الأربعاء 26 يونيو 2024

نحن والآفاق المجهولة:ـ بين الداعشية الأمريكية والعنصرية الأوربية

22-2-2017 | 13:40

بقلم –  سفير د. رضا شحاتة

لم يكد يمضى أسبوعان على توليه مقاليد الحكم فى الولايات المتحدة حتى كان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يوقع عدداً مما يسمى بالأوامر التنفيذية التى تمخضت عن موجات من الفزع والذعر اجتاحت أركان العالم، ولعل أشد هذه الأوامر التنفيذية إثارة للجدل ما كان منها يتعلق بقرار حظر دخول الولايات المتحدة أو حظر الهجرة لآجال غير محددة وإعادة التوطين للمهاجرين السوريين خاصة، ثم فرض الحظر لمدة (٩٠) يوما على مواطنى سوريا وست دول أخرى هى( إيران، العراق، ليبيا، السودان، الصومال، اليمن).

ومع التسليم بكثير من التحفظ بأن مسألة الهجرة من دول إسلامية خاصة ومن دول العالم الثالث عامة، تثير من المخاوف والشكوك والشواغل الكثير داخل المجتمع الأمريكى، وفى أوربا أيضاً، فإن معظم الدراسات والأبحاث والتقارير الدولية والموضوعية المحايدة نادراً ما تجد مبرراً لتلك السياسات الإقصائية، بل الأشد إثارة للاستغراب أن ثمة أدلة قوية وثابتة بأن تلك السياسات الإقصائية قد تضاعف من استفحال، وتفاقم إشكاليات التطرف الإسلامى وتدفع به إلى ما هو أسوأ بكثير.

ومع أن إدارة الرئيس (ترامب) قد طرحت بعض المبررات لانتهاج مثل هذه السياسة توصفها بأنها مجرد إجراءات وقائية لدرأ الأخطار والتهديدات التى تتعرض لها الولايات المتحدة، فإن تقارير أهم مراكز الأبحاث المتخصصة فى الولايات المتحدة أكدت أنه ليس هنالك شخص واحد بما فى ذلك اللاجئين الذين دخلوا الولايات المتحدة مؤخراً ومن أى دولة إسلامية كان متورطاً فى أى هجوم إرهابى فى الولايات المتحدة خلال السنوات الأربعين الماضية.

والحقيقة التى تتحدث عن سياسات الإدارة الجديدة تقرؤها كلمات مكتوبة على تمثال الحرية التى تقابل القادم من وراء الحيط وهو يقترب من نيويورك، نقرأ الكلمات التى تقول نرحب بالجياع والمنهكين، والفقراء، حتى يصدر الرئيس الأميريكى (ترامب) أمره التنفيذى (١٣٦٩) عنواناً على أن هذه الكلمات طواها التاريخ الأمريكى والسياسة الأمريكية اليوم، فالهدف كما يقول الأمر التنفيذى هو حماية الشعب الأميركى من الهجمات الإرهابية التى يشنها الأجانب الذين تسمح لهم الولايات المتحدة بدخولها.

هكذا يقول «الأمر التنفيذى» لكن ما لم يقله الأمر التنفيذى، وأظنه لن يقله لا صراحة ولاضمناً ذلك أن الإرهاب الذى تخشى الإدارة أن يهاجر إليها أو أن يلجأ إليها قد لا يأتيها مع مواطنى الدول الأجنبية وقد لا يأتيها مع الجياع والمتهالكين والفقراء، بل قد يأتيها من داخلها ومن داخل المجتمع الأمريكى نفسه، ومن بين مواطنيه الذين ولدوا على أرضه، وتربوا على قيمه، وتعلموا فى معاهده وجامعاته وعاشوا فيه عشرات السنين، بل أجيال وراء أجيال.

والسؤال المطروح على رجال السياسة والمجتمع وقادة الرأى والعلماء والباحثين فى الولايات المتحدة كيف يتحول المواطن الأمريكى، لا المهاجر، ولا اللاجئ المسلم أو العربى الموالى أو المتعاطف والمناصر لتنظيم الدولة الإسلامية، داعش، وما هى الأسباب والخلفيات التى يمكن أن تفسر دوافع المواطنين الأمريكيين، بالمولد والنشأة والتعليم والجنسية والمواطنة الأمريكية، ما الذى يفسر دوافعهم للرحيل الى سوريا للانضمام إلى جماعات العنف والإرهاب، وما الذى يفسر سلوك مواطنين أمريكيين آخرين، لم يرحلوا إلى جهات القتال ـ «مقاتلين أجانب» ـ كما يسمون وآثروا ممارسة «الجهاد المقدس» فى الداخل الأمريكى بل وجماعات ثالثة أخرى لم يهاجروا إلى جهة «الجهاد المقدس» سوريا ـ أو ربما العراق ـ ولم ينضموا إلى صفوف “الجهاد المقدس” داخل أمريكا ذاتها بل اكتفوا بتسهيل السبل والترتيب إما للرحيل وإما للمساعدة والتطوع لمساعدة المقاتلين من «الشهداء الأميريكيين الأبرار» فى ميادين الإرهاب والعنف المسلح.

تقول الدراسات والأبحاث التى تولتها المراكز المتخصصة فى ظواهر التهديدات الأمنية ودوافع مرتكبيها من خلال تحليل إحصائيات وزارة العدل الأمريكية للجرائم التى تتصل بتنفيذ وتخطيط وتورط تنظيم الدولة الإسلامية داخل الولايات المتحدة ذاتها أن هناك ثلاثة أنواع من الجرائم التى ارتكبتها خلايا وعناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على الأراضى الأمريكية وفى قلب مدنها وولاياتها:

أ ـ شن الهجوم أو التخطيط والتآمر لشن الهجون على أهداف داخل الولايات المتحدة.

ب ـ السفر والرحيل أو التخطيط والتآمر للرحيل للانضمام إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية فى الخارج تحت صفة أو تحت مسمى «المقاتلين الأجانب».

ج ـ تقديم التسهيلات للآخرين ممن يتجهون أو يخططون للهجوم أو الرحيل إلى خارج الولايات المتحدة للقيام بعمليات إرهابية.

وبداية، فإن كافة الدلائل تشير إلى أن عناصر (تنظيم الدولة الإسلامية الأمريكية) الذين تمت إدانتهم وتجريمهم بالفعل هم على الأرجح من «العامة» أى ينتمون إلى طبقة أو إلى تيار المواطن الأمريكى العادى وبأكثر مما يتوقعه كثير من الناس، حتى أنه إذا كان من المألوف أن تكون (الصورة النمطية) للإرهابى أن يكون شاباً منفرداً وقد يبلغ من العمر أقل من ٢٥ سنة فإن معالم الصورة التى تطرحها البحوث والدراسات الأحدث تختلف اختلافاً جذرياً، فعناصر (داعش) الأمريكيين الذين انضموا لتنظيم الدولة الاسلامية أكبر سناً، يتجاوز نصف عددهم الخامسة والعشرين من العمر بل ونسبة غير قليلة منهم، وهذا أمر مثير لا يقل عن نسبة ١١٪ من النساء، والأشد غرابة أن مستويات التعليم العليا هى نفس المستويات الأمريكية، كما أن ثلاثة أرباع تلك العناصر كانت من أصحاب المهن المختلفة، وإن كان بعضهم من الطلبة كذلك وقت ارتكاب الجرائم.

دلالات هذا كله، أن تلك العناصر الإرهابية كانت جماعات مندمجة ومنخرطة فى حياة المجتمع، وكان لها حياتها المهنية وآفاقها التعليمية والعلمية وتلك العناصر لم تكن كما توصف أحياناً بمن يسمون “بالذئاب المنفردة” التى تعمل خارج هوامش المجتمع، ولكن برغم ذلك كله فإن علاقاتهم الاجتماعية والإمكانيات والفرص المتاحة أمامهم لم تحل بينهم وبين التطرف والعنف، بل التحول إلى مناصرين مؤيدين لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

ثانياً، ومن أخطر ما أذهل الباحثين والمحللين أن تلك العناصر المدانة كلها دون استثناء أمريكية النشأة والموطن والتربية، والأغلبية العظمى الكاسحة من تلك العناصر (أى نسبة ٨٣٪ من المواطنين الأميريكيين، ومن بين أولئك (٦٥٪) من مواليد الولايات المتحدة ليس من كل هذه العناصر على الإطلاق لاجىء سورى واحد، بل إن من بين عدد (١١٢) حالة من الحالات التى تمت دراستها هى عناصر ارتكبت جرائم إرهابية مرتبطة بتظيم الدولة الإسلامية داخل الولايات المتحدة، ولم يكن من بينها سوى ثلاث حالات فقط من اللاجئين وقت ارتكابهم الجرائم (منها حالتان من البوسنة وحالة واحدة من العراق وصلت قبل عام ١٩٩٩) وعموماً فإن نسبة كبيرة من العناصر المولودة فى الولايات المتحدة تنتمى للجيل الثانى من الأمريكيين.

وثالثاً، فإن معظم العناصر الأمريكية المدانة هى من خارج المجتمعات الإسلامية المستقرة منذ عقود طويلة، بل وتشكل نسبة (٥١٪) من الذين ارتكبوا هجمات إرهابية داخل الولايات المتحدة من عناصر اعتنقت الإسلام مؤخراً، أى عناصر حديثة العهد بالإسلام، بل إن منهم من لم يمض على اعتناقه الإسلام عام واحد قبل ارتكابه جرائمه، أما العناصر التى تختار الانضمام إلى القتال مع تنظيم الدولة الإسلامية فى سوريا فهى أقل عدداً لاتتجاوز نسبة (١٩٪) وممن يسمون «بالمقاتلين الأجانب» والعناصر التى تساعد بتوفير المال والدعم اللوجيستى.

رابعاً: استخلصت دراسات وأبحاث واسعة على العناصر المدانة والمرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية فى الولايات المتحدة أن الدعاية والتأثير الإعلامى والنفسى لتنظيم الدولة الإسلامية، وبصفة خاصة تسجيلات الفيديو قد لعبت دوراً محورياً فى عملية تلقين وتعميق التطرف والاتجاه نحو العنف (تروى “العناصر المدانة” أنها قد شاهدت مراراً تسجيلات (الفيديو) التى أعدتها أجهزة تنظيم الدولة الإسلامية، ومن أهمها (فيديوهات) عمليات الإعدام التى تنشرها (داعش) بشكل موسع على شبكة الإنترنت )

وفى سياق المقارنة من حيث التأثير والقدرة على التجنيد والاستقطاب، فان الدلائل تشير إلى أن تنظيم الدولة الاسلامية داخل الولايات المتحدة كان أكثر نجاحاً واختراقاً للمجتمع الأميركى من تنظيم القاعدة، من حيث القدرة على حشد الدعم داخلياً والأرجح فى معرض تقييم قدرات تنظيم الدولة الإسلامية الدعائية داخل المجتمع الأمريكى أن المنضمين لها من أنصار جدد هم من المواطنين الأمريكيين ومن الذين اعتنقوا الدين الإسلامى مؤخراً ومنذ عهد قريب.

هذا النجاح النسبى لقدرات التنظيم فى التأثير والدعاية إنما يؤكد مدى فاعلية الاستراتيجية الدعائية، بل ويؤكد محورية دور شبكة الإنترنت فى الاتاحة شديدة الانتشار لدعاية التنظيم للجماعة المستهدفة، وذلك على مستوى عالمى واسع النطاق.

مثل هذه الدلالات والاستخلاصات تكاد تتحدى الصور والنماذج النمطية التقليدية للعناصر الإرهابيةـ بل تكاد تتحدى وتتجاوز بكثير كافة الأشكال والنماذج المسجلة للإرهابيين فى العقود الماضية، ذلك أن الصورة الشائعة عن العناصر الإرهابية لتنظيم داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) الأمريكى، والتى تؤكدها يوماً بعد يوم وسائل الإعلام الأمريكية، هى أنهم مسلمون وافدون من خارج الولايات المتحدة أو أنهم عناصر تنتمى إلى داخل المجتمعات الأمريكية المسلمة منذ عهود طويلة.

هذه النظرة أدت فى النهاية لانتهاج بعض السياسات التى تركز على إقصاء المسلمين واستبعادهم من دخول الولايات المتحدة أو الهجرة إليها، كذلك مثل هذه النظرة الاستعلائية تصور نسبة عالية من الشباب، ومعظمهم يكون من فئة عمرية من المراهقين، على أنهم يفتقرون إلى المستوى الملائم من التعليم، وإلى فرص العمل اللائق، ومن ثم تصفهم الدوائر الأمنية بأنهم فئة معرضة لتأثير واستقطاب الجماعات الإرهابية.

وحتى الآن، لم تزل تلك النظرة تسود الأنساق العليا فى الادارة الأمريكية الجديدة على الرغم من أن الأبحاث والتقارير العلمية ومعظم الاستقصاءات قد دللت بما لا يدع مجالاً لكثير من الجدل أن العناصر الإرهابية هى نماذج تمثل وتعبر عن مجتمعاتها الأمريكية الحالية من حيث الحقائق الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والتعليمية.

لقد نجحت العناصر الأمريكية داخل تنظيم الدولة الإسلامية وداخل الولايات المتحدة نفسها نجاحاً ملحوظاً فى تجنيد وتعبئة واستقطاب مواطنين أمريكيين، لاسيما من العناصر التى اعتنقت الإسلام مؤخراً (بأكثر مرات عديدة مما استطاعه تنظيم القاعدة خاصة بعد الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١.

على أن هناك بعض الباحثين والمحللين ممن يرون أن تمهيد الطريق لاعتناق الإسلام، قد يكون مجرد جزء من عملية التجنيد ثم التلقين والتجهيز للتطرف وارتكاب العنف والجرائم الإرهابية فيما يسميه الباحثون باسم (التطرف الجهادى) ويبدو أن تلك الظاهرة هى ما تفسر تلك النسبة العالية والمتزايدة فى الآونة الأخيرة من العناصر التى اعتنقت الإسلام مؤخراً وقبل ارتكاب جرائم الهجوم الإرهابية داخل الولايات المتحدة.

العناصر الأمريكية المنضمة لتنظيم الدولة الإسلامية ممن أدانتهم المحاكم وجرمتهم لجان التحقيق هم على الأرجح فى أعمار تقل عن الثلاثين وليس لها أى خليفة جنائية ولا تعانى من أى اضطراب عقلى أو نفسى بل وحصلت على درجة معقولة من التعليم والتحقت ببعض الأعمال أو احترفت مهناً معينة أو لم تزل فى مقاعد الدراسة، وهى على الأرجح اعتنقت الإسلام فى الآونة الأخيرة، وهى عادة ما ترتبط بعناصر راديكالية على المستوى المحلى.

مجمل القول أن الزيادة فى معدلات الأمريكيين المنضمين لداعش من المواطنين الأمريكيين هم من المواليد على الأراضى الأمريكية والذين تلقوا نشأتهم الأولى وتعليمهم فى المدارس والجامعات الأمريكية ثم اتجهوا لتأثير (داعش) مقابل العدد المحدود للغاية من اللاجئين وهو ما يؤكد علمياً ومنهجياً وموضوعياً أن سياسة الحد من الهجرة أمام القادمين من دول إسلامية لن يقضى مطلقاً ولن يقلل حتى بدرجة كبيرة من التهديدات التى يشكلها تنظيم الدولة الاسلامية على الولايات المتحدة، وليس فى كل الدراسات والتقارير عن الأخطار الأمنية المرتبطة بالاجئين السوريين من آثار الحرب الأهلية الدائرة فى سوريا، ما يشير إلى جرائم إرهابية داعشية داخل الولايات المتحدة ارتكبها لاجئون سوريون، بل إن كل ذلك يخفى وراءه سياسة عنصرية استغلائية مفضوحة.

خلاصة القول العلمى المجرد أن دراسة ظاهرة اتساع أنصار الإرهاب (الداعشى) فى المجتمع الأمريكى لا تكون بتتبع أعداد المسلمين ورصد مجتمعاتهم وميولهم وتجريم شبابهم، بل الأجدى بالأجهزة الأمنية والمصادر الاستخباراتية أن تركز وأن تحصر دائرة اهتمامها فى نوع وطبيعة والآليات المستخدمة للتهديد لارتكاب العمليات الإرهابية ومدى قوة جهاز الدعاية، ومضمون تلك الدعاية التى تبث عبر (الإنترنت) وبشبكة التواصل الاجتماعى واسع الانتشار للتلقين والتجنيد، وهو ما يستوجب تعميق الفهم بأفكار وتوجهات التنظيم واستراتيجيته الدعائية بحيث يمكن قطع شبكة الاتصال أو كسر تلك الحلقة التى تصل بين أفراد المجتمع المستهدف (من الدعاية) من حيث الإحساس بالمظالم أو القهر، والحرمان وفرص الصعود الاقتصادى أو الاجتماعى أو حتى الاحتفاظ بالكرامة الانسانية ولو فى حدودها الدنيا، وهى كلها من العوامل الداعمة لداعش والمحرضة لتوسيع دوائر التعاطف معها والولاء لها والانضمام إلى صفوفها داخل أمريكا وخارجها خاصة فى أوربا باتجاهاتها العنصرية المتزايدة وفى الشرق الأوسط فى بيئته الأمنية الهشة.

هذه الاشكاليات السياسية والأمنية والدستورية أثيرت وبشكل حاد، تعود فى المقام الأول إلى ذلك القرار المثير للجدل على الساحة الأمريكية والدولية معاً والأمر التنفيذى (١٣٧٦٩) والذى تحداه القضاء الأمريكى ونقضته المحاكم الفيدرالية التى تجدلها من تفسير سوى الأولويات الجديدة التى أتى بها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب استعادة عظمة أمريكا بما يؤدى إلى التمييز ضد الأقليات الدينية وضد دول إسلامية سبع معنية لم يحدث أن قتل مواطن واحد منها مواطناً أمريكيا فى عمل إرهابى على الإطلاق، ولكن برغم تلك الانتفاضة القضائية والدستورية ضد هذا (الأمر التنفيذى) وبرغم الاحتجاجات الشعبية الرافضة لمثل هذه السياسة الإقصائية الاستبعادية بدعوى حماية الأمن الأمريكى وأمن المواطن الأمريكى، برغم ذلك كله فإن الظاهرة نفسها هى بمثابة شرارة امتدت خارج الولايات المتحدة لتشعل نيران الكراهية والتعصب العنصرى ضد المجتمعات الإسلامية فى أوربا بصعود التيار اليمينى بشكل أكثر وأخطر فى أوربا، كما يحدث اليوم فى النمسا ممثلا فى “حزب الحرية” القومى المناهض لكل سياسات الهجرة والذى أعلن شعاراً يماثل شعار (ترامب) (استعادة عظمة أمريكا) حين يرفع الحزب النمساوى شعار (النمسا أولا) (حتى وإن كان هذا الحزب خسر الانتخابات (عام ٢٠١٦) بفارق ضئيل لكنه يتمتع بنسبة ٤٠٪ من جملة ١٨٣ مقعدا فى المجلس الوطنى، بل إن برلمانات بولندا، والمجر، والسويد تضم أحزاباً يمينية شديدة التطرف، وحتى أن اليونان التى كثيرا إما استقبلت المهاجرين من البلقان والشرق الأوسط وكلها تتجه إلى ما هو أقرب إلى عنف (النازية الجديدة) لتدفع أوربا والعالم اليوم تكاليف تفوق ما دفعته ثمناً لنازية ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين.

قراءة المشهد السياسى بعد الانتخابات الأمريكية وتولى الرئيس ترامب دفة الحكم فى واشنطن بتوجهاته داخلياً وخارجياً تمثل اشتعالاً أو إشعالاً لدوافع قد تكون أمنية وقد تكون عنصرية وقد تكون بسبب ميراث تاريخى دفين، لظاهرة الكراهية ضد العرب وضد المسلمين (وهو تراث بغيض بالحروب الصليبية وطرد العرب من الأندلس) وربما تمتد قريبا إلى فرنسا وألمانيا (ونحن على أعتاب انتخابات رئاسية فى مايو ٢٠١٧ فى فرنسا أم فى ألمانيا التى يرفع حزب ما يسمى(البديل) لألمانيا “أن الإسلام لا مكانة له فى أوربا” حتى أنه يحظر المساجد فى أوربا.

والسؤال أخيراً ما هى الآفاق المجهولة التى تحملها إلينا سياسة الرئيس الأمريكى، هل هى حقاً تحقيق لنبؤءة «صموئيل هانتجتون» منذ أكثر من ربع قرن عن «صدام الحضارات» أم هى إرهاصات بتحولات إستراتيجية مرتقبة فى العلاقات الدولية والسياسات اليورو أطلنطية تجاه عالم العرب والشرق الأوسط والعالم الإسلامى، وهى فى كل الأحوال تحديات ضخمة حقيقية تواجه قيم الغرب وحضارة الغرب وسياسات الغرب، الغرب الأمريكى الحديث والغرب الأوربى القديم الذى ظل عقوداً طويلة يبشر العالم بالسياسة الاحتوائية، والتعددية الثقافية وحقوق الإنسان العالمية، لكنه ينتهج اليوم من السياسات ما يوقد “نيران الإرهاب الجهادى” بإطلاق سياسات إقصائية تقسم الإنسانية من جديد إلى أديان وثقافات بعضها مسموح به وبعضها محظور عليه، فى حرية الحركة والانتقال والاندماج بما يهدد تماسك المجتمعات وانسجامها ووحدة نسيجها، وهويتها الثقافية .

ذلك هو التحدى الكبير الذى يتجاوز إلى حد بعيد مجرد حظر دخول بعض مواطنى الدول الإسلامية إلى الولايات المتحدة، كما يتجاوز بعض قيود الهجرة الى عدد من الدول الأوربية التى تكاد تقع فى قاع التطرف اليمينى العنصرى والدينى والعرقى الذى يعيد إلى الأذهان ما قبل الحرب العالمية الأولى، بل هو تحد أخطر وأفدح نرى بعض شراراته التى أطلقها الرئيس الأمريكى الجديد حتى أوقد نيران الفتنة الكامنة مع قادة اليمين فى أوربا وتلقفتها قيادات عناصر التنظيم الأمريكى للدولة الإسلامية (داعش) سواء فى الولايات المتحدة أم فى أوربا أم فى بعض بقاع الشرق الأوسط كذخيرة أقوى وأكثر فاعلية فى حروب ثقافية عنصرية تلوح على الأفق فى القرن الحادى والعشرين