الخميس 2 مايو 2024

التُجار الفُجَّار

مقالات1-1-2024 | 14:40

اعتدنا وبالأخص العام الماضي  مشهداً مُحزناً ؛حيث نري رب الأسرة وربات البيوت تنظر إلى السلع والبضائع في الأسواق بعيون زائغة و جيوب خاوية، وعقول حائرة، غير قادرة على تبرير واقع الحال ،والذي خرج من نطاق المنطقية إلى الخيال ؛ حيث  الانفلات شبه الشامل فى أسعار السلع والخدمات؛  فكل بائع أو تاجر يعرض السعر حسب مزاجه ،من دون خوفٍ من المحاسبة،بل وتمتد البجاحة بتسعيرة يومية، مسائية وصباحية يسنها التاجر المُتبجح دون وزن لرقيب أو ضمير.
استغاث المواطن على مدار العام الماضي بجميع مؤسسات الدولة الرقابية والأمنية ؛ كونها أكثر المؤسسات انضباطاً، وشعوراً بالمواطن؛ للسيطرة على حالة الانفلات التي تشهدها الأسواق ،ووسط صرخات المُستغيث وقفت الأجهزة رافعة الراية البيضاء!.

كلنا نعلم ملابسات الحروب المحيطة ،وضغوطات التضخم الذي داهم العالم ،بل ونقر بارتفاع الأسعار عالمياً ؛ وبالتالي استوعبنا ارتفاع قيمة الدولار أمام الجنيه بنحو  أكثر من الضعف تقريباً، واستسلمنا تماماً لارتفاع سعر السلع المستوردة بنفس النسبة وربما أكبر، وبالتوازي فهمنا ارتفاع قيمة بقية السلع مع زيادة معدل التضخم؛ لكن ما أتحدث عنه هو باختصار؛ الإرتفاع الجنوني للسلعة الواحدة وبصفة يومية، مع ثبات سعر الصرف للجنيه أمام الدولار؛ دون ابداء أسباب.

وتبريراً لحالة العشوائية ؛لجأ البعض لشماعة "معادلة  العرض والطلب" ، وهو مبرر ضعيف ؛ فبالتدقيق سنجد أنه وبالمشاهدات اليومية، فإن الأمر ليس هكذا على طول الخط فى بعض الأسواق ؛فالانفلات الشامل فى الأسعار بسبب جشع وطمع واحتكار بعض التجار؛ لا يقتصر على سلعة ترفيهية وكمالية أو أساسية أو ما بينهما، بل يبدأ من كيلو الخضار والفاكهة ،مروراً بالسجائر والخبز والأرز والسكر ،نهاية بتسعير عشوائي للسيارات والعقارات -ملك الأفراد-.

 وما زاد الطين بلة هو الغياب التام للمعلومات وعدم وضوح الوضع القادم،بل وتأهب التجار لشهر رمضان من الآن ؛ مما أشاع مزيداً  من الاضطراب في الأسواق ومزيداً من الإشاعات المتعلقة بالأوضاع الاقتصادية، وأصبحت الجملة الترهيبية الشهيرة والمتكررة " ألحق قبل التعويم القادم"!

ومن أجل إنقاذ الموقف ؛ أقترح بعض الخبراء عودة استراتيجية الدولة الشمولية ووجوب فرض التسعيرة الجبرية؛ وهو ما يُعد دربًا من المستحيل لكونها غير عملية، وأساسها هو عودة  الحكومة كطرف منتج وبقوة؛ لتملك مقدرة التحكم فى الأسواق ؛ وهو ما تسبب في خلل نظرية العرض والطلب ؛ إذن فكيف ستتزن معادلتها في ظل غياب الحكومة كمنظم وكمراقب وضابط  فى الأسواق.

لكن مرة أخرى السؤال الأكثر أهمية هو لماذا يمارس بعض التجار جشعهم من دون حسيب أو رقيب؟ ما فعلته وتفعله الحكومة خلال الفترة الماضية متمثلة فى وزارة التموين عبر معارض مثل "أهلا رمضان" و"أهلا مدراس"، بكل تأكيد مُثمَن؛ لأنها لعبت دورًا كبيرًا فى التخفيف عن كاهل المواطنين، لكن نراه حلولاً مؤقتة غير ناجزة، دون خطة قصيرة أو حتى طويلة الأمد من أجل حل هذه المعضلة.

سؤالي كمواطنة أعاني مثل ملايين المواطنين ؛ موجه إلى الحكومة وهو ببساطة: أين هو دور الأجهزة الرقابية المنوط بها مراقبة الأسواق والتأكد من تطبيق القوانين؟ وكيف يُترك المواطن فريسة لبعض التجار، ولماذا لا نلمس عمل مفتشي التموين على أرض الواقع ؛ مثلاً للتأكد من أن سعر رغيف الخبر أو علبة السجائر أو أى سلعة أخرى كما هى محددة؟! ولماذا يتم ترك بعض التجار يكسبون ويكدسون الملايين والمليارات من دون وجه حق، على حساب ملايين المواطنين؟!، بل على حساب الحكومة نفسها مثلما حدث في أزمة السكر الأخيرة.

حكومتنا الرشيدة ؛ نحن لا نقلل من جهدك لكن نريد حلول جذرية ؛ فالمواطن حَمول وتزداد قوة تحمله حينما يشعر بمجهود حكومته في مراقبة الأسعار.

المواطن يريد أن يشعر ببعض الطمأنينة ؛ وينتظر أن يرى  يداً قوية تضرب التجار المنفلتين والجشعين؛ فهذا مَطلب وواجب قومى فى هذه الفترة شديدة الصعوبة؛ لأنها ستبعث برسالة قوية للشعب أن الحكومة واعية للأمر وتقف بجوار أهلها.
فلا رحمة ولا رأفة مع التجار الفُجار.

Dr.Randa
Dr.Radwa