الحديث عن الشباب ودورهم السياسي حديث متشعب في أبعاده ومتنوع من محاوره ومتعدد من جوانبه، وهو ما يفتح الباب واسعًا أمام توسع في جوانب الدراسة والتحليل.
إحدى ثمرات ثورة 30 يونيو التي جاءت تعبيرًا عن الإرادة الشبابية أن ينص الدستور على وجوبية أن يكون من ضمن الأعضاء نسبة تعكس التمثيل العادل للشباب في البرلمان.
الشباب هم ركيزة الأمم ومشاعل بنائها وأعمدة انطلاقاتها للأمام، بما يجعل من الاهتمام بهم قضية من قضايا الأمن القومى التي يجب أن تُعطي مزيدًا من الاهتمام والعناية.
الشباب عماد الأمم ورهان الحاضر وقادة المستقبل، مقولة تتردد كثيرا كونها حقيقة يسلم بها الجميع في أن الشعوب التي تقل فيها نسب الشباب تواجه تحديات مستقبلية، فالشباب يحملون الرؤية لبناء المستقبل ولديهم الجهد لنقل هذه الرؤية الى الواقع العملى. والتاريخ بسجلاته يؤكد على هذه الحقيقة بدور الشباب، شريطة ان يتم تأهليهم واحتضانهم على نحو يضمن خلق قيم الانتماء والمواطنة لديهم، وتعزيز قدراتهم على حمل المسئولية المنوط بهم، وهو ما يستوجب بدوره أن يكون هناك قنوات للحوار معهم وسبل للتعارف على أفكارهم وتقديمهم إلى المجتمع للمشاركة في إدارة شئونه والمساعدة في مواجهة عثراته وتحدياته، وهذا ما ادركته الدولة المصرية منذ ثورة 30 يونيو 2013 بأن الشباب هم وقود بناء المستقبل وهدفه أيضا، وأن تمكينهم يجب ان يكون له الأولوية في خططها واستراتيجياتها، دلل على ذلك العديد من المؤشرات التي عكست حرص الدولة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى على تمكين هؤلاء الشباب ومنحهم الفرص للتفاعل مع قضايا المجتمع، بدءا من نصوص الدستور التي جاءت واضحة وجلية، مرورا بمشاركتهم في الحياة النيابية وصولا إلى تواجدهم في المناصب التنفيذية، مع الحرص على تأهيلهم وفق أسس علمية وأكاديمية، فكان تأسيس الأكاديمية الوطنية للتدريب بمثابة الذراع الوطنى للبدء في بناء قدرات الشباب وتنمية مهاراتهم ومعارفهم السياسية والاقتصادية والإنسانية.
ومن نافل القول إن الحديث عن الشباب ودورهم السياسى حديث متشعب في أبعاده ومتنوع من محاوره ومتعدد من جوانبه، فإلى جانب التمكين السياسى، ثمة خطاب مهم للتمكين الاقتصادى والأمنى والإعلامى للشباب أيضا، وهو ما يفتح الباب واسعا أمام توسع في جوانب الدراسة والتحليل، بل إن التمكين السياسى فقط يفتح جوانب متعددة للدراسة ما بين تمكين على مستوى المعارف السياسية، وأخرى على مستوى الممارسة السياسية داخل المؤسسات السياسية المختلفة (أحزاب سياسية- جهات تنفيذية- مؤسسات تشريعية).
ولذا، يقتصر هذا المقال على معالجة جانب من جوانب التمكين السياسى للشباب في البرلمان المصرى، وذلك بمناسبة الاحتفال بمرور مائتى عام على بدء الحياة البرلمانية في مصر والتي تعود بدايتها إلى الربع الأول من القرن التاسع عشر وتحديدا عام 1924، إذ المطلع على دراسة الحياة البرلمانية المصرية وتطورات مراحلها، يُدرك أن الشباب رغم تواجد بعض عناصره داخل البرلمان سواء أخذ النظام السياسى حينها بنظام الغرفة الواحدة او الغرفتين، لم يكن الشباب على قائمة الاهتمام سواء من جانب الحكومات أو النخب السياسية.
ومن هنا تأتى المفارقة المهمة بأن ملف الشباب رغم فعاليته في الحياة السياسية المصرية قبل ثورة يوليو 1952 وما بعدها، لم يكن يحظى بأهمية واضحة في المناقشات السياسية على عكس الوضع بالنسبة للعديد من الفئات الأخرى، حيث عرف المشرع المصرى فكرة ضمان تمثيل بعض الفئات تحت قبة البرلمان، إذ ظهرت فكرة تخصيص عدد من مقاعد البرلمان لفئة معينة، بما يضمن تمثيلها وتواجدها، على غرار فئات التجار والعلماء ومشايخ الازهر قبل ثورة 1952، فعلى سبيل المثال مع تأسيس "المجلس العالى" الذى كان البداية الحقيقية لأول مجلس تمثيلي في مصر عام 1924، كان تشكيله يضم 24 عضواً ثم 48 عضوًا، بعد إضافة 24 شيخًا في جامعة الأزهر ، وتم اختيار اثنين من التجار من قبل التجار ورئيس العاصمة والمحاسبين واثنين من الشخصيات البارزة من كل محافظة تم انتخابهم من قبل الجمهور. الأمر ذاته تكرر مع مجلس النواب الاستشاري الذى أنشأه الخديو إسماعيل في نوفمبر 1866، وكان هذا المجلس الأول ذا وظائف تمثيلية، حيث تكون من 75 عضواً ينتخبون من شخصيات بارزة في القاهرة والإسكندرية ودمياط، بالإضافة إلى مجلس الشيوخ الذى يضم زعماء القرى والشيوخ في المحافظات الأخرى.
ومع قيام ثورة يوليو 1952، استمرت فكرة وجود كوتا لضمان تمثيل فئات معينة، فانصب الاهتمام على فئتى العمال والفلاحين، حيث تم تمثيلهم للمرة الأولى في مجلس 1964، وكان النص أن تكون نسبتهم 50%، وذلك وفقا لما نص عليه دستور 1964، بتخصيص هذه النسبة للعمال والفلاحين، وبالفعل تم ذلك مع تشكيل مجلس الأمة فى 26 مارس 1964 والذى ضم 350 عضواً، نصفهم من العمال والفلاحين. وقد ظلت هذه النسبة قائمة في جميع البرلمانات حتى جاء دستور 2014 ونص على تمثيل عادل دون أن تكون هناك نسبة محددة لهم في تشكيلة البرلمان (مادة 244)، بل كانت من ضمن الأطروحات أن تخصص لهم هذه النسبة في أول مجلس نيابى يتم انتخابه بعد العمل بدستور 2014 إلا أن التعديلات التي جرت عام 2019 فتحت المجال أمام استمرارية هذا التمييز الإيجابي لصالح ضمان تمثيل عادل لهم في البرلمان. ولتحقيق ذلك نص القانون على ان تتضمن كل قائمة بالدوائر المخصص لها 15 مقعداً؛ مرشحان اثنان من العمال والفلاحين، وأن تتضمن كل قائمة مخصصا لها 45 مقعداً، ستة مرشحين من العمال والفلاحين.
ومن الأهمية بمكان التأكيد على أن النظام السياسى المصرى لم يقف موقفا رافضا لفكرة الكوتا، بل أراد التوسع فيها، فكانت الخطوة الثانية بإقرار نظام لكوتا المرأة، محددا لها عددا من المقاعد (30 مقعدا) وليس نسبة على غرار ما جرى مع العمال والفلاحين، وقد شهدت نهاية السبعينيات من القرن الماضى وتحديدا عام 1979، بدء التطبيق العملى لهذا النص مع صدور القانون رقم 21 لسنة 1979 بتعديل أحكام قانون مجلس الشعب وقانون تحديد الدوائر الانتخابية. وبموجب هذا القانون الجديد، طبقت مصر لأول مرة نظام الكوتا النسائية، حيث حدد عدد من الدوائر الانتخابية لم يسمح للرجال بالتنافس عليها، بل تم تخصيصها للنساء. وحينها ارتفع التمثيل النسائي في البرلمان المصري لأول مرة إلى 35 نائبة من أصل 390 نائبًا، وذلك بنسبة 9% تقريبا. ولكن الأمر لم يستمر طويلا حيث تم إلغاء هذا النظام بموجب القانون رقم 88 لسنة 1986. لتعود الدولة المصرية مرة أخرى في دستور 2014 وتعديلاته 2019 إلى تخصيص كوتا للمرأة (مادة 244)، حيث نص القانون على أن يكون تمثيل المرأة في القوائم الانتخابية، على النحو الآتي: تضمن كل قائمة بالدوائر المخصص لها 15 مقعداً الأعداد والصفات الآتية وهي: ثلاثة مرشحين من المسيحيين، ومرشحان اثنان من العمال والفلاحين، ومرشحان اثنان من الشباب، ومرشح من الأشخاص ذوي الإعاقة، ومرشح من المصريين فى الخارج، على أن يكون من بين أصحاب هذه الصفات أو من غيرهم سبعة نساء على الأقل. كما نص على أن تتضمن كل قائمة مخصصا لها 45 مقعداً تسعة مرشحين من المسيحيين، وستة مرشحين من العمال والفلاحين، وستة مرشحين من الشباب، وثلاثة مرشحين من المصريين المقيمين فى الخارج، وثلاثة مرشحين من ذوي الإعاقة، على أن يكون من بين أصحاب هذه الصفات أو من غيرهم إحدى وعشرون من النساء على الأقل.
وإذا ما انتقلنا للنظر في وضع الشباب، يمكن القول إنها المرة الأولى الذى يأتى الدستور مخصصا كوتا محددة للشباب لضمان تمثيلهم في البرلمان. صحيح أنه ليست المرة الأولى التي يضم البرلمان المصرى أعضاء من الشباب، ولكنها المرة الأولى التي ينص فيها المشرع على وجوبية ان يكون من ضمن الأعضاء نسبة تعكس التمثيل العادل للشباب في البرلمان، وهذه إحدى ثمرات ثورة 30 يونيو التي جاءت تعبيرا عن الإرادة الشبابية، إذ لم يسبق أن نص المشرع الدستورى على نسب لتمثيل الشباب في البرلمان، إلا مع دستور 2014 في مادته (244) التي تنص على أن :" تعمل الدولة على تمثيل الشباب والمسيحيين والأشخاص ذوى الإعاقة والمصريين المقيمين فى الخارج، تمثيلا ملائما فى أول مجلس نواب ينتخب بعد إقرار هذا الدستور، وذلك على النحو الذى يحدده القانون"، وهو ما مكّن الشباب أن يكون له تمثيل ضمن منظومة كوتا متسعة من فئات أخرى، وقد شكل الشباب ما يقرب من نسبة 25% من أعضاء مجلس النواب (2016-2021)، وكان تواجد الشباب في هذه التجربة البرلمانية الأولى من نوعها دافعا للدولة المصرية أن تفتح المجال لضمان استمرار هذه الكوتا وعدم اقتصارها على المجلس النيابى الأول بعد العمل بدستور 2014 كما كان في النص السابق الإشارة إليه، فتم تعديل هذه المادة ضمن سياق التعديلات الدستورية التي جرت عام 2019، حيث فتح التعديل المجال أمام الاستمرار بتخصيص هذه الكوتا للشباب ضمن استمرار تخصيص الكوتا للفئات الأخرى الواردة معها في النص، حيث جاء النص في التعديلات الدستورية لعام 2019 على النحو الآتي :" تعمل الدولة على تمثيل الشباب والمسيحيين والأشخاص ذوى الإعاقة والمصريين المقيمين فى الخارج تمثيلا ملائما، وذلك على النحو الذى يحدده القانون" وهو ما يعكس رؤية الدولة المصرية لدور الشباب وأهمية مشاركته السياسية لاستكمال الجهود التي بُذلت على مدار الفصل التشريعى الأول، وبالفعل نجح الشباب في أن يستكمل دوره البرلماني، بل أصبح وجود الشباب في الحياة النيابية المصرية وجودا مشرفا وفاعلا في المجلسين (النواب والشيوخ)، فالمتابع لأداء دور المجلسين يكتشف أن الأعضاء الأكثر تفاعلا مع قضايا الشارع المصرى من فئة الشباب.
ومع كل ما تحقق على مدار الفترة الماضية بشأن دور الشباب البرلمانيين سواء في مجلس النواب (2016-2021) او مجلسى البرلمان (النواب والشيوخ 2021 وحتى اليوم)، إلا ان الطموحات لا تزال مأمولة في تعزيز هذا الدور وتوسيعه، وهو ما يستوجب إكساب هؤلاء النواب مزيدا من المهارات والمعارف للقيام بمهام العمل التشريعى والرقابى والسياسى تحت قبة البرلمان بما يتوافق مع تطلعات الشعب المصرى وتوجيهات القيادة السياسية التي تلح دائما في ضرورة أن يكون ثمة التحام بين النواب وقضايا الشارع المصرى.
ملخص القول أن الشباب هم ركيزة الأمم ومشاعل بنائها واعمدة انطلاقاتها للإمام، بما يجعل من الاهتمام بهم قضية من قضايا الامن القومى التي يجب أن تُعطي مزيدا من الاهتمام والعناية، خاصة في ظل ما تعانى منه فئة الشباب من تحديات وازمات عديدة تؤثر على تطلعاتهم وطموحاتهم، وإن ظل البرلمان هو البوتقة الأكثر قدرة على استيعاب هؤلاء الشباب وضبط تطلعاتهم في ضوء الإمكانات المتاحة والتحديات المتصاعدة.