قرأت العمل أثناء المذاكرة التي تسبب لي توترًا وزخامًا فكريًا مبالغًا فيه، لكن الغريب أنني كنت أنتظر الليل لأغوص في صفحات الكتاب المتوفرة على موقع هنداوي للنشر والتوزيع، مجموعة قصصية تحمل رسائل للقارئ والمجتمع.
الكتاب يجعل الكثير من القراء يتهمون الكاتب بالإلحاد، وأحيانًا الزندقة والدعوة للفسق والفجور. في حقيقة الأمر، جبران يمرر أفكاره من خلال اللغة ذات المذاق الأخّاذ الساحر، والخيال صاحب الأساليب المُتقنة، التي تسحب القارئ على البساط السحري، ليسحر به في عالم الوديان البعيد، والجبال المنثور على رؤوسها الثلوج، والقبور التي تحوي القصص الأليمة، والقصور التي تزينها الإنارة الكاذبة الخداعة، وصف سردي ساحر، قلمٌ يسحبك لعوالم منقسمة ومتعددة.
القصة الأولى: "وردة الهاني":
تتمحور حول الفتاة التي باعت قلبها رغم أن الروح لا تُباع؛ من أجل رجل لغته المال، يعانق الأجساد قبل الأرواح. وهنا يشرح الكاتب أن العديد من الناس يتحدثون بلغة المال لا الحب، ويلجئ المجتمع للشرع الذي يكلله القواعد والنصوص التي تخدم الرغبات لا تخدم المحبة، هي طريقة لتوعية الناس إلى طريق المحبة حتى تمحَ الخيانة؛ لأن بسبب الغاية والرغبات تزداد الشهوات.
القصة الثانية: "صراخ القبور":
كتبت القصة من قرن فائت، لكنها تتناول تنفيذ الأحكام على مظاليم المجتمع. والقصة غير مكتملة، تروى من المشهد الأخير؛ ليجري القارئ لهّاثا من أجل معرفة الحقيقة الغائبة. وفي الأحكام تكون الحقائق الصادمة، العدل الغائب على الأرض، وفي الحقيقة ليس على الأرض عدلٌ مطلقٌ؛ لأنه دائمًا ما يتم النظر إلى الأمور من زاوية واحدة.
القصة الثالثة: "مضجع العروس":
تروي قصة فتاة تتزوج من رجل لا تحبه، وتترك حبيبها بسبب العادات والتقاليد. وأرى أن القصة تتشابك في النسيج مع القصة الأولى، ولكنها تأخذ منحى مختلفًا.
القصة الرابعة والأخيرة: "خليل الكافر":
وتروي سهولة إلقاء التهم على من لا تهم لهم، فما أسهل أن تنعت أحدًا بالإلحاد لمجرد اختلافه في الرأي. وما أسهل أن يحاكم الجاني الجناة دون أن يجد من يحاسبهم. والقصة متكاملة الأركان ورائعة؛ لأنها تعتمد على التناص المنهجي في العرض، وتوافرت فيها عناصر القصة الطويلة لا القصيرة مذهب أنطون تشيخوف.
وفي حقيقة الأمر كل القصص سابقة لعصرها وأوانها، فجبران خليل جبران روائي وقاص وشاعر شديد الحساسية والقرب من نبض القلم، ولن تكون المرة الأخيرة لقراءة أعماله؛ لأنها لمست روحي وعقلي معًا.