شَهِدَتْ مصر في الفترة الأخيرة إطلاق عدة مشروعات سكنيَّة قوميَّة, حيث إنَّ المشروعات القوميَّة أصبحت ضرورة حتميَّة لمصر في الوقت الراهن لخلق خريطة جديدة للوطن, ليست جغرافيَّة وسكانيَّة فحسب, بل اقتصاديَّة واجتماعيَّة وثقافيَّة كذلك، وتناولت تلميذتي الباحثة رؤيات حلمي مطاوع بهجات المدرس المساعد بكلية الإعلام وتكنولوجيا الاتصال بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا في رسالتها للماجستير التي أعدتها تحت إشرافي أهم مشروعات الإسكان القوميَّة التي طُرحت على الساحة في الفترة الأخيرة:
وتحظى المشروعات القوميَّة بصفة عامة ومشروع العاصمة الإداريَّة الجديدة بصفة خاصة باهتمام بالغ سواء على المستوى الأكاديمي أو التطبيقي نظراً لدورها المتزايد في محاولات التنمية المستدامة التي تسعى الدولة لتحقيقها وقد تُشكِّل العاصمة الإداريَّة جسراً حضاريًّا يعمل على خلق كيان سياسي، واقتصادي، وثقافي فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ لتوفير مناخ اقتصادي مزدهر وبنية تحتيَّة تكون نواةً لمعيشة رغدة وتنمية مستدامة.
وتجدُر الإشارة إلى أنَّ العاصمة المصريَّة القاهرة تنفرد عن كثير من عواصم العالم بجمعها لكل الاختصاصات السياسيَّة والإداريَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة في قبضتها, فواشنطن على سبيل المثال هي العاصمة السياسيَّة للولايات المتحدة, أما مدينة نيويورك فهي العاصمة الاقتصاديَّة وفي دولة الهند العاصمة السياسيَّة هي نيودلهي في حين أنَّ العاصمة الاقتصاديَّة هي مومباي.
لذلك كان هناك عدد من الدوافع وراء إنشائها والتي تتمثل فيما يلي:
الكثافة السكانيَّة:
تُعَدُّ القاهرة الكبري واحدة من أكبر مدن العالم كثافة, حيث بلغ نصيب الفرد من المساحة 2م33 مقارنة بـ 2م200 في مدينة لندن والتي تُعَدُّ من أشد مدن أروبا ازدحاماً، ومن المتوقع أن يزيد عدد سكان القاهرة ليتضاعف في المستقبل لأنَّ القاهرة مازالت نقطة جذب هائلة لمزيدٍ من السكان حيث يتركَّز بها نصف خدمات مصر تقريباً.
التدهور العمراني والعشوائيات بالقاهرة:
نتيجة الزيادة السكانيَّة ارتفع الطلب على السكن والنشاط الاقتصادي في القاهرة وتزايد الطلب على أراضي البناء مما أدى إلي ارتفاع أسعارها, ونظراً لعدم وجود سياسة واضحة وبعيدة المدى للقاهرة لتوفير الإسكان فيها للمهاجرين الجدد أو النمو الطبيعي للسكان، فكانت النتيجة ظهور العشوائيات، حيث يبلغ عدد سكان العشوائيات في القاهرة 75 منطقة؛ مما أدى إلى ارتفاع أسعارها, ونظراً لعدم وجود سياسة واضحة وبعيدة المدى للقاهرة لتوفير الإسكان فيها للمهاجرين الجدد أو النمو الطبيعي للسكان، فكانت النتيجة ظهور العشوائيات، حيث يبلغ عدد سكان العشوائيات في القاهرة 75 منطقة.
التلوث البيئي:
تشهد القاهرة حالة من التدهور الحضري والتلوث البيئي حيث يتوطن فيها منطقتان صناعيتان هما شبرا الخيمة وحلوان وتزايد التلوث الصناعي، وكذلك التلوث الناتج عن التكدس العمراني وحركة المرور وزيادة انبعاثات الملوثات من عادم السيارات، وقلة المساحات الخضراء وارتفاع معدلات تساقط الأتربة, ومشكلة الضوضاء والسلوكيات الخاطئة تجاه نهر النيل يتضح معه حجم مشكلة التلوث في القاهرة.
النقل والمواصلات:
يُوجَد بالقاهرة شبكة هائلة للطرق والسكة الحديد وجميع أنواع النقل مثل مترو الأنفاق الحافلات الكبيرة وسيارات الأجرة, وأدَّت الكثافة السكانيَّة إلى نقصٍ شديدٍ في مساحة الطرق وزيادة الازدحام وبالتالي زيادة الكثافة المروريَّة والنتيجة هي اختناق متزايد للقاهرة.
الخدمات:
مع الزيادة السكانيَّة العالميَّة تضاعف الطلب على الخدمات كالتعليم والرعاية الصحيَّة, الأمر الذي يتطلب زيادة في عدد المدارس والجامعات وزيادة الرعاية الصحيَّة من أطباء وممرضات ومستشفيات.
بالإضافة إلى تقليل الضغط على البنية التحتيَّة للمرافق من خلال توزيع الوظائف القياديَّة على المدن الجديدة وهو ما يؤدي إلى التوسع في الخدمات التعليميَّة والصحيَّة.
وكل هذه الدوافع تؤكد أنَّ عدم التدخل لإيقاف الزيادة غير المخططة في عدد سكان الإقليم سيؤدي إلى آثار سلبيَّة تفرض ضرورة وضع ضوابط للحد من النمو العمراني للإقليم لضمان عدم زيادة سكانة عن المخطط، فضلاً عن التأثيرات السلبيَّة على التنميَّة الاقتصاديَّة .
ومن كل هذه الأسباب جاء الدافع وراء إنشاء مدينة جديدة تُمثِّل عاصمة إداريَّة جديدة لجمهوريَّة مصر العربيَّة, والقضيَّة هنا ليست بناء عاصمة أخرى غير القاهرة لمجرد التطوير، ولكن القضيَّة هي إيجاد حلول لمشاكل القاهرة أولاً، ثم تعزيز تنافسيتها ثانياً؛ للتحول بعد ذلك إلى مفهوم المدن.