مسارات التحرك المصرية فى عام صعب حماية الأمن القومى فى المقدمة..ومواصلة بناء الدولة لمواجهة التحديات
الكاتب الصحفي أحمد أيوب
أيام قليلة ونبدأ عاماً جديداً نتمنى أن يكون أفضل حال مما سبقه، فكفى العالم ما شهده من نكبات وأوبئة وحروب جعلت البشرية كلها فى وضع لم تواجهه منذ أربعينيات القرن الماضى. فلم تفلت دولة من التداعيات، بل إن هناك دولاً أصبحت فى وضع كارثى، بعدما أرهقتها الأحداث المأساوية طوال السنوات الأربع الماضية، وأفقدتها القدرة على الصمود.
المؤشرات التى تطلقها المؤسسات الدولية طوال الأسابيع الماضية كلها تتوقع بداية انفراجة مع العام الجديد، لكن للأسف كلها توقعات حذرة لا تطمئن؛ لأن هناك أمورا لا يملك مصيرها أحد، مثل الحرب الروسية - الأوكرانية، أو الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة، أو مصير الأزمة الاقتصادية العالمية، إضافة إلى الخطر الأعظم على العالم وهو التغيرات المناخية التى أربكت الطبيعة وغيَّرت ثوابتها بما أثّر على الإنتاجية الزراعية، ويهدد الأمن الغذائى فى أغلب دول العالم،
ناهيك عن بعض التداعيات التى تسببت فيها الصراعات الدولية، ومنها التهديدات التى تواجه الملاحة الدولية فى البحر الأحمر، والتى إذا استمرت فقد تحمل فى طياتها صراعاً عنيفاً، وربما حرباً إقليمية، أيضاً ما تواجهه سلاسل الإمداد بشكل عام على مستوى العالم الذى أصبح فى صورة بائسة اقتصاديا. والأغرب أنه رغم كل هذه المربكات التى تحاصرنا وتتزايد يوماً بعد الآخر وتتطلب لمواجهتها توحداً وتعاوناً دولياً، نجد الدول الكبرى فى غالبيتها لا تلقى بالاً بكل هذا، وتواصل صراعاتها وحروبها لتزيد العالم معاناة وبؤساً، ومَنْ يدفع الفاتورة الأكبر فى النهاية هم فقراء العالم والدول النامية التى لم تعد مستعدة لتحمل المزيد من الضغوط والتضخم وندرة السلع، فقد فاض الكيل.
ورغم المناشدات الإنسانية، سواء من مسئولى المنظمات الدولية، أو رؤساء وقادة الدول المتأثرة بتداعيات الأزمات المتتالية، أو صرخات الشعوب بأن ينظر الكبار- ولو مرة واحدة- للأمور بشكل إنسانى، ليوقفوا الحروب ويبدأوا فى التعاون من أجل إنقاذ العالم، ورغم تأكيدات كل الخبراء أن التأثيرات السلبية المرهقة لن تقف أبداً عند حدود الدول الأكثر فقراً، وإنما ستطال عاجلا أو آجلا كل الدول الكبرى نفسها، إلا أن هذه الدول لا تسمع نصائح، ولا تستجيب لنداءات، ولا تفكر فى إيقاف حروبها، أو حتى التخلى عن الأنانية السياسية التى تتعامل بها، لتراعى ولو قليلاً مصالح الفقراء والدول النامية.
هذا المشهد العالمى المحزن الذى فرض على خريطة الكرة الأرضية لون النيران والحرائق والتصحر وأصابها بالألم بسبب المجاعات ومشاهد القتلى والمشردين، وآخرها ما يحدث من جرائم فى حق أبناء غزة البالغ عددهم نحو مليونين و300 ألف مواطن أصبحوا بين شهداء ومصابين ومشردين، يراهن الجميع أن تكون لهذا المشهد نهاية أو بوادر نهاية فى عام 2024. صحيح أنه رهان بلا سند أو مبرر قوى يؤكده حتى الآن، اللهم إلا بعض مؤشرات وتوقعات، لكنه الأمل الذى يتعلق به الغرقى فى كل أرجاء العالم، والذين لم يعد لهم غير هذا البصيص الضعيف، حتى يستطيعوا استكمال المسيرة المهددة بالخطر فى ظل تنامى ظاهرة الصراعات والحروب، بسبب اعتماد الكثير من الدول مبدأ أن «الحروب وسيلة سياسية مفيدة» لتحقيق أهدافهم، والنتيجة الطبيعية لهذا المبدأ الإجرامى أن العام 2023 الذى نغادره بكل مآسيه هو الأكثر من حيث الحروب والصراعات حول العالم، وبسبب هذه الحروب التى بعضها ممتد من سنوات سابقة، وبعضها انفجر فى نفس العام، وبعضها مرشح للتوسع؛ زادت نسبة المشردين واللاجئين حول العالم.
¿ ¿ ¿
وبالطبع تأتى منطقتنا العربية فى صدارة البؤر المشتعلة على سطح الكرة الأرضية بالصراعات والحروب، من السودان إلى فلسطين واليمن وليبيا وسوريا. فهذه الدول تخسر كل شيء من استقرار وبشر واقتصاد وثروات، بينما تقف دول أخرى على أطراف الصراع لتحصد المال والأرباح، فهناك 6 دول فى العالم تسيطر وحدها على 75 فى المائة من صادرات السلاح والذى تذهب النسبة الأكثر منه إلى الدول الغارقة فى الحروب والصراعات، أو الدول التى تعيش فى حالة تهديد، بعضه مصطنع، وبعضه له أهداف تخدم الدول الكبرى ومخططاتها، التى تدفع ثمنها الدول النامية والفقيرة، وفى مقدمتها منطقتنا العربية المنكوبة بما ألمّ بها من خراب متعمد وتهديدات واضحة لأمنها القومى، بسبب أطماع إقليمية أو دولية، أو بسبب تنامى التنظيمات المتطرفة الإرهابية، ظاهرة هذا العصر، وأحد أهم أسلحة تدمير الدول الوطنية.
كل هذه الدول النامية والفقيرة ليس لها إلا أن تدفع الفاتورة صاغرة، ويكفى أن يشير تقرير لصندوق النقد الدولى إلى أنه خلال السنوات الثلاث الماضية وبسبب الأوبئة والكوارث والحروب، خسرت المنظمات الدولية المعنية بمكافحة الفقر جهود ثلاث سنوات كاملة كان يجب أن تستثمرها فى حربها على الفقر، أيضا رغم أنه كان متوقعا أن ينمو الاقتصاد العالمى بنسبة 1.7 فى المائة عام 2023، ترتفع إلى 2.7 فى المائة عام 2024، إلا أن ما شهده العالم من كوارث وحروب خفّض نسبة النمو بمعدل كبير، مما ترتب عليه خسائر اقتصادية ضخمة، ليس هذا فقط، بل إن تضاعف الديون على الدول النامية والفقيرة أفقدها الكثير من قدراتها، فهناك نحو 121 دولة متوسطة ومنخفضة الدخل أنفقت عام 2022 فقط نحو 442 مليار دولار على خدمة ديونها الخارجية، ونفس الرقم تقريبا عام 2023، وكل هذا بسبب ما يعيشه العالم من كوارث عسكرية أو اقتصادية أو بيئية السبب فيها هم الكبار.
ولهذا فإن الوصف الذى اتفق عليه الخبراء لعام 2023 أنه عام عدم المساواة لأن الأشد فقرا هم مَنْ تحملوا ضريبة صراعات وأطماع الكبار.. وهنا يأتى السؤال.. وسط كل هذا كيف سيكون عام 2024؟
المؤكد أنه لا أحد يمتلك إجابة قاطعة، فكلها توقعات أو رهانات على بعض المؤشرات التى لا يوجد ما يضمن أن تستمر، خاصة فى ظل تزايد حالة العنف وتصاعد الحروب وعودة التيارات المتطرفة فى كثير من مناطق العالم، وكثير من الدراسات ترجح مزيداً من العودة لهذه التنظيمات فى مناطق مختلفة من العالم، وفى مقدمتها أوربا ووسط إفريقيا بجانب المنطقة العربية.
¿ ¿ ¿
الحل الذى يراه الجميع كى يكون عام 2024 مختلفاً هو البحث عن السلام الغائب، فالسلام هو الطريق الأفضل لإنقاذ العالم، ولن يتحقق ذلك إلا بتوافر إرادة دولية، وأن يستمع الكبار لصوت العقل والضمير الإنسانى، ويتوقفوا عن إشعال الصراعات، وأن يتحملوا مسئولياتهم تجاه العالم لحماية البشرية من الدمار، لكن حتى هذا الحل لم يعد ممكناً، فرغم تزايد مشاهد الدم والخراب الذى حلّ بالكثير من الدول، لم نجد دولة كبرى واحدة تتخذ مساراً جاداً لإيقاف نزيف الدم البشرى، أو حتى دعم الشعوب التى تعانى.
وفى ظل هذا لم يعد أمام الدول الآن سوى أن تتحرك كل دولة بمفردها لتحمى مصالحها بالوسيلة التى تراها فهذا هو الطريق الأفضل الآن أن تعمل الدولة على زيادة قدراتها لمواجهة التحديات وهنا ظهر وبقوة خلال الفترة الأخيرة توجه العديد من الدول إلى الحلول الفردية أو اللجوء إلى الكيانات الإقليمية المحدودة التى تنشأ بين مجموعة من الدول، كلٌّ حسب منطقته، أو ما يجمعهم من مصالح، وهذا ما يمكن أن نلمس تزايده بوضوح على الأرض خلال عام 2024.
والحلول الفردية التى يمكن أن نراها خلال العام الجديد تقوم على اعتماد الدول على ذاتها، والبحث عن امتلاك عناصر قوتها، وتفكيك أى صراعات داخلية، وفرض الاستقرار على أرضها، لتتمكن من استثمار ثرواتها، وفى الوقت نفسه البحث عن الوسائل الأفضل للتعاون مع التجمعات الإقليمية والمحدودة المبنية على مصالح اقتصادية واستراتيجية بين أعضائها، ومثل هذا ما حدث مع مجموعة «البريكس» أو غيرها من التجمعات الإقليمية أو الدولية القائمة على أهداف التعاون الاقتصادى ومصالح الشعوب وليس السيطرة الاقتصادية السياسية والعسكرية على العالم.
بالتأكيد التجمعات لن تنجح إلا إذا كانت الدول الأعضاء تمتلك القوة والقدرات التى تستطيع أن تسهم بها فى تقوية هذه التجمعات وتجعل انضمامها لها ناجحاً.
وقد شهدنا خلال العام المنتهى تنامى هذه التجمعات وتزايد رغبة الكثير من الدول فى إنشاء تجمعات أو الانضمام لتجمعات قائمة بالفعل؛ حماية لنفسها ودعما لقدراتها، ومع بداية 2024 ستنضم إلى «بريكس» رسمياً عدة دول هى مصر والإمارات والأرجنتين والسعودية وإثيوبيا والمؤكد أن هذه الظاهرة ستتواصل بشكل أكبر خلال العام الجديد، لأنها الحل الأهم بجانب القدرات الخاصة للدولة.
كما لا نستبعد أن تتزايد محاولات البحث عن تحالفات عسكرية جديدة لمواجهة التحالفات الحالية التى أصبح واضحاً أن لها أهدافاً لا تخدم سوى مصالح القوى الكبرى وأطماعها وزيادة نفوذها على حساب العالم.
¿ ¿ ¿
وسط هذا المناخ العالمى الغاضب والصورة الرمادية تقف مصر التى ترفض أن تكتفى بموقع المشاهد والمتلقى لتداعيات وتأثيرات الأزمات والصراعات؛ وإنما تتحرك بقوتها وثقلها فى عدة اتجاهات من منطلق رؤيتها ودورها التاريخى وحرصها على حماية أمنها القومى وتأمين مصالحها الاستراتيجية.
الاتجاه الأول: محاولة إيجاد صيغة عالمية للسلام الذى يبحث عنه الجميع، بما يضمن إيقاف هذا النزيف الإنسانى والاقتصادى فى العالم، ليحل بدلاً منه التعاون من أجل التنمية وتحقيق أحلام الشعوب فى الاستقرار والأمن والرخاء.
وفى هذا الاتجاه تواصلت التحركات المصرية على مدى السنوات الماضية دون توقف وتكثيف الاتصالات مع الجميع فى ظل التطورات التى يشهدها العالم والمنطقة تحديداً من صراعات لا يبدو فى الأفق أن لها نهاية قريبة.
وتهدف مصر من هذه التحركات إلى تغيير لغة العالم من القوة إلى الحوار، ومن الأطماع إلى التعاون المشترك.
سواء فى وقف الصراعات أو مواجهة المخاطر التى تهدد الإنسانية
وربما يكون عام 2023 من أكثر السنوات التى شهدت تكثيفا للجهود المصرية فى هذا الاتجاه، خاصة أنه عام شهد العديد من الكوارث الناتجة عن التغيرات المناخية، كما شهد أكبر حرب، الروسية – الأوكرانية، التى هددت السلم والأمن فى العالم كله، ثم الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة المرتبطة بمخططات إسرائيلية واضحة نحو تصفية القضية الفلسطينية، وتداعيات ذلك كله على المنطقة والتى وصلت إلى تهديد الملاحة الدولية فى البحر الأحمر، بل وتهديد مصادر الطاقة فى البحر المتوسط بما يعنى تهديد السلم والأمن الدوليين.
جاءت التحركات المصرية المتواصلة للتحذير من هذه المخططات وتداعياتها السلبية، وضرورة التعاون الدولى من أجل السلام والإنسانية، والتنبيه من خطورة الاستمرار فى الحرب الإسرائيلية التى لا تحكمها أى قواعد سوى الانتقامية الشديدة، وفرض رؤيتها فى تصفية القضية الفلسطينية، رغم المخاطر الضخمة التى يعنيها هذا السيناريو الشيطانى، وباتفاق الجميع كانت التحركات المصرية السبب الأهم فى تغيير لغة العالم من المساندة العمياء لإسرائيل فى مجازرها ومخططها إلى التحذير من خطر هذا التوجه والرفض العام له.
والمؤكد أن مصر ستواصل هذا التحرك فى العام الجديد لأن الخطر ما زال مستمراً، الحروب لم تتوقف وإسرائيل تمارس وحشيتها ومخططاتها والتداعيات تتسع فى المنطقة، وربما تصل بنا إلى حرب إقليمية لا تُحمد عُقباها على الجميع.
¿ ¿ ¿
الواقع يؤكد أن الجميع يعوّلون على القاهرة كدولة لها ثقل كبير وقدرة على صناعة السلام فى المنطقة، لكن مصر لا تسعى لهذا فقط وإنما أيضا إلى إقرار الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 باعتباره أهم طريق إلى السلام، وكذلك إيقاف المخططات التى تستهدف المنطقة، سواء كانت إسرائيلية وأمريكية أو إقليمية، بما يمهد الطريق لإحلال السلام فى المنطقة أيضاً لإنهاء صراعات أخرى لا تزال تمثل خطرا مثلما يحدث فى السودان أو ليبيا أو اليمن. فالفوضى التى تحكم هذه الدول مرجعها وسببها الأهم والأخطر هو الصراعات الدولية والمخططات التى تستهدف المنطقة العربية، وكان من بين هذه الدول المستهدفة بالفوضى مصر التى نجحت فى حماية أمنها القومى بفضل قوة الجيش المصرى والقيادة وتماسك الشعب.
ومصر تتحرك فى هذه المسارات اعتماداً على ما حققته خلال السنوات الماضية من استعادة نفوذها وتأثيرها كرقم صعب وكبير فى المعادلة الإقليمية، ولاعب فاعل فى أى ترتيبات بهذا الشأن ولهذا فهى تتحرك من منطق قوة ولديها رؤية واضحة للمنطقة.
الاتجاه الثانى لمصر داخلى.. وهو يتخذ مسارين:
مسار حماية الأمن القومى المصري الذى يعد الأولوية الأولى والأهم، خاصة مع استمرار عوامل التهديد، سواء على الجانب الشرقى بالتصدى للمخطط الإسرائيلى الذى يستهدف تهجير الفلسطينيين إلى سيناء وهو ما تصدت له مصر بقوة وحسم رادع لإسرائيل، أو على باقى الاتجاهات الاستراتيجية التى تمثل تهديداً صريحاً للأمن القومى.
والمؤكد أن المخاطر الناتجة عن وجود حزام نار ملتهب حول مصر لن تتوقف أو تتراجع عام 2024، وهو ما يتطلب استمرار مسار حماية الأمن القومى والجاهزية القتالية لصد أى محاولات للمساس بمصر أو أرضها وأمن شعبها، وهو ما اعتبره الرئيس خطاً أحمر، مستنداً إلى قوة الجيش المصرى فى حماية هذا الخط وردع كل من يفكر فى الاقتراب منه.
فالقوات المسلحة المصرية جاهزة تماماً بكل ما تملكه من قوات الدفاع عن مصر وحفظ خطوطها الحمراء وهذا ما يعلمه الجميع.
وهنا لابد من الإشارة إلى أمرين، أولهما: أنه لولا قوة هذا الجيش الرادعة وما تم خلال السنوات الماضية من خطة تحديث شاملة له وتزويده بأحدث الأسلحة ومنظومات التسليح المتطورة ورفع كفاءته القتالية وجاهزيته، ما كان ممكنا أن تمتلك مصر القدرة على هذه التحركات وفرض ثوابتها وخطوطها الحمراء كما أن الانتخابات الرئاسية ونتيجتها التى جاءت بأرقام غير مسبوقة منحت القيادة السياسية تفويضاً جديداً وبشكل كامل من الشعب بالدفاع عن الأمن القومى بكل السبل التى تكفل حمايته وفرض ثوابت مصر الواضحة التى أعلنها الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهذا يعنى فى العام الجديد تواصل الدعم للقوات المسلحة حامية الأمن القومى، وضمان جاهزيتها الدائمة، كما ستتواصل كل الجهود الدبلوماسية والسياسية المصرية على كافة الاتجاهات، لتأكيد هذا الأمر وحشد المساندة الدولية له.
ولا يتناقض هذا مع تحقيق مصر لمستهدفاتها السياسية فى ملف العلاقات الخارجية والمتمثلة فى إقامة علاقات شراكة قوية مع كافة العواصم والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية، وكذلك العمل على دعم الاستقرار على المستوى الإقليمى والعربى والإفريقى والعالمى أيضاً، ودعم الحوار بين الدول، مع احترام مبدأ عدم التدخل فى شئون الدول، فهذه ثوابت مصرية أساسية تحكم سياستها الخارجية وستظل تحافظ عليها فى العام الجديد.
¿ ¿ ¿
المسار الثانى: وهو الداخلى، والذى لا ينفصل تماماً عن حماية الأمن القومى، لأن قوة الدولة وقدرتها على مجابهة التحديات تبدأ من تماسكها الداخلى، وهو ما أكدته الانتخابات الرئاسية بوضوح، لكن فى نفس الوقت فإنه فى ظل عالم غير مستقر اقتصاديا ومع معدلات تضخم غير مسبوقة، أصبحت الدولة مطالبة بالعمل على ضمان حماية المواطن من تداعيات هذا الوضع دعماً للاستقرار الداخلى، وهو ما نجحت فيه بشكل جيد خلال 2023، رغم كل الصعاب، لكن الأمر سيتواصل خلال العام الجديد سواء على مستوى توفير السلع ومواجهة الغلاء وما يرتبط به من مظاهر الاحتكار وإخفاء السلع والتربح، أو على مستوى العمل من أجل تحقيق أكبر نسبة من الاكتفاء الذاتى من السلع، بما يقلل من حجم الاستيراد ويخفف الضغط على العملة الصعبة بل يزيد موارد الدولة منها عبر رفع معدلات التصدير وتحفيز الاستثمارات وحتى يحدث هذا فلا سبيل غير استكمال المشروع الوطنى لمصر بكل مكوناته، وفى مقدمتها استكمال المشروعات القومية التى لها أولوية ومنها المشروعات الزراعية والتنموية المختلفة، وبعضها بالفعل مستهدف الانتهاء منه فى عام 2024 والاستمرار فى سياسة توطين الصناعة.
أيضاً سيتضمن المسار الداخلى دعم قدرات الدولة فى القطاعات القادرة على الإنتاج وزيادة الناتج القومى الإجمالى مثل القطاع التكنولوجى وقطاع الطاقة وقطاع السياحة وجذب الاستثمارات التى تناسب مصر، فى هذه القطاعات الواعدة بالإضافة إلى استكمال مشروعات البناء ومواصلة الإصلاح الاقتصادى الذى يزيد القدرة على مواجهة التحديات الخارجية.
مسار آخر سيتم العمل عليه خلال العام الجديد وهو الإصلاح السياسى كجزء مهم من ركائز الجمهورية الجديدة وهو ما أكد عليه الرئيس السيسى، سواء فى كلمته عقب إعلان نتيجة الانتخابات، أو خلال لقائه بالمرشحين الثلاثة للرئاسة، وهذا المسار ستكون بوابته الكبيرة الحوار الوطنى الذى أطلقه الرئيس قبل عامين، وسوف يواصل جلساته خلال العام الجديد، مستهدفاً استكمال تقديم المخرجات التى تدعم أجندة الإصلاح السياسى وبناء الجمهورية الجديدة على أسس الديمقراطية المدنية الحديثة.
¿ ¿ ¿
إن التحرك المصرى خلال العام الجديد يقوم على نفس الأسس وهو الدولة القوية التى تمتلك غذاءها وتحمى شعبها وأمنها القومى وأرضها، الدولة القادرة على صناعة السلام الذى يبحث عنه الجميع دون جدوى. وتلعب شخصية القيادة المصرية المتمثلة فى الرئيس السيسى دوراً مهماً فى هذا الصدد إقليمياً ودولياً، وتراهن عليه كل القوى العالمية على اختلافها فى إعادة الاستقرار للمنطقة.