بقلم – فريدة الشوباشى
يمكن القول أن حيرة المصرى البسيط الذى تتجاذبه الفتاوى «الدينية» من جهة والتشريعات القانونية المنظمة للحياة من أخرى، تزداد مساحة فى كل يوم وهو ما يسبب ارتباكا يصل أحيانا إلى حد الضياع..
فعلى سبيل المثال، ينص القانون على أن سن زواج الفتاة هو الثامنة عشرة من العمر ويعد مخالفا للقانون ومعرضا لعقوبة من يعقد زواجا لم تبلغ فيه الزوجة الثامنة عشرة، وفى ذات الوقت تزدحم شاشات التليفزيون بشيوخ لا يعرف أحد مدى انتمائهم للأزهر الشريف، يصدرون فتاوى تبيح الزواج من سن الثالثة،«إذا كانت تطيق!!»، حتى التاسعة أو العاشرة من العمر..!! ولا شك أن المواطن الذى يسمع مثل هذه الفتاوى، من شيوخ، قد تلقى، لأسباب مختلفة، هوى فى نفسه أو على أقل تقدير، قد يرى القانون، جائرا، بل وربما، مخالفا للدين!!..
كذلك فى موضوع الرشوة التى يجرمها القانون لتداعياتها المؤذية، جاء من «يبررها»، بدعوى أنها نوع من إكرام المؤدى للخدمة وعرفان بجميل صنعه وكأنه ليس موظفا بالدولة وأن تلك هى مهمته التى يتقاضى أجرا مقابلها.. لكن أخطر مافى هذه الظاهرة يتمثل فى تقديرى، فى إصدار الفتاوى المتكررة بصدد المختلفين فى العقيدة الدينية والتى تصل إلى حد إباحة قتل هؤلاء، دون ذنب أو جريرة، اللهم إلا الاختلاف فى الدين.. القانون يجرم القتل وقد تصل عقوبة القاتل، وفق ظروف الجريمة وملابساتها ودوافعها، من السجن لسنوات قليلة إذا كان القتل نتيجة دفاع شرعى عن النفس، أو المؤبد وربما الإعدام إذا ما كان القتل بدافع الانتقام.. وقد شاهدنا مؤخرا كيف يعترف أعضاء فى التنظيمات الإرهابية بارتكاب جريمة القتل «بتهمة الكفر؟» التى أطلقها أحد شيوخه أو أساتذته فى الاجتماعات السرية، ويتمادى فى الجهر بأنه لا يعترف بقوانين الدولة ولا يعتد بها بأى حال من الأحوال.. والأمثلة كثيرة مما أشاع نوعا من البلبلة العميقة والحيرة فى الاختيار بين الامتثال للقانون الذى تصدره الدولة بمؤسساتها، أو السمع والطاعة العمياء لمصدر الفتوى، خاصة وقد انتشرت القنوات التليفزيونية، التى تبث الأفكار والمفاهيم التى لا تنتمى للدين ولا هدف لها سوى إشاعة الضبابية والفوضى، خدمة لمخططات ظهر الكثير منها، غير أن معظمها لا يزال يراوغ ويغالط، مدعيا الالتزام بمبادئ الدين الحنيف والأدهى اتهام الدولة بالكفر..
ومما يزيد الأمر صعوبة، استخدام المكفرين لوسائل التواصل الاجتماعى، دونما رقيب أو حسيب.. كما تجدر الإشارة إلى أن مصدرى الفتاوى، تتفاوت فتاواهم وفق قناعتهم هم، والاختلاف النسبى فى أحكامهم، فمن يرى أن القتل حرام طبقا للقرآن الكريم، أى أن يكون قتل نفسا بغير حق، فقد يرى آخر أنه من الأفضل أن «تهدى» من لديه نزعة القتل وأن تشرح له مساوئ هذا الفعل وكيف أنه يتعارض مع تعاليم الدين.. بينما لا توجد «نسبية» فى القانون، حيث الأفعال المجرمة منصوص عليها بوضوح لا يقبل أدنى التباس.. ومن بين فتاوى تعقيد حياة المصريين الدعوة إلى عدم تنظيم النسل وترك الحبل على الغارب لانجاب أكبر عدد من الأبناء، على أساس أن تلك إرادة الخالق وأنه وحده يرزقهم، ولا أحد يطعن قيد أنملة فى أن كل شىء يتم بإرادة الله عز وجل، ولكنه عز وجل، يطالبنا بالتفكير والتدبر والتنظيم، فلا أحد يمكن أن يصدق، أن يرفض شخص تنظيم الإنجاب، بدعوى التدين، ثم يلقى بما ينجب من أطفال إلى المجهول، إلى الشارع أو أن يلحقهم بالعمل فى سن الطفولة، ويستولى على مكسبهم، أو يدفعهم إلى التسول أو ما قد يكون أسوأ.. ومن أقرب الأمثلة قضية الطلاق الشفهى وما أثارته من جدل محتدم.. بينما مخاطر عدم توثيق الطلاق، فى حال وقوعه، قد يلحق أضرارا قاتلة، بالمرأة ويجردها من اثبات حقها فى الزواج أو الحصول على نفقة لأبنائها، إن وجدوا.. أن تمزيق المواطن بين القانون والفتوى، الصادرة عن غير ذى صفة، أو لغرض فى نفس يعقوب، يجب أن يتم وضع حد له، لأن سلبياته لا تحصى ولا تعد، فالقانون واحد وينطبق على كافة المواطنين دون تفرقة، أما الفتاوى فمتعددة ونسبية، ومتدرجة، تختلف باختلاف طبيعة من يصدرها. لذا على كافة مؤسسات الدولة والمؤسسات الدينية العمل على وضع حد لحيرة المواطن أو تمزقه، وحتى لا يقع بين براثن المتاجرين بالدين والذين لا تعنيهم معاناة المواطن ولا تردى أحواله أو تعريض نفسه للموت.. بل ما يهمهم فقط، هو السيطرة على العقول والقلوب لمرامى ما أنزل الله بها من سلطان.