السبت 27 ابريل 2024

حبر جاف.. العالم يُكبّس

مقالات20-2-2024 | 21:40

لست من هواة التعامل مع التكنولوجيا بسرعة، والتفاعل معها مستخدما جميع تقنياتها، ولكنني أتحسس الطريق إليها، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت تحرك الأحداث في العالم، ومنذ فترة أنشأت حسابا على تطبيق «التيك توك» بجانب حساباتي على فيسبوك وإنستجرام، ومع كل تطبيق أدخل فى عوالم غريبة تكشف عن بشاعة العالم الذي نعيش فيه والردة الاجتماعية التي أصابت البشر في المجتمعات المختلفة حتى المجتمعات الأكثر تحررا، وكيف لكل مجتمع يستخدم هذه التكنولوجيا على مستوى الأفراد والحكومات والسم الذى يدسونه بحروب الجيل الرابع، ولست هنا لتفنيد ما يقوم به مسؤولو هذه التطبيقات من بث الشائعات وحجب المعلومات وغيرها من أمور لمسناها جميعا فى الحرب علي غزة، أو أن أتطرق إلى الصراع المعلن بين أمريكا والاتحاد الأوروبي وبعض الدول من جهة والصين من جهة أخرى في حظر هذه التطبيقات لدى مسئوليها وموظفي الدول، ولكنني سأتحدث عن ما رأيته بعيني على منصة التيك توك، "جابت من الآخر" فقد شاهدت وسمعت ما يدمر الإنسانية كلها ويحول الجميع لسلع تباع وتشترى ونعود لأسواق النخاسة مرة أخرى وأنك تكون البائع والمشتري في نفس الوقت.

بالطبع هناك العديد من الفوائد للمنصة، ولكن أضرارها أعم وأكبر من فوائدها، ودعني عزيزي القارئ أسرد حكايتي مع التيك توك، فمع بداية دخولي كان سقف توقعاتى متابعة الفيديوهات المختلفة من كل مكان بالعالم ومعرفة كيف يفكر الآخر وفى ليلة لم يظهر بها القمر أو النجوم وسط غيوم الشتاء البارد على انغام أصوات الرعد الموحشة داس إصبعي خطأً على كلمة "مباشر" وهالني ما رأيت..

فلنبدأ بالفيديوهات والتي وجدت بها حروبا ضروسا ولا حرب الباسوس بين أنصار الأرض مسطحة وأنصار الأرض كروية والكل يستشهد بمقاطه فيديو ورأى خبراء أجانب وعلماء دين، ووسط هذه الحرب تجد فيديوهات أخرى عن مكان يأجوج ومأجوج وفتحات داخل الأرض تؤدى إلى مكانهم مستشهدين بخريطة الإدريسي بل تجد جماعة منهم يدخل في معارك جانبية عن أن الحضارة المصرية صنعها فضائيون وأن الأهرامات ليست مقابل بل مركز لإنتاج الطاقة، تركت هذه الحرب الشرشة لأدخل على هيافات الشعوب من فيديوهات كوميدية وساذجة وأسأله لم ينزل الله بها من سلطان تنتزع الضحكات وتسفه من الثوابت، هذا فضلا عن الجرعة الدينية لأجد أشخاص ليس لهم من علم الدين شيئ ليفسروا الدين حسب الأهواء بجانب الصراع بين السنة و الشيعة والتي تمتد لعشرات الفيديوهات فى اليوم هذا كله لا يذكر إذا ما دخلت على الفيديوهات التي يقوم تتمثلها مجموعة من الهواه والشكل المخذي المشاركات كبيرة من الأشخاص ممن يتمنوا دخول عالم الفن من الباب الخلفي وما أكثرهم وما أضحلهم، وكأن كل شباب العالم العربي يتمنى أن يصبح فنانا.

 

كما وجدت العالم كله يطلب باقي العالم بالتكبيس وإرسال الورود والأسود في اللايفات، وعرفت فيما بعد أن هذه الورود والأسود والقلوب تعادل دولارات، المهم فى رحلتي مع اللايفات وجدت أقوام يتسولون هذه الأشياء وطلبات كبسوا عشان "أجيب عشا العيال" وأن معظمهم نشاء بدون عائل يخفون وجوههن ببرقع وهو ما يتكرر مع سافرات يظهرن من مفاتنهن الكثير وأحيانا يتراقصن والهدف التكبيس ولا مانع من بعض الإيحاءات والكلام المثير للغرائز، وهؤلاء من كل الدول عربية وأجنبية، فضلًا عن بعض الصور الثابتة أو شخص نائم ومع هذا تجد تعليقات وتكبيسات، كذلك تجد من تطبخ وتنظف البيت أمام الكاميرا بملابس البيت وكأن حرمة البيت انتهكت وانتهت.

أما أعجوبة العجائب التحديات التي يدخل فيها أكثر من شخص والأحكام التي تضرب القيم في الصميم أو بعض المناقشات الحادة بين البعض أو حتى حكايات جنسية بين مجموعة والكل يطالب بالتكبيس.

هذه نماذج من مشاهدات عدة لبعض الباحثين عن المال أو الشهرة أو حتى من يقتات منها لكن ما لم أتوقع، انجرار عدد من المشاهير لهذا العالم والدخول في صراعات ومشاحنات بينهم وبين بعض أو مع الجمهور نفسه  لخلق تريند مزيف بعيد كل البعد عن الواقع والمجتمع، لقد شاهدت العديد من هؤلاء علي صفحات الحوادث وآخرين على شاشات الفضائيات أو في أعمال درامية.

لقد أصبح العالم يكبس والكل يكبس على ليلاه لتنهار القيم الاجتماعية، وربما الإنسانية نفسها.. أفيقوا يرحمكم الله.

Dr.Randa
Dr.Radwa