الجمعة 21 يونيو 2024

سليم حسن عالم الآثار البارز

ممدوح الدماطي

ثقافة5-2-2024 | 14:20

ممدوح الدماطي
  • قام سليم حسن بنشر العديد من البحوث والكتب العلمية المهمة إلا أن أشهرها وأهمها عمله الفخم المتميز الموسوعة التاريخية الكبيرة "تاريخ مصر القديمة"
  • كان لسليم حسن دور كبير في الحفاظ على التراث المصري وبعث الروح الوطنية لدى المصريين ليكون لهم دورًا في العمل الأثري والحفاظ على التراث الوطني

 

سليم حسن، عالم الآثار المصري البارز، وُلد في قرية ميت ناجي بمركز ميت غمر في 15 أبريل 1886، ورحل عن عالمنا في 30 سبتمبر 1961، وكان سليم حسن شخصية فريدة ومبدعة في ميدان الآثار المصرية. تلقى تعليمه الأولي في علم الآثار على يد رائد علم المصريات الكبير أحمد باشا كمال، حيث تخرج في مدرسته عام 1913، حيث بدأت تتكون قاعدة معرفته الأولية في علم الآثار. ولم يستطع كمال أن يجد له فرصة عمل في مصلحة الآثار آنذاك، كونه مصريًا فكان ممن لم يسمح لهم الفرنسيون القائمون على العمل الأثري في مصر آنذاك بالعمل في هذا المجال، والذي كانت وظائفه حكرًا على الأجانب، لذا بدأ حياته العملية كمدرس بمدرسة أسيوط الثانوية عام 1919، حتى جاءته الفرصة وبضغط من الحكومة المصرية ممثلة في محمد شفيق باشا وزير الأشغال العمومية، وعين أمينًا مساعدًا بالمتحف المصري عام 1921، ثم سافر إلى فرنسا وأكمل دراسته للآثار في اللوفر، ثم حصل على دبلوم اللغة المصرية القديمة عام 1927 من جامعة السوربون، ثم عاد إلى المتحف المصري، وأنتدب لتدريس الآثار في جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا)، وفي عام 1928 شارك عالم الآثار النمساوي هيرمان يونكر في أعمال الحفر والتنقيب في منطقة الأهرامات، وفي العام التالي بدأ سليم حسن أول بعثة مصرية للتنقيب عن الآثار باسم جامعة فؤاد الأول، والتي أسفرت عن العديد من الاكتشافات الأثرية الهامة، كان أهمها مقبرة "رع ور" وهي من أكبر مقابر جبانة الجيزة. ثم سافر في بعثة علمية إلى النمسا وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة فيينا عام 1934، ثم عاد للتدريس بالجامعة حتى عين أستاذًا لكرسي الآثار عام 1935.

في عام 1936 عين وكيلًا عامًا لمصلحة الآثار كأول مصري يشغل هذا المنصب، إلا أنه أحيل للتقاعد قبل بلوغ السن القانوني للتقاعد في عام 1939 بسبب العديد من المكائد التي دست له، فصب سليم حسن اهتمامه على البحث العلمي والتنقيب في منطقة الأهرامات، وتمكن سليم حسن من تقبل الصعاب والمكائد وتحويلها إلى طاقة إيجابية، أخرجت أفضل ما لديه حتى قدم لمصر وعلم المصريات إنتاجًا ضخمًا من الاكتشافات والبحوث الأثرية التي أسهمت في أن يكون لمصر اسم كبير في علم المصريات، ولم يصبح العلم حكرًا على الأجانب، فأسفرت جهوده عن أهم اكتشافات جبانة الجيزة الأثرية والتي ارتبطت باسم سليم حسن، مثل مقبرة الملكة "خنتكاوس" آخر ملوك الأسرة الرابعة، ومقابر أولاد الملك خفرع، بالإضافة إلى مئات القطع الأثرية والتماثيل، ليس هذا فحسب بل وامتدَّ نشاط سليم حسن إلى خارج جبانة الجيزة، إلى منطقة سقارة ومنطقة "النوبة".

ومن أهم نشاطات سليم حسن دوره الهام كرئيس للبعثة العلمية التي كُلفت من الحكومة المصرية بعمل دراسة لتحديد مدى تأثير بناء السد العالي على آثار النوبة، ودوره البارز في الإعداد للحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة تحت إشراف اليونسكو. كما قام أيضًا بدور مهم في تنظيم العمل بالمتحف المصري عندما كُلف بالإشراف على عملية جرد المتحف المصري سنة 1959.

أما في مجال النشر العلمي فقام سليم حسن بنشر العديد من البحوث والكتب العلمية المهمة إلا إن أشهرها وأهمها على الإطلاق هذا العمل الفخم المتميز الذي نحن بصدده، موسوعته التاريخية الكبيرة، "تاريخ مصر القديمة" التي خرجت في ستة عشر جزءًا، والتي عكف عليها سليم حسن عشرين عامًا (1940-1960)، ليقدم لنا تلك الموسوعة التي تُغني القارئ عن عشرات الكتب والمراجع التي تتناول تاريخ مصر القديمة على مر عصورها، وتُعد عملًا فريدًا متميزًا، لم يسبق لعالم غيره أن يقوم بمثله، ولا تزال موسوعته محل إعجاب وتقدير المتخصص والمثقف العام، فهي تتناول تاريخ مصر وحضارتها من عصر ما قبل التاريخ، ومرورًا بعصور الدولة القديمة والوسطى والحديثة، وحتى عصر بطليموس الخامس من العصر البطلمي، وكان قد شرع في كتابة الجزء السابع عشر عن نهاية العصر البطلمي وعصر كليوباترا السابعة، لكن حال موته دون إكماله.

كما كان له دور مهم في الحفاظ على التراث المصري وبعث الروح الوطنية لدى المصريين ليكون لهم دور في العمل الأثري والحفاظ على التراث الوطني، ففي الفترة بين 1919 و1922، قام سليم حسن بزيارة إلى فرنسا وأوروبا، حيث كتب سلسلة من المقالات لجريدة الأهرام بعنوان "الآثار المصرية في المتاحف الأوروبية". كان له موقف قوي من استعادة الآثار المصرية المنتشرة في المتاحف الأوروبية، وطالب بتحرك رسمي وشعبي لاستعادة هذه الآثار الثمينة، وأعرب عن موقفه الواضح تجاه التلاعب الأجنبي في شؤون الآثار في مصر. مما جعل الأجانب خاصة الفرنسسين يتخذون العديد من المواقف العدائية ضده.

وفي عام 1960، أضافت إنجازات الدكتور سليم حسن فصلاً آخر في مسيرته المهنية، حيث تم انتخابه عضواً في أكاديمية نيويورك، وهي منظمة علمية تجمع أكثر من 1500 عالم آثار من 75 دولة حول العالم. تأتي هذه الخطوة كتكريم لمكانة سليم حسن في ميدان دراسة الآثار وتقديراً لجهوده المستمرة في خدمة العلم. وعلى الرغم من هذا التكريم العظيم، إلا أن الأكاديمية لم تتلق رداً من الدكتور سليم حسن، حيث وصل الخطاب متأخرًا جداً، فقد توفي في فجر يوم 30 سبتمبر عام 1961 وهو في الخامسة والسبعين من عمره.

وبذلك استحق سليم حسن أن يكون بحق شخصية المعرض الدولي للكتاب في دورته ال 55 لهذا العام 2024.

                                                                                                 

الاكثر قراءة