الجمعة 10 مايو 2024

الاستثمار والتجارة والصناعة ثلاثية تحفيز الاقتصاد

صورة أرشيفية

28-11-2023 | 08:18

بقلـم: د.وفاء على
مع مرور الزمن وتصاعد الأحداث وتوالى النزاعات وتراكم الخبرات الخاصة في كل دول العالم لتتبلور في مبادئ عامة سميت بعد ذلك بعلم الحرب، ومع تغير مفهوم السلطة والقوة والتي تنتقل من السلطة المالية أو الجغرافية أو الاقتصادية وهو ما أدى إلى وجود نوع آخر من الحروب وهي الحروب الاقتصادية والتى تعنى الصراع على الموارد الاقتصادية بهدف السيطرة على الأسواق ومقدرات الدول الأخرى بما في ذلك مصادر الطاقة والماء والغذاء، فقد تغيرت الفكرة العسكرية وتبدلت اليوم لتصبح احتلالا اقتصاديا وسيطرة مالية على الأسواق واستبدال تحركات الجيوش بحركة رءوس الأموال وبدلا من استخدام الآليات العسكرية أصبحت الحروب التجارية أو بعض أشكال الحروب غير التقليدية كمحاولة السيطرة على الأسواق والأزمات الاقتصادية ‎وهذه الحروب تؤدى إلى خروج خسائر وتكاليف اقتصادية كبيرة جداً وخلق حالة من عدم اليقين لدى المواطنين وارتفاع الديون العامة للدول وهذا قد يؤدى إلى انهيار الدولة، لأن التضخم ضاغط اقتصادى كبير على دول العالم ومازال الوضع العالمى وتصريحات الفيدرالى الأمريكى تنبئ باستمرار سياسة التشديد النقدى و دخول العالم فى مرحلة ضغوط تضخمية أكثر شراسة خصوصاً بعد الأحداث المتصاعدة فى غزة، ولذلك هناك تدمير لبنية الاقتصاد العالمى وعلى رأسها دول منطقة الشرق الأوسط التى تؤثر الصراعات فيها على ملفات هامة كالسياحة والطاقة وسلاسل الإمداد وغيرها من العناصر التى تقيد حركة أى اقتصاد ولكن لابد للدول أن تتحرك مبكراً لتحفيز اقتصادها رغم كل التحديات. ‎وهنا لابد أن نتحدث عن ثلاثية التحفيز الاقتصادي، فالاستثمار والتجارة و الصناعة يمثلون ثلاثية تحفيز الاقتصاد فى أى دولة ‎ لكن السؤال المهم.. كيف تستطيع الدول بالرغم من حالة الحرب التى يمر بها العالم فى كل المناطق تحقيق هذه الثلاثية؟ ‎بالطبع ليس من العدالة أن تستسلم الدول لأطماع الكبار فى السيطرة الاقتصادية بأشكالها الكثيرة مثل تصدير التضخم والإحباط وتراجع التصنيف الائتمانى ‎ولذلك على كل دولة أن تأخذ بثلاثية التحفيز التى سوف نتحدث عنها. وقد حاولت مصر ومعها دول العالم التى تضررت كثيراً من آثار جائحة «كورونا» وخلال الحرب الروسية الأوكرانية و من ثم بعدها الصراع الدائر حالياً فى قطاع غزة والضفة الغربية والتى لا يعرف أحد متى تنتهى، ‎وضع خطة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية ووضع سياسات توافقية تؤدى إلى زيادة التنافسية والمرونة وهذا ما حاولت مصر تحقيقه. ‎لقد استحوذ هدف جلب مزيد من الاستثمارات على جانب كبير من اهتمام الدولة المصرية من خلال تيسير مناخ الاستثمار وزيادة الأعمال سواء بمؤثرها الاقتصادى أو قرارات وثيقة ملكية الدولة أو قرارات المجلس الأعلى للاستثمار و تخفيف الأعباء إلى المالية ودعم الشركات الناشئة والاستعانة بالخبرات الدولية ورفع حصة القطاع الخاص فى النشاط الاقتصادى وبناء قاعدة إنتاج قوية ومتنوعة بما يؤدى إلى زيادة فرص التشغيل ورفع معدلات الناتج وتوفير فائض للتصدير وزيادة التدفقات من النقد الأجنبى كما تهدف إلى إجراء تحسين مناخ الأعمال وزيادة الاستثمارات فى عدد من القطاعات التى تتميز بقدرات تنافسية عالية مثل قطاع الصناعة والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والشركات الناشئة. ‎بالطبع سيكون مطلوباً من الدولة المصرية فى المرحلة المقبلة أن تضع رؤيتها فى التفرقة بين استهداف الاستثمارات وترويج الاستثمارات برؤية أكثر شمولية وهو مافعلته فعلا فى محور قناة السويس ومشروعاته فمصر لديها اقتصاد متنوع جعل منطقتها الاقتصادية من الخمسة الكبار عالمياً. ‎ولاشك أن هذا يتطلب تحقيق معادلة صعبة وهى كيفية الجمع بين إصلاح عمليات الإنتاج والتشغيل والتصنيع ثم يأتى تطور أداء منظومة التجارة مع أهمية النظر للقطاع الخاص بصفته شريكاً فى عملية صنع القرار وليس فقط متلقياً للقرارات، فضلا عن أهمية تطوير خطة للمتابعة و التقييم وفقاً لمدى زمنى محدد فى دولة كمصر تمثل موقعاً جيو سياسيا و ديموغرافيا لابد أن يكون على رأس مثلث التحفيز التجارى كيفية الربط مع الأسواق الإفريقية باعتباره بداية البوابة لملف التجارة خصوصاً التنظيم مع «أفريكسيم بنك»، وبالتعاون مع الاتحاد الإفريقى وإقامة اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية فالدولة المصرية تعمل على تشجيع مجتمع الأعمال المصرى على الانخراط فى التعاون مع مجتمع الأعمال فى الدول الإفريقية بما يسهم فى تنمية التجارة البينية فى القارة الإفريقية، ويسهم فى خدمة شعوب القارة الإفريقية بالإضافة إلى توسيع نطاق ملف التجارة وسط تحديات دولية عالمية وإقليمية وظروف اقتصادية عصيبة. ‎وها هى الخطة العشرية الأولى لأجندة إفريقيا للتنمية 2063 قد انتهت ومصر حريصة على رؤيتها الموحدة مع قارة إفريقيا لتحقيق التنمية الشاملة، والتى من شأنها تعزيز مكانتها التجارية بمقوماتها والهدف الذى وضعته نصب عينها ليكون أساسيا لتحركها فى ظل رئاسة وكالة الاتحاد الإفريقى للتنمية (النيباد). ‎ويمثل الملف الصناعى لأى دولة وسيلة من وسائل التحفيز الاقتصادى وهو قاطرة التنمية الاقتصادية الاحتوائية والمستدامة فى مصر والتى تلبى الطلب المحلى و تدعم نمو الصادرات لتصبح مصر لاعباً فاعلاً فى الاقتصاد العالمى وقادرة على التكيف مع المتغيرات العالمية وذلك وفقاً لاستراتيجية التنمية المستدامة رؤية مصر 2030 وفى هذا الإطار تتطلب الرؤية التنموية توفير المناخ الملائم للنمو الصناعى المستدام القائم على تعزيز تنافسية المنتج المصرى وتنمية المعرفة والابتكار و توسيع الطاقة الاستيعابية للقطاع وخاصة فرص العمل اللائق مع تكثيف الاستثمارات الصناعية وبخاصة فى المجالات التى تحظى فيها مصر بميزة نسبية وتنافسية وقادرة على التكيف مع مستجدات الثورة الصناعية الرابعة، وأهمية التعويل على الإنتاج مع حل ثلاث مشاكل رئيسية هى التضخم وسعر الصرف وتوافر الطاقة‎ ولذلك وضعت الدولة المصرية خطة للتنمية الاقتصادية باستهداف 4 محاور للتجارة والصناعة بتحفيز الاستثمار الصناعى و تعميق المنتج المصرى وتحسين تنافسية القطاع الصناعى وتنمية الصادرات و تنمية مهارات العاملين بالقطاع ولا شك أن الدولة التى تسعى إلى تحفيز اقتصادها تتخذ من السياسات سالفة الذكر طريقا لتحقيق الهدف لأنها تتضمن عددا من المبادرات المالية والضريبية الداعمة للنشاط الصناعى وخاصة تلك المتضررة بصورة مباشرة من الأزمات الدولية على غرار تيسيرات إقامة المشروعات الصناعية للإحلال محل الواردات مع مراعاة البدء فى الصناعات المغذية كما تسعى الخطة إلى مواصلة تحسين مناخ الاستثمار لجذب الصناعات عالية التقنية لرفع القيمة المضافة للمنتجات الوطنية وزيادة تنافسيتها فى الأسواق الدولية مع تحفيز الاستثمارات الأجنبية على إقامة مراكز للبحث والتطوير للمعاونة فى نقل المعرفة والتقنيات الحديثة والتكنولوجيا المتقدمة وخطة متكاملة للتوسع فى إنشاء المعاهد والكليات والمدارس التكنولوجية هو ما تتعهد به الدولة المصرية مع عمليات التدريب والتأهيل المستمر والمتطور لمتطلبات المصانع المصرية القائمة بالفعل مع مراعاة حجم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتخصيص جهة شراء موحدة لتوفير احتياجات هذه المشروعات وتوثيق الروابط بينها وبين المشروعات كبيرة الحجم. كذلك السعى الدائم لمواصلة تحفيز ضم القطاع غير الرسمى مع القطاع الرسمى وتيسير إجراءات التصالح سريعاً للقطاع الصناعى بالإضافة إلى أمر هام جداً من أجل عملية التحفيز الاقتصادى ألا وهو دور جهاز مكافحة الإغراق التابع لوزارة التجارة والصناعة و جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية وجهاز حماية المستهلك والاهتمام بآليات البورصة المصرية وتنشيط سوق الأوراق المالية والعمل على زيادة حجم التداول ورأس المال السوقى. ‎ ومن رؤيتنا الخالصة نرى أنه لاغنى عن تدفق رءوس الأموال بجانب وجود مؤشر الجنيه المصرى ومتابعة عملية الدولرة الكاملة. و‎لقد انتهجت الدولة المصرية أيضاً فى مجال التحفيز الثلاثى للاقتصاد التوسع فى الإنتاج المدنى للمصانع الحربية مما يكفل استغلال الطاقات الإنتاجية القائمة والتوسع فى تلبية احتياجات السوق المحلى من بعض السلع كبديل للعمليات الاستيرادية ولتسريع وتيرة الاستثمار الصناعى أيضاً فى سيناء من خلال التوسع فى إقامة المجمعات الصناعية الجاهزة و تفعيل مشروع إقامة منطقة صناعية جديدة بوسط سيناء وتعزيز التوجه الصناعى للأنشطة صديقة للبيئة والتوسع فى إنتاج مصادر الطاقة النظيفة 78 ألف فدان، فالقطاع الصناعى يتميز بخاصيتى الديناميكية والتنوع مما يجعله قادراً على التكيف السريع مع التطورات التقنية فى مجالات الإنتاج ومع المستجدات فى نطاق سلاسل الإمداد الدولية و المعاملات التجارية بالإضافة إلى ارتفاع إنتاجيته وتحقيقه لمعدلات نمو عالية على نحو مطرد فضلاً عن قوة علاقة الارتباطية والتشابكية مع سائر القطاعات الصناعية والاقتصادية الأخرى، فالاقتصاد الصناعى المصرى رغم كل الظروف يساهم بأكثر من 16 فى المائة للناتج المحلى علاوة على توظيف نسبة يعتد بها من القوى العاملة تقدر بنحو 15 فى المائة من الإجمالى وكذلك تتعاظم مساهمة القطاع التصديرى بنسبة تصل إلى 85 فى المائة من إجمالى الصادرات الـسلعية غير البترولية مما قد يؤهلها لتبادل المركز الأول مع تحويلات المصريين بالخارج فى قائمة المصادر المولدة للنقد الأجنبى ومن ثم تخفيف الضغط والعبء على الاحتياطى النقدى من حدة اختلالات ميزان التعاملات الجارية. ‎ومن رؤيتنا الخالصة نرى التوجه إلى مناطق الفوائض المالية العالمية كوسيلة لجلب رءوس الأموال والاهتمام الخاص بضرورة تعبير البورصة المصرية عن الاقتصاد المصرى وليس سعر العملة فالأطروحات الحكومية حان وقتها وسعرها العادل وفرص تسويقها. ‎ فالاستثمار والتجارة والصناعة تمثل معادلة صعبة ولكنها ليست مستحيلة ولذلك تحاول الدولة المصرية تقديم كافة البيانات بشفافية وتوفير البيئة المناسبة للاستثمار وكذلك آليات التحفيز الصناعى وآفاق ملف التجارة الدولية فالنجاح قوة وإرادة ولا يمت لها بصلة كلمة «لا أقدر ولا أستطيع» وإنما قول واحد ليس أمامنا خيار غير النجاح والتحفيز الثلاثى للاقتصاد المصرى.