الجمعة 31 مايو 2024

خروجا عن مبادئ الإسلام الدماء التى أريقت فى الدولة الأيوبية

22-2-2017 | 12:11

بقلم –  رجائى عطية

لم يكن قتل السهروردى هو حادثة القتل الوحيدة فى الدولة الأيوبية التى حكمت مصر والشام ، فمع صفحات البطولة التى سطرها الناصر صلاح الدين يوسف الأيوبى ، وانتصاره المجيد على الصليبيين فى « حطين » (٥٨٣ هـ / ١١٨٧م) ، وتحريره عكا ثم نابلس والرملة وقيسارية وأرسوف وبيروت ، وصور وطرابلس الشـام وعسـقلان ، واسترداده « بيت المقدس » من الصليبيين ودخولها فى ٢٧ رجب سنة ٥٨٣ هـ / ٢٠ سبتمبر ١١٨٧م ، فإنه بوفاته فى مارس ١١٩٢م / ٥٨٨ هـ لم تعد الدولة الأيوبية من بعده كما كانت فى حياته .

آفـة التوريث

والترضيات وتقسيم الدولة

فقد تولى من بعده ابنه الملك العزيز الظاهر عماد الدين ، وكان قد ولى مصر فى حياة أبيه ، ثم تسلطن بعد وفاته ، وكان أصغر من أخيه الأفضل المتولى دمشق ، ولكن الأفضل كان مشغولاً بلهوه ، وتبين للناس عجزه ، ووقعت الوحشة بين الأخين ، فأطمع ذلك الصليبيين ، وحاصروا جَبَلَة ، وكان بها جماعة من الأكراد فباعوها لهم ، وخرج الملك العزيز من مصر يريد فى الظاهر قتال الصليبيين ، ويضمر أخذ دمشق من أخيه « الأفضل » ؛ فاستنجد الأفضل بعمه العادل أبى بكر بن أيوب القائم منذ عهد أخيه الناصر صلاح الدين بأمر الجزيرة والرّها وسُمَيْساط والرقَّة وقلعة جعبر وديار بكر وميَّافارقين ، كما استنجد بأمراء المشرق القائمين على حلب وحمص وبعلبك والموصل ، فأجابوه . وبظاهر دمشق أرسل الملك العزيز يريد الاجتماع بعمهما العادل ، فاجتمعا على ظهور خيلهما فيما ينقل ابن تغرى بردى فى النجوم الزاهرة ، فنصحه العادل بألاَّ يوقع الفرقة والخلاف فى البيت الأيوبى ، وأن يحترم عهد أبيه ، فالعدو حولهم من كل جانب ، وقد أخذوا « جَبَلَة » ، وحضه على ألاَّ يكسر حرمة دمشق ، فعاد الملك العزيز أدراجه ورحل وهو مريض إلى برج الصُّفَّر ، بينما وصل أمراء الشرق ، فأخبرهم العادل بما كان ، واشتد مرض العزيز فاضطر لقبول المصالحة ، وطلب مصاهرة عمه الملك العادل ، فزوجه ابنته « الخاتون » ، ورجع كل واحد إلى بلده ، وذلك فى شعبان سنة ٥٨٩ هـ / ١١٩٣م .

والتقى الأخان فاعتنقا وتباكيا ، ولكن سرعان ما عاد « الأفضل » إلى عادته فى اللهو « واللعب » ، حتى سُمِّى « الملك النوّام » ، وفوض الأمر إلى وزيره ضياء الدين الجزرى ، وحاجبه « الجمال محاسن بن العجمى » ، فأفسد عليه الأحوال ، وكانا سببًا فى زوال دولته، بينما استمر الملك العزيز بمصر وأمره ينمو ويزداد .

العودة إلى الفرقة والانقضاض

والضرب فى الظهر !!

جعلت بطانة الملك العزيز تحرضه على أن يغشى أخاه الأفضل بدمشق ، بعد شيوع لهوه ولعبه ، حتى استقرت الفكرة ثانية فى ذهن « العزيز » ، ودخل الحلبة عمهما « العادل » ، ولكنه دخل هذه المرة منضمًّا إلى « العزيز » بعد أن يئس من أمر الأفضل .

خرج العزيز من مصر مسرعًا قاصدًا الشام ، إلاَّ أن العادل ركبه القلق من أنه لا طاقة له بالعزيز إذا جاء ، فراسل « الأسدية » الذين كانوا بمصر ، ووعدهم بالأموال والاقطاعات ، فلاقى العرض قبولاً لدى « الأسدية » ، فقد كان العزيز قد قَّدم عليهم « الصلاحية » مماليك أبيه ، بينما كان « الأسدية » مماليك عمه « أسد الدين شيركوه » ، ودفع العادل بالأموال إلى « الأسدية » ، وتركوا معسكر العزيز وتقدموا إلى دمشق ، فلما لم ير العزيز فى الخيام أحدًا منهم ، كرَّ راجعًا إلى مصر.

واللافت أن الأسدية بقيادة زعيمهم ـ طفقوا يحرضون العادل على أخذ مصر ، مع أنهم كانوا هم والأكراد يكرهون العادل ، ولكن دعتهم الضرورة إلى اتخاذ هذا الموقف ، وإذا بالعادل ينكص عما اتفق عليه مع العزيز ابن أخيه ، واتفق مع « الأفضل » وسارا معًا قاصدين العزيز فى مصر !

وفى طريقهما إلى مصر ، مرَّا ببيت المقدس ، وعزلوا « جرديك » عنها ، وولوا محله « أبا الهيجاء السمين » المقدم فى الأكراد الأسدية ، واستأنفا المسير إلى مصر ، حتى نزلا بلبيس وبها جماعة من « الصلاحية » ، وشب القتال ، إلاَّ أن العادل عاد إلى النكوص مرة أخرى ، وتوقف عن القتال ، فلم يعد يرى انتزاع مصر من العزيز ، وظهرت منه قرائن تدل على أنه لا يرى إيثار « الأفضل » بالسلطة ، وتقديمه على « العزيز » ، وأرسـل « العادل » إلى العزيز يطلب منه القاضى الفاضل ، وانتهى معه إلى رد خير الأسدية ، وإقطاعاتهم وأملاكهم ، وأن يُبْقى « أبا الهيجاء » على ولاية القدس ، ثم نصح ابن أخيه الأفضل بأن الأصوب أن يتصالح مع أخيه العزيز ، لأن ما كانا يزمعانه مع ابن أخيه لا يليق !

هنالك فهم الأفضل أن عمه العادل رجع عن رغبته ، وأنه اتفق مع أخيه العزيز على أخذ البلاد منه ، فمضى هو إلى أخيه ، وتصالح وإياه ، وكرَّ عائدًا إلى دمشق ، بينما دخل العزيز والعادل والأسدية إلى القاهرة يوم الخميس ٤ من ذى الحجة ٥٨٩ هـ / ١١٩٣ م ، وقام العادل بسلطنة العزيز ومشى بين يديه بالغاشية ، وهى سرج من أديم مطرز بالذهب .

الطبع غالب !

بيد أن « الأفضل » عاد إلى سيرته الأولى حين وصل دمشق ، فترك الحبل على الغارب لوزيره « الجزرىّ » ، والأفضل يسمع منه ولا يخالفه ، فكتب أعيان الدولة إلى العادل يشكون إليه سياسة ابن أخيه وتحكم الوزير الذى أمعن فى سياسته السيئة ، فأرسل
إلى ابن أخيه « الأفضل » يستحثه على عزل هذا الوزير ، وأن يرفع يد هذا الوزير السىء التدبير ، فلم يستجب « الأفضل » لنصيحة عمه ، الأمر الذى أغضبه ، فأرسل يتفق مع ابن أخيه « العزيز » يستحثه على القدوم إلى الشام ، واعدًا إياه بأنه سيكون معه .

بلغت الأخبار « الأفضل » ، فجعل يستعد للقتال ومواجهة الحصار المتوقع ، وفرق الجند والأمراء على الأبراج والأسوار ، بيد أن هؤلاء أرسلوا سرًّا إلى « العزيز » و« العادل » ، وتم الاتفاق مع العادل على دخول دمشق من الباب الشرقى ، وطبقًا لهذا الترتيب دخل العزيز والعادل إلى المدينة من هذا الباب بغير قتال ، ونزل العزيز ببيت عمته « ست الشام » ، ونزل العادل بدار العقيقى ، فلما أُسقط فى يد « الأفضل » وافاهما فى دار العقيقى ، وقيل إنه بكى بكاءً شديدًا ، فأمره العزيز بالانتقال من دمشق إلى « صَرْخدْ » ، وهى مدينة بجنوب محافظة السويداء السورية ، فأخرج وزيره « الجزرىّ » ليلاً فى جملة صناديق خوفًا عليه من القتل ، فأخذ الوزير أموالاً عظيمة وهرب بها إلى بلاده ، مستغلاً هذا الخلف الذى أصاب العائلة الأيوبية !

الإمعان فى الترضيات الوراثية !!

بمنطق الإقطاعيات !!

كان العزيز قد اتفق مع عمه العادل أن يكون نائبه بمصر ، ويقيم العزيز بدمشق ، ولكن العزيز عاد فندم ، وأرسل إلى أخيه الأفضل رسالة فيها صلاح حاله ، ومكث هو بدمشق مدة ، فلما كانت الليلة الأخيرة للعزيز بدمشق ، حض العادل ولده « المعظم عيسى » على أن يدخل على ابن عمه العزيز ويطلب منه دمشق ، فدخل على العزيز وقَبَّل يده ، وقيل إنه أعطاه دمشق ، وقيل بل أعطاها لعمه العادل بعد أن استنابه فيها ، والعادل هو الذى أقطعها بعد ذلك سنة ٥٩٤ هـ / ١١٩٧م إلى ابنه « المعظم عيسى » ، بينما عاد العزيز إلى مصر ، ومضى الأفضل إلى « صَرْخدْ » ، وأثناء مرور العزيز فى طريق عودته على القدس ، عزل « أبا الهيجاء السمين » عن نيابتها ، وولاها لسنقر الكبير ، ومضى أبو الهيجاء إلى بغداد .

وفـاة العـزيز

وخط التوريث ، وعثراته !

توفى العزيز بمصر فى ٢٠ محرم ٥٩٥ هـ / ١١٩٨م ، وأوصى بالملك لأكبر أولاده العشرة : ناصر الدين محمد ، الذى لقب بالملك المنصور محمد ، وكان لا يزال فى العاشرة من عمره ، وأقره رجال الدولة ، فلما جاء سيف الدين أُزْكُش مقدم الأسدية وكان غائبًا بأسوان ، أقَرَّ ما فعلوه ، إلاَّ أنه أثار أنه لا يزال صغيرًا لا يستطيع النهوض بأعباء الملك ، ولابد من تدبير من يقيم الأمور ، وإذ أن العادل مشغول فى الشـرق بماردين ، فـإن
« الأفضل » هو الأقرب ليكون أتابك العساكر ، فأرسلوا فى استدعائه من « صَرْخدْ » ، فلما وصل مصر استقبله الأسدية والصلاحية ، ولكن الأسدية أشارت عليه بالإسراع إلى دمشق ، لأن العادل مشغول بماردين ، فكتب الأفضل إلى أخيه الملك الظاهر غازى صاحب حلب ، واستنجده فأجابه ، وانطلق الأفضل بالعساكر المصرية إلى دمشق بعد أن استناب بمصر « سيف الدين أُزْكُش » ، وأحدق بدمشق فى شعبان من تلك السنة (٥٩٥ هـ /١١٩٨م).

فلما بلغ الخبر الملك العادل أبو بكر ، وهو قائم على حصار « ماردين » من عشرة أشهر وأوشكت على التسليم ، ترك على الحصار ولده « الكامل محمد » ، وطار هو إلى دمشق، ودخل ومن معه إليها ، ولحق به الظاهر شقيق الأفضل بعسكر حلب ، وجاء عسكر حماة وحمص ، وعسكر الحصون ، وكسروا « باب السلامة » بشمالى دمشق ، وجاء آخرون من « باب الفراديس » ، وهو باب آخر شمال دمشق ، وكسروه ، واشتد الحصار على دمشق ، فبعث العادل إلى ابن أخيه « الظاهر غازى » صاحب حلب ، يحرضه على أن يسلم له دمشق ويكون هو السلطان عليها ، وليس الأفضل ، فطمع الظاهر فيما عرضه عليه العادل ، وأرسل إلى أخيه الأفضل يطلب منه أن يؤثره بدمشق فقد صار عملاً صاحب مصر ، فاعترض عليه الأفضل بأن أباهما الناصر صلاح الدين يوسف قد أعطاها له ، وأنها أُخذت منه غصبًا ، فلن يعطيها لأحد ، ودب الخلف بين الأخين ، ودخلت سنة ٥٩٦ هـ / ١١٩٩ م ، والحصار مضروب على دمشق ، وفى تلك الأثناء وصل « الكامل » ابن العادل من ماردين فى خلق كثير من التركمان وعسكر حَرّان والرّها ، فتأخر الأفضل بعساكره ، ثم سار إلى مصر ، فأرسل العادل وراءه من لحق به على « الزبدانى » وهو نهر بتخوم دمشق ، يدعوه إلى الترفق فإنه له مثل الوالد ، ويمنيه بأن عنده كل ما يريده ، فرد عليه بأنه إن كان صادقًا فيما يمنيه فليبعد عنه أعداءه « الصالحية » ، فلما سمع هؤلاء بهذه القالة ، حرضوا العادل أن يسير فى أعقاب الأفضل ، فطاردوه معًا حتى نزل الأفضل بلبيس ونزل العادل « السائح » ، وهى المنطقة الواقعة على جانبى ترعة السعيدية فى المسافة الواقعة بين ناحيتى سوادة والصالحية بمركز فاقوس بمحافظة الشرقية ، وتقاتلوا فانكسر الأفضل وتفرق عنه أصحابه ، ورحل إلى القاهرة وأغلق أبوابها ، وهكذا احتدم الخلاف بين أبناء الأسرة الأيوبية ، بينما لا يزال الصليبيون محدقين بهم يتحينون الفرص من كل جانب !

ودخل « سيف الدين أُزْكُش » بين الأفضل والعادل ، واتفقوا بمنطق الإقطاعيات أيضًا أن يعطيه العادل ميّافارقين وجَبَل جور وديار بكر ، ويأخذ منه مصر ، وقد كان ، ورحل الأفضل من مصر فى ربيع الآخر ٥٩٥ هـ / ١١٩٨م ، ودخل العادل إلى القاهرة ، حيث أحسن إلى أُزْكُش وحَكَّمَهُ فى البلاد ، ووصل الكامل إلى مصر فى العاشر من رمضان ، فالتقاه أبوه العادل من « العبّاسة » وأنزله فى دار الوزارة ، وكان قد زوجه بنت أخيه الناصر صلاح الدين يوسف ، فدخل بها ، وكانت أول سلطنة العادل على مصر يوم أن خطب له يوم الجمعة الحادى والعشرين من شوال سنة ٥٩٦ هـ / ١١٩٩م .

العـادل يموت مقهورًا

بعد استيلاء الصليبيين على دمياط !

مع هذه الفرقة والانشغال بمنطق الإقطاعيات ، مقرونًا بوهن الدولة العباسية الأم ، إبان خلافة « الناصر لدين الله » الخليفة الرابع والثلاثين بين خلفاء بنى العباس ، والتى امتدت ستة وأربعين عامًا (من سنة ٥٧٥ هـ /١١٨٠ م حتى سنة ٦٢٢ هـ /١٢٢٥ م) ، لم يُرصد له فيها إنجاز يحسب له أو للدولة العباسية ـ جمع « جان دى بربين » جيشًا من الجرمان ، واستولى على « دمياط » سنة ٦١٥ هـ / ١٢١٨ م ، وقيل إن الملك العادل الأيوبى مات فى أغسطس من تلك السنة حزنًا وكمدًا على ضياع دمياط ، وتحدث الرواة أنه أوصى قبل وفاته ابنه الكامل محمد بإخراج الصليبيين منها .

نشط الكامل محمد لاسترداد دمياط ، فبنى الاستحكامات جنوبى دمياط وفى المنصورة ، وحسم النزاع الذى شجر بينه وبين أقاربه ، وجاءته الإمدادات من حلب وحمص وحماه وغيرها ، ثم التقى بالصليبيين عند المنصورة ، وأغرق السفن فحجزت ماء النيل وحال بذلك دون تقدمهم ، وحلت الخسائر بالصليبيين بسبب فيضان النيل وإحاطة المصريين ومن معهم بهم من كل جانب ، وتفشت الحُمّى فى جند الصليبيين فاضطروا اضطرارًا سنة ٦١٨ هـ / ١٢٢١م لطلب الصلح ، فرأى الملك الكامل من حسن السياسة وبعد النظر أن يجيبهم إليه ، حتى لا تقوم حرب صليبية أخرى ، وسمح لهم بالجلاء عن دمياط ، وعقدت هدنة بين الطرفين لمدة ثمانى سنين ، ورحل الصليبيون عن مصر بعد أن مكثوا فيها أربعين شهرًا .

الصليبيون يشنون حروبًا صليبية أخرى !

على أن ما أمله الملك الكامل بالصلح الذى قبل إجرائه ، نكص عنه الصليبيون ، فخرج الإمبراطور « فردريك الثانى » بحملة إلى فلسطين ، وتزوج من ابنة « جان دى بربين » وارثة عرش أبيها !

وبدلاً من أن تجبّه الدولة العباسية والدولة الأيوبية لطرد هؤلاء الغزاة ، كما
حدث قبلاً فى حطين ( ٥٨٣ هـ / ١١٨٧ م ) ، إذ بالنزاع الذى شب بين « الملك
الكامل » بن العادل الأيوبى ، وبين أخيه « الملك المعظم » بن العادل الأيوبى المتولى دمشق ـ يدفعْ « الملك الكامل » إلى عقد صلح معيب مع « فردريك » سنة ١٢٢٩م / ٦٢٧ هـ ، نزل فيه « الملك الكامل » عن بيت المقدس الذى كان الناصر صلاح الدين قد استردها من الصليبيين بعد حروب طاحنة سالت فيها دماء عزيزة طاهرة ، وأطلق الملك الكامل بمقتضى هذا الصلح جميع الأسرى الصليبيين ، على أن يظل مسجد عمر
وما حوله فى حوزة المسلمين ، وقيل إنه ساعد على عقد هذا الصلح ما عرف به
« فردريك » من أصالة وحرية الرأى ، حتى حامت الشكوك حول إخلاصه للمسيحية ، حتى إن « البابا » قال فيه إنه تابع من أتباع محمد لا جندى من جند المسيح !

تقلبات الدولة الأيوبية

وإراقة الدماء !!

بعد عهد الملك الكامل الذى تقدمت فيه مصر تقدمًا وصفه المؤرخون بأنه كان عظيمًا , توفى سنة ٦٣٥ هـ / ١٢٣٨ م , فولى أمراء مصر الأمير أبا بكر , ولقبوه بالملك
« العادل » مقدمين إياه على أخيه الأكبر « نجم الدين أيوب » , فساء ذلك « الصالح
أيوب » بن الكامل , وكان أبوه قد أبعده عن حصن « كيفا » الواقع على الضفة الغربية لنهر دجلة , وَهَمَّ بمغادرة الشام ليستولى على مصر , فاعتقله الناصر صاحب الكرك , ولكنه ما لبث أن أطلق سراحه ,وتحالف معه على أن تكون مصر له , وبلاد الشام للناصر , على منطق تقسيم الإقطاعيات أو « سايكس بيكو » التى أُبرمت فى القرن العشرين , ولكن مماليك الملك الكامل قاموا بخلع الأمير « أبى بكر » المتلقب بالعادل , واستدعوا « الصالح أيوب » , وولوه السلطنة سنة ٦٣٧ هـ / ١٢٤٠ م , فى قصة طويلة رواها ابن تغرى بردى فى النجوم الزاهرة .

على أن ثمن ولاية السلطة كان إراقة دماء الأخ لأخيه, فبعد أن استولى «الصالح أيوب» على ملك مصر , حبس أخاه « العادل الصغير أبا بكر » عند القلعة بضع سنين , ثم قر عزمه على أن ينفيه إلى « الشوبك » فلما رفض « العادل الصغير » , أمر « الصالح أيوب » بالتخلص منه , فدخل عليه أربعة من المماليك وخنقوه بشاش وعلقوه به , ليبدو وكأنه هو الذى خنق نفسه , ولم يجرؤ أحد على الترحم عليه أو البكاء على نعشه وحضور دفنه .

ومن اللافت أن ولاية الملك الصالح نجم الدين أيوب , قد امتلأت بالمفارقات , ما بين هذه الصفحة السوداء قبيل أشهر من موت الملك الصالح نفسه , وما بين نصر عظيم تحقق للمصريين فى معركة المنصورة التى دارت رحاها من ٨ إلى ١١ فبراير سنة ١٢٥٠ م / ٦٤٨ هـ , بعد موت الملك الصالح وإخفاء شجرة الدر لهذا الخبر حتى تحقق النصر , وما بين حماقات الوريث « توران شاه » الذى استُدْعِى من الشام ليلى الحكم , وبدلاً من أن يحمد لقادة الانتصار صنيعهم , ارتد عليهم يريد أن يفتك بهم وينحيهم , فتكاتفوا عليه حتى قُتِلَ صريعًا حريقًا غريقًا فى النيل على ما سوف نرى !