الإثنين 29 ابريل 2024

استراحة قصيرة

مقالات8-1-2024 | 12:10

كنا في الماضي نقوم بعمل أشياء تبدو بسيطة أو ربما ساذجة بمنظور هذا الجيل الذي لاتحد طرق تواصله حدود ولا توقفه سدود؛ فنحن الآن في عالم يضج بشتى طرق التواصل والاتصال بانفتاح غير مسبوق وتجانس لامحدود ولامحمود في أغلب الأحيان، إن هذا التقارب وهذا التواصل كان بالنسبة لي ولأبناء جيلي يعد دربًا من خيال، فوسائلنا المتاحة كانت محدودة للغاية، جدباء كأرض مقفرة أو صحراء قاحلة تفتقر للعديد من المدخلات التى نراها بأعيننا الآن وهى تدور وتدوي من حولنا في فضاء إلكتروني واسع ومترامي الأطراف. 

كنا نتبادل الصور الفوتوغرافية الخاصة بنا فيما بيننا قبل الانتهاء من امتحانات المراحل التعليمية المختلفة أو في ظروف أخرى، ثم نكتب جملة للذكرى خلف الصورة كلمات بسيطة لكنها صادقة ومعبرة لاتخل من عبارة تتكرر في كل مرة حين نطلب من الأصدقاء أن يذكروننا في المستقبل حينما تفرقنا الأيام بتفاصيلها وتباعد بيننا ظروف حياتنا فنرجوهم ويرجوننا ألا ننساهم ولاننسى ذكرياتنا معهم قائلين:" للذكرى الخالدة نهدي هذه الصورة ونذكر اسم من سنهديها له ونتم الكلام بجملة فالذكرى ناقوس يدق في عالم النسيان. 

يأتي المستقبل ليستحوذ علينا وعلى أفكارنا يأخذنا من أنفسنا ويصطحبنا معه في رحلة مازلنا نلهث فيها خلفه وخلف مسئولياتنا الجسام، نتألم حين تحكمنا قوانينه الجائرة وتصدر بعدها الأحكام، أحكام ترغمنا على تطبيقها بحذافيرها دون سهو منا أو نسيان، نتوه وسط الزحام وتتعثر خطواتنا حينما نواجه من يسرق منا أجمل الأيام من يستحل راحة أنفسنا ويختطف أغلى الأماني والأحلام، وحين تمن علينا الحياة بهدنة وتمنحنا استراحة قصيرة في قلب هذا الميدان الذي طالما شق علينا؛ أجهدنا واستهلكنا لسنوات طوال، نقوم من عثرتنا لنتكيء على جدار قاس، ثم نغلق أعيننا على ذكريات كنا نعيشها ونحن مكتملو الصحة، سلماء القلوب، متقدو الإحساس ومرهفو الوجدان. 

تطل علينا من نافذة خلفية صور لأشخاص ذهبوا وذهبت معهم أخبارهم في عالم وصفوه بأنفسهم وسطروه بأيديهم باسم عالم النسيان، عالم لم يكن به وسائل متاحة تمكننا من التواصل، عالم لم يمنحنا اختيارًا آخر سوى الانشغال عمن كانوا يومًا أشقاء للروح وشركاء في الأحلام، لم يتبق لنا منهم الآن إلا صورة ورجاء بعدم النسيان.

كان هذا التواصل الصعب يرفع قدر من عرفناهم أو أحببناهم ويضاعفه في قلوبنا فنتذكره كلما مرت بنا الأيام والأعوام؛ فالصعب دومًا أغلى الأقدار وأعظمها قيمة؛ إحدى سنن الكون تخبرنا بأن ماجاء سهلًا حتمًا سيزول كما جاء أو ربما بطريقة أكثر سهولة، وأن ماحصلنا عليه بعد جهد وعناء كان أعمق تأصيلًا وأعظم أثرًا، الآن أصبحنا نسترق السمع وسط صخب هذا العالم المشحون بالفوضى حتى نتمكن من سماع تلك النواقيس التي تحدثنا عنها وهى تدق في عالم كنا نحسبه هادئًا كالذي عشناه، لكنه رحل هو الآخر واستقر في عالم النسيان.

Dr.Randa
Dr.Radwa