومخرجات القمة العربية الإسلامية، والتى بجانب ما حددته من مطالب وقف النار فورًا وإدخال المساعدات، فإنها أيضًا أعادت التأكيد على طرح الحل السياسى كمسار اختاره العرب وأصبح يحظى الآن بدعم ومساندة دولية واسعة، فخلال الفترة الماضية منذ اشتعال حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين تتحدث أغلب عواصم العالم وقادة الغرب عن حل الدولتين كسبيل وحيد لإنهاء الصراع وإحلال السلام، وإذا نجحنا كعرب من خلال أدواتنا الدبلوماسية والسياسية والتحركات المشتركة فى إقناع هذه الدول بتحويل الكلام عن الحل السياسى إلى فعل على الأرض يتجسد فى ضغوط حقيقية على واشنطن وتل أبيب، فالمؤكد أن هذا يمكن أن يحدث تغييراً ويحقق خطوات مهمة فى طريق الحل السياسى. ويمكن أن يدعمنا فى هذا التحرك بجانب القرارات الشرعية الدولية الواضحة فى اعترافها بالحق الفلسطينى وجود عدد من المتغيرات المهمة أيضاً فى المشهد الدولى فى مقدمتها حالة الإنهاك التى يتعرض لها الجانبان، والبحث عن مخرج آمن من هذه الأزمة، صحيح أن كل طرف يبحث عن مكسب حاسم له، وخاصة دولة الاحتلال التى تصر على استكمال هجماتها اللا إنسانية، لكنها عندما تجد ضغوطًا ومخرجا ملائما فلابد أنها سوف تستجيب، وكذلك حماس أيضًا. وهناك متغير آخر مهم وهو خشية أغلب قادة العالم من تطور الصراع واتساع مساحته ليصبح حربًا إقليمية، وهو ما يعنى تعميق الأزمات الدولية وكذلك الرأى العام العالمى الغاضب الذى تتزايد أصواته وضوحًا فى رفض ما ترتكبه دولة الاحتلال من مجازر فى حق الأبرياء، والمطالبات التى لا تهدأ لإيقاف الحرب، ومنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة، أو شهادات المنظمات الدولية الصحية والإغاثية على ما ترصده من مآسٍ إنسانية للشعب الفلسطينى وأبناء غزة، وبما يتنافى تمامًا مع قواعد القانون الدولى والمبادئ الإنسانية بشكل عام والإعلان الصريح من مسئولى الأمم المتحدة عن ضرورة الحديث المباشر فى حل الدولتين. فكل هذه متغيرات مهمة يمكن أن تسهم فى إيجاد مخرج من الأزمة وفتح الباب واسعًا أمام مسار الحل السياسى. لقد أصبحت الصورة واضحة أمام العالم الآن، لا تحتمل تأويلًا ولا تخفى كارثيتها على أحد، وتم تشخيص الوضع من الجميع وتوصيفه بأنه جرائم حرب واضحة وإبادة كاملة لشعب لا حيلة له، ولا يبقى إلا أن يتم العمل على تحريك الضمير العالمى والأمريكى على وجه التحديد، وتجريد الإدارة الأمريكية وفضح موقفها المخزى والصادم للإنسانية، وأن تدرك أنها ستخسر كثيرًا بسبب هذا الموقف، ولن يحدث هذا إلا بموقف عربى إسلامى جامع شامل ومانع. لقد قدمت مصر فى قمة الرياض خارطة طريق واضحة ومطالب محددة من المجتمع الدولى وتحديدًا مجلس الأمن، وأظن أنه لا يختلف على هذه المطالب المصرية عربى واحد ولا يرفضها أى شخص يؤمن بالإنسانية، لكن المهم هو كيف يتم تحويل هذه المطالب إلى برنامج عمل عربى إسلامى موحد يسعى الجميع إلى إنجازه باعتباره مطلبًا جماعيًا وليس مطلبًا خاصًا بمصر، ويتم طرحه على المستوى الدولى ومخاطبة كل القوى الفاعلة به. تبقى فى النهاية عدد من النقاط المهمة يجب التأكيد عليها. أولها: أن مصر منذ بداية الأزمة قدمت كل صور الدعم السياسى والإنسانى للأشقاء وتحركت فى كل الاتجاهات، وكثفت اتصالاتها وحذرت العالم من مغبة تطور الأحداث، ووضعت المجتمع الدولى أمام مسئولياته بوضوح، فمصر فعلت وتفعل كل ما عليها، ورغم أنها تتحرك فيما يشبه حقول الألغام، لكنها حريصة على القيام بدورها فى حماية الأشقاء ووقف الحرب، والانتقال سريعًا إلى الحل السياسي، لكن في الوقت نفسه مصر لا يمكن أن تتحرك بمفردها، ولا يمكن أن تظل فى المواجهة منفردة، بل لابد من التحرك الجماعى الذى يعكس إرادة ورؤية عربية إسلامية موحدة، ومطالب محددة، بعيدًا عن المزايدات التى أدمنها البعض ويسعى من ورائها إلى إحراج مصر أو الدفع بها إلى صراع بلا فائدة. وكما اكدت الخارجية فى بيانها الواضح فليس مقبولا بأى شكل المزايدة على الدور المصرى ومواقفها الداعمة للحقوق الفلسطينية والمتضامنة بكل السبل مع الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة. وعلى من يزايد او يروج أو يدعى بغلق معبر رفح المصرى ، الرجوع إلى البيانات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة ومسئولى الإغاثة الدولية الذين قاموا بزيارة المعبر، والتى أكدت جميعها أن الجانب المصرى قام بكل الإجراءات التى تكفل دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع بأسرع وقت وبشكل مستدام، وأن الإجراءات الإسرائيلية المعيقة هى السبب فى تأخر وصول المساعدات إلى مستحقيها من أبناء الشعب الفلسطينى الشقيق فى قطاع غزة. الثانى: أن مصر تؤكد عل وقوفها الدائم وبكل ما تملك مع شعب فلسطين فى الدفاع عن أرضه ودولته فأرض فلسطين لشعبها، هى حقه الذى لن يفرط فيه ولن يتنازل عنه. الثالث: أن مصر ليست فى حاجة إلى كلمات دعم أو بيانات مساندة لموقفها، وإنما فى حاجة إلى تنسيق حقيقى للمواقف، وتحركات مشتركة، والأهم التوافق على الهدف الذى نسعى إليه جميعًا كعرب ودول إسلامية ويحقق مصلحة فلسطين وحقوق شعبها ويحفظ فى الوقت نفسه الأمن القومى العربى. الرابع: أنه كما يعلم الجميع فمصر لديها استعداد لكل السيناريوهات، وجاهزة لأى تطورات، وتحاول بكل السبل دعم الأشقاء على كافة المستويات، وخاصة زيادة المساعدات الإنسانية، وفضح التعنت الإسرائيلى فى هذا الملف، وإيقاف نزيف الدم، ومنع مخطط التهجير، لكن مصر تدرك أيضًا بخبرتها بالقضية أن الأمور هذه المرة أصعب كثيرًا، وأن الجهد المطلوب للتوصل إلى التهدئة ضخم، ويحتاج إلى تحركات فى كل الاتجاهات وبكل الأوراق السياسية والاستراتيجية من أجل تفعيل خيار السلام لأنه الوحيد الذى ينجى المنطقة من الخطر الذى يحيط بها. الخامس: أن هناك مَن يدسون السمّ فى العسل ويتحدثون عن دعم للفلسطينيين، بينما الحقيقة أنهم يحرضون على إشعال المواجهة، لتوريط دول بعينها في صراع مخطط وتحويل المنطقة إلى كتلة نار ولذلك فلا بديل عن الابتعاد عن هؤلاء بل وفضح مخططهم والعمل بقوة من أجل إيجاد مخرج حقيقى ينقذ المنطقة بالكامل وينقذ أيضًا أبرياء فلسطين.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة