الأحد 24 نوفمبر 2024

ثقافة

صالون مي زياده الأدبي جسرًا لتبادل الثقافات والإبداع الفكري

  • 11-2-2024 | 15:49

مي زياده

طباعة
  • شمس علاء الدين

عندما تدخل إلى صالونها الواسع الرحب تشم رائحة شراب الورد ممزوجة برائحة القهوة على الطريقة الشرقية، ثم تقع عيناك على الأثاث الفخم المختار بعناية وحرص ليلائم مكانة ضيوفه من الأدباء والمفكرين من المصريين وغير المصريين، بينما في صدر الصالون تجد كرسيها المميز يعلوه مقطع شعري للإمام الشافعي، فهو الصالون الثقافي الأول في مصر الذي تديره مرأة، إنه صالون مي زيادة الإدبي والذي كان يعقد في منزلها أسبوعيًا كل ثلاثاء.

ولدت فكرة صالون الأديبة مي زيادة في مرحلة انتقالية، حيث كانت تمر مصر بفترة تغيير وتحول بعد الدعوة إلى الاستقلال السياسي، والدعوة إلى الحرية والمساواة بالإضافة إلى تحرير المرأة، فعزمت الأديبة مي زياده على إنشاء صالونها الأدبي الخاص في منزلها بعد أن وقفت في بهو الجامعة المصرية تلقي كلمة "جبران خليل جبران" نيابة عنه.

تلقت "السندبادة البحرية الأولى" الكثير من التشجيع لفكرة تأسيسها صالون أدبي والذي بدأ انعقادة بمسكنها بالطابق العلوي بمباني جريدة الأهرام عام 1913، اتسم الصالون بالتسامح والود، والحرية الفكرية والاجتماعية، وحركة ثقافية واسعة، كما استضافت مي في صالونها الأدبي المفكرين والأدباء والشعراء، ولم يقتصر صالونها على مشاركة علية القوم بل امتزج بالمعدمين من الأدباء.

شارك بالصالون الأدبي الكثير من الأسماء اللامعة في عالم الأدب والشعر والكتابة مثل إسماعيل صبري و الذي ظل يرأس الصالون لعدة سنوات، منصور فهمي، أحمد لطفي السيد،أمين مخلوف، الدكتور يعقوب صاروف، محمد حسين المرصفي، أحمد شوقي، خليل مطران، إبراهيم المازنين عباس محمود العقاد، مصطفى صادق الرافعي، طه حسين.

تميز صالون مي زيادة الأدبي بكونه الصالون الثقافي الوحيد في مصر الذي تديره امرأة وتستقبل به ضيوف من الجنسين، كما أثر في أدباء هذا العصر ولغتهم، ويؤجع هذا لتنوع المواضيع داخل الصالون فهو كان يشكل في ذلك الوقت منبع للإنتاج الأدبي، كما حرصت "مي" على إفساح المجال لضيوفها في الحديث كي يشعروا بالألفة والاندماج وحتى لايشعر أحد الحضور بالغربة و العزلة.

كانت مي تباعد بين صالونها وبين التحدث عن التيارات الحزبية والعصبية، فهو صالون أدبي ثقافي يتسم بأنه فكري أدبي وليس اجتماعيا او سياسيا، كما كانت تحب التحدث باللغة العربية الفصحى لاعتزازها بها وبمفرداتها، ومن ضمن أهداف هذا الصالون هو التقريب بين اللغة العربية الفصحى البليغة واللغة العامية، بالإضافة إلى التقريب بين الشرق والغرب عن طريق ترجمة و تعريب الأعمال الأدبية الأوروبية المختلفة.

استمر هذا الصالون الأنيق قرابة خمسة وعشرون عاما متواصلة، ولعل أحد أهم أسباب استمراره هو قدرة الأدبية مي زيادة على محاورة رجال القلم و التي ورثتها عن أبيها المعلم والصحفي، فهي كانت تتمتع ببراعة فائقة في إدارة الحوار والتي كانت بمثابة جسر لتبادل الثقافات والإبداع الفكري، كما شهد  الكثير من المعارك الأدبية في فترة العشرينات وثلاثينات القرن الماضي.

الاكثر قراءة