السبت 23 نوفمبر 2024

برلمان

مصر.. 200 سنة برلمان

  • 10-1-2024 | 11:23

طارق الخولي

طباعة
  • طارق الخولي

● عرفت مصر نظام الغرفتين فى موضعين عبر تاريخها.. فى عام 1922 عند إعلان استقلال مصر، وفى عام 1980م.. فى استفتاء شعبى على تعديل دستور عام 1971
● خلصت التجربة البرلمانية إلى وجود حاجة ملحة لغرفة ثانية من ذوي الخبرة لتدعيم العمل البرلمانى، فيصبح مجلس الشيوخ صاحب الخبرة، ومجلس النواب صاحب القرار
مع حلول العام الميلادي الجديد.. تجدر الإشارة لعظمة وتاريخ الحياة النيابية فى مصر.. فأصل اصطلاح برلمان يرجع لكلمة «parler» الفرنسية.. التى تعنى الحوار.. وكان أول برلمان قد تم تأسيسه فى مملكة ليون بإسبانيا عام 1118 أما عن مصر.. فقد عرفت النظام النيابى منذ قرنين من الزمان.. حيث يعد «المجلس العالى»، الذى تأسس فى عام 1824م فى عهد محمد على باشا بمثابة البداية الحقيقية لأول مجلس نيابى.. حيث يتكون مـن 48 عضوا من نظار الدواوين والأعيان والشيوخ والعلماء.. وقد حددت اللائحة الأساسية للمجلس العالى اختصاصاته.. حيث كان يناقش مقترحات السياسة الداخلية لمحمد على باشا.
   ليأتى فى عهد الخديو إسماعيل فى عام 1866م أول مجلس نيابى منتخب فى مصر «مجلس شورى النواب»، حيث تكون هذا المجلس من 75 عضواً.. وكان الفصل التشريعى للمجلس ثلاث سنوات.. وبعد اندلاع الثورة العرابية.. وبالتحديد فى عام 1881 م.. أجريت انتخابات البرلمان.. حيث أطلق عليه «مجلس النواب المصرى».. ووُسعت اختصاصاته بجانب سلطة التشريع.. فصار للبرلمان الحق فى استجواب الوزراء.. وقد كانت مدة الفصل التشريعى له خمس سنوات ودور الانعقاد ثلاثة أشهر.. ثم جاء الاحتلال البريطانى فانتكست الحياة النيابية.. حيث تحولت المجالس النيابية لمجرد هيئات استشارية حتى قامت ثورة 1919م.
   ففى عام 1922م تم إعلان استقلال مصر ليصدر دستور 1923م الذى أخذ بنظام الحكم البرلمانى القائم على الفصل بين السلطات.. فجعل الوزارة مسؤولة أمام البرلمان الذى يملك حق طرح الثقة فيها.. بينما جعل من حق الملك حل البرلمان.. وقد تم العمل بنظام المجلسين «الشيوخ والنواب».. وفقاً لدستور عام 1923م وكانت مدة الفصل التشريعى للبرلمان.. خمس سنوات.
   لتندلع ثورة 23 يوليو 1952م ويُعلن إنهاء العمل بدستور 23 ومع صدور دستور 1956م أُطلق على البرلمان مسمى «مجلس الأمة»، وقد بلغ أعضاء هذا المجلس 342 عضواً.. واستمر حتى إعلان الوحدة مع سوريا عام 1958م.. وكان قد صدر دستور مؤقت للجمهورية العربية المتحدة عام 1960م.. حيث نص على تشكيل مجلس الأمة من 600 عضواً.. 400 من مصر.. و200 من سوريا.. واستمر هذا المجلس حتى انفصلت سوريا عن مصر فى عام 1961م.
   ليصدر دستور 1964م الذى نص على تخصيص نسبة %50 للعمال والفلاحين.. فى تشكل مجلس الأمة المكون من 350 عضوا.. حيث قسمت الجمهورية إلى 175 دائرة يمثل كل دائرة نائبان.. واحد من الفئات.. والآخر من العمال أو الفلاحين.. حتى أتى دستور عام 1971م.. حيث تم تغيير اسم مجلس الأمة إلى «مجلس الشعب».. وتكون أيضاً من 350 عضواً.. بالإضافة إلى عشرة أعضاء معينين.. لتعود مصر لنظام المجلسين بإجراء استفتاء شعبى على تعديل الدستور عام 1980م تم بمقتضاه إنشاء «مجلس الشورى».. ومع قيام ثورة 25 يناير 2011م تم تعطيل العمل بدستور 1971 وتم حل مجلسى الشعب والشورى.. ليعاد بعدها انتخاب مجلسى الشعب والشورى فى عام 2012م استناداً للإعلان الدستورى الصادر فى مارس 2011م، حيث تكون المجلس من 508 أعضاء.. لتقضى المحكمة الدستورية العليا بقبول الطعون المقدمة ضد مجلس الشعب.. وتصدر حكماً بحل المجلس فى يونيو 2012م.
   ومع نجاح ثورة 30 يونيو 2013م.. وبعد إقرار دستور عام 2014م.. وطبقاً لنصوصه تم إلغاء مجلس الشورى لتقتصر السلطة التشريعية على نظام المجلس الواحد.. وقد أطلق عليه مسمى «مجلس النواب» الذى انعقدت أولى جلساته في شهر يناير من عام 2016م.. ولكن في عام 2019.. أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات عن نتائج الاستفتاء الشعبى على تعديل الدستور الذى وُضع وظهر للنور فى مطلع عام 2014م.. وجددت التعديلات الدستورية -حيث استحدثت باباً سابعاً بالدستور ينشئ ويحدد اختصاصات مجلس الشيوخ- الجدل حول جدوى عودة الغرفة الثانية للبرلمان بمسمى «مجلس الشيوخ».. وهو نفس ذات الجدل الذى أثير فى عام 2013م فى مناقشات وضع الدستور.. سواء داخل لجنة الخمسين «المشرع الدستوري».. أو حتى فى الأوساط السياسية والحزبية والثقافية والشعبية.
   فإن مصر قد عرفت على مدار عمرها النيابى العريق والممتد لأكثر من 150 عاما.. نظام الغرفتين فى موضعين عبر تاريخها.. الأول.. كان فى عام 1922م.. عند إعلان استقلال مصر.. ليصدر دستور 1923م.. الذى أخذ بنظام الحكم البرلمانى القائم على الفصل بين السلطات.. فجعل الوزارة مسئولة أمام البرلمان الذى يملك حق طرح الثقة فيها.. بينما جعل من حق الملك حل البرلمان.. وقد تم العمل بنظام المجلسين «الشيوخ والنواب».. وفقاً لدستور عام 1923م.. وكانت مدة الفصل التشريعى للبرلمان خمس سنوات.. لتندلع بعدها بعقود ثورة 23 يوليو 1952م.. ويُعلن إنهاء العمل بدستور 23 ومع صدور دستور 1956م.. تم إلغاء نظام العمل بالغرفتين.. وأُطُلق على البرلمان مسمى «مجلس الأمة».
   أما الموضع الثانى عبر تاريخنا.. والذى شهد نظام العمل البرلمانى بمجلسين.. فقد كان فى عام 1980م.. حيث أجرى استفتاء شعبى على تعديل دستور عام 1971م.. والذى تضمن بين تعديلاته عودة العمل بنظام الغرفتين للبرلمان.. حيث تم تغيير مسمى مجلس الأمة إلى «مجلس الشعب» لتكون الغرفة الأولى.. وإنشاء الغرفة الثانية بمسمى «مجلس الشورى».. ومع اندلاع ثورة الـ 30 من يونيو 2013م.. وبعد صدور دستور عام 2014م.. وطبقاً لنصوصه فقد تم إلغاء مجلس الشورى.. لتقتصر السلطة التشريعية على نظام المجلس الواحد.. وقد أطلق عليه مسمى «مجلس النواب».. حيث انعقد الفصل التشريعى الأول لبرلمان الغرفة الواحدة فى مطلع عام 2016م.
   أما نحن الآن فبصدد صياغة الموضع الثالث فى تاريخنا.. بعودة نظام العمل البرلمانى بغرفتين.. فما أن انتهت الهيئة الوطنية للانتخابات من إعلان الجدول الزمنى.. لإجراء انتخابات مجلس الشيوخ.. حتى تفجرت من جديد سيول الجدل حول جدوى وجود غرفة ثانية للبرلمان.. وقد كنت من قبل فى عام 2013م من المؤيدين لإلغاء مجلس الشورى أو الغرفة الثانية للبرلمان.. إلا أننى مع خوض غمار التجربة البرلمانية.. وصلت إلى نتيجة يقينية بأن المشرع الدستورى فى عام 2013م.. لم يجانبه الصواب والتوفيق فى إلغاء الغرفة الثانية للبرلمان.. حيث كان ذلك بمثابة ردة وجب تصحيحها فى مسيرة برلمانية عظيمة دامت لـ 200 عامًا فكانت التعديلات الدستورية التى أُقرت فى أبريل من عام 2019م.
   فعند مناقشة جدوى عودة الغرفة الثانية للبرلمان.. سنجد عددا من النقاط المثارة على السطح.. ومنها أن مجلس الشيوخ لا فائدة ترجى منه.. والحقيقة أن تجربة البرلمان في الفترة من عام 2016 وحتي إقرار التعديلات الدستورية قد خلصت إلى وجود حاجة ملحة لغرفة ثانية من ذوى الخبرة الفنية العالية فى مختلف المجالات.. لتدعيم العمل البرلمانى.. حيث يشكل مجلس الشيوخ من ذوى الخبرة.. فيصبح مجلس الشيوخ صاحب الخبرة.. ومجلس النواب صاحب القرار.. فيشكلان توازنا داعما للبنية التشريعية للدولة.. فهل يمكن أن نجادل فى أن مرور المنظومة التشريعية من خلال مجلسين.. واتخاذ أى عمل أو قرار على درجتين -بين مجلسى الشيوخ والنواب- سيقود لما هو أصح وأفضل.
   إضافة لما سبق.. فإن ما تجاوز الـ 70 دولة حول العالم.. تقوم على النظام البرلمانى ذى الغرفتين.. فعند الاستئناس بالتجارب البرلمانية العريقة.. للدول العاتية فى الديمقراطية.. نجدها قد استقرت على الازدواج البرلمانى – أى العمل بنظام المجلسين – لما يحققه من تعزز وتدعيم للديمقراطية لأنه ينوع التمثيل السياسى والشعبى فى الدولة.. ومن أبرز الأمثلة «مجلسا العموم واللوردات» فى المملكة المتحدة.. والكونجرس الأمريكى الذى يتألف من «مجلسى الشيوخ والنواب».. والبرلمان الفرنسى بغرفتيه «مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية».. و«مجلسى الشيوخ والنواب» بإيطاليا.. و«مجلسى الدوما والاتحاد» الروسى.. والدايت اليابانى الذى يتكون من «مجلس النواب ومجلس المستشارين».
   فكل الغرف العليا أو الثانية فى البرلمانات السابق ذكرها فى مختلف الدول.. تكون ما بين تعيينها بالكامل مثل مجلس اللوردات فى بريطانيا.. وبين تشكيلها بنسب كبيرة من المعينين تصل إلى 50% فى بعض الدول.. أما فى مصر ووفق التعديلات الدستورية التى جرت على دستور 2014م.. فإن ثلثا أعضاء مجلس الشيوخ يأتون بالاقتراع الشعبى المباشر.. أما الثلث الباقى فيعينه رئيس الجمهورية.. والحكمة من وراء النسب الكبيرة للمعينين فى الغرف الثانية لبرلمانات العالم.. ترجع إلى ضمانة قيام تنوع فى التمثيل الفئوى والسياسى.. ووصول ذوى الخبرات مما ليس لهم باع بالمعارك الانتخابية.
   وفي النهاية.. دعونا نفخر بتاريخنا النيابى المشرف.. ونحن على مشارف 200 سنة برلمان.. بداية من «المجلس العالى» مرورا بـ «مجلس شورى النواب» فـ «مجلس النواب المصرى» ثم «مجلسى الشيوخ والنواب» فـ «مجلس الأمة» ثم «مجلسى الشعب والشورى» وانتهاءً بـ «مجلسى النواب والشيوخ».