الجمعة 3 مايو 2024

صحفية فرنسية: السلاح النووي الإيراني شبحًا يهيمن على الحياة الجيوسياسية بالشرق الأوسط

السلاح النووي الإيراني

عرب وعالم20-4-2024 | 11:10

دار الهلال

ترى إيزابيل لاسير نائبة رئيس تحرير الخدمة الخارجية في صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية والمتخصصة في المسائل الدفاعية والاستراتيجية انه في كل مرة تتصاعد فيها حدة التوتر في المنطقة، يفرض الملف النووي الإيراني نفسه بكل ثقله، ولكن بشكل خفي، مثل شبح يتجول تحت الأرض.

فقد كان الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف ايران امس، شأنه شأن الرد الإيراني الأسبوع الماضي، محسوباً بما يكفي لتصور حدوث تهدئة مؤقتة للتوترات المباشرة، أو حتى توقف مؤقت للتصعيد، إذ ليس لدى أي من الطرفين حاليا أي مصلحة في شن حرب شاملة.

ومن خلال ضرب قاعدة جوية في منطقة أصفهان، غير البعيدة عن منشآت نطنز النووية، والتي تعد أحد مراكز البرنامج العسكري الذي يقود الجمهورية الإسلامية بهدوء نحو القنبلة النووية، أظهر الإسرائيليون أن بامكانهم الوصول الى الأراضي الإيرانية في عمقها على الرغم من الدفاع المضاد للطائرات.

ومن خلال هذا الهجوم بعثت اسرائيل برسالة واضحة مفادها “إننا نرد بطريقة محسوبة، ولكن لا تنخدعوا.

لقد اخترنا عدم ضرب مواقعكم النووية هذه المرة، لكن كان بإمكاننا القيام بذلك. مواقعكم النووية معرضة لهجمات طيراننا الذي يتمتع بقدرات هجومية بعيدة المدى لا يمكن كشفها بواسطة دفاعاتكم المضادة للطائرات"، هكذا علق ديفيد خلفا، مدير مرصد شمال أفريقيا والشرق الاوسط في مؤسسة جان جوريس على حسابه على موقع "اكس".

وكان البرنامج النووي الإيراني هو السبب الرئيسي لضبط النفس الذي ساد طهران منذ بداية الحرب على غزة.

ومن خلال التحرك من خلال اتباعها، نجحت إيران في بسط نفوذها في المنطقة من خلال تقديم نفسها باعتبارها زعيمة "المقاومة" الإسلامية، في حين أعطت الدفعة الأخيرة لبرنامجها النووي، الذي يشكل أحد أهدافها الاستراتيجية الرئيسية.

ومن خلال إثارة مواجهة عامة مع إسرائيل، فإنها تخاطر بتدخل الولايات المتحدة ضد منشآتها النووية.

ولم يكن الهجوم على ايران ببعيد عن أذهان المسؤولين الإسرائيليين، الذين أقسموا في عدة مناسبات أنهم سيمنعون إيران "بكل الوسائل" من امتلاك سلاح نووي. فهو يغذي سيناريوهات ضرب أجهزة الطرد المركزي الإيرانية.

كما أنه بلا شك يغذي حذر الجيش الإسرائيلي، الذي لا يستطيع القتال على جبهتين في الوقت نفسه.

وكما كتبت هيلويز فايت، رئيسة برنامج الردع وانتشار الأسلحة في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، فإن "أفضل فرصة لإسرائيل للحد من البرنامج النووي الإيراني هي عدم القيام بأي شيء، لأن إيران قد تستغل التهديدات لتبرير الانتشار النووي".

ولا مفر من التسليم بان المعركة الصامتة التي تدور منذ 20 عاما بين الجمهورية الإسلامية والقوى الغربية بشأن الملف النووي، قد تحولت في الوقت الراهن لصالح إيران.

وعلى الرغم من الجهود المضنية التي بذلها الدبلوماسيون الأوروبيون والأمريكيون، فإن الاتفاق النووي الموقع في عام 2015 مع إيران قد مات، حتى وإن كان المسؤولون الغربيون لا يزالون يزعمون في بعض الأحيان أنه ليس من المستحيل إحياءه.

لقد أصبح "قشرة فارغة"، على حد تعبير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

لقد طعنه دونالد ترامب، الذي اعتقد أنه من خلال الانسحاب منه، يمكنه ممارسة "أقصى قدر من الضغط" على النظام الإيراني لفرض اتفاق جديد أكثر صرامة. قبل عودة إطلاق السباق المحموم لتخصيب اليورانيوم منذ عام 2019 من قبل إيران. حتى انها اصبحت اليوم دولة "عتبة نووية"، أي أن لديها القدرة التكنولوجية لتصنيع قنبلة بسرعة.

وبفضل الحرب في أوكرانيا، أدى التقارب بين روسيا وإيران، التي تزود موسكو بالطائرات بدون طيار، إلى تبديد أي أمل ــ كان هشاً بالفعل ــ في استئناف المفاوضات. وكما أوضحت هيلويز فايت، فإن "روسيا تدافع الآن عن محور (مناهض للإمبريالية) من خلال دعم إيران في مواجهة المطالب الغربية". وفي غياب خطة بديلة، لم تعد الدبلوماسية الغربية، المشغولة تماما بالحرب الاوكرانية، تضع الملف النووي الإيراني على رأس أولوياتها.
وحتى الحل النهائي، الا وهو الحل العسكري، الذي بات يغري مجددا المسؤولين الإسرائيليين وحتى بعض الجمهوريين الأمريكيين، الذين يرون فيه "فرصة" يجب اغتنامها في ظل التوترات الحالية في الشرق الأوسط، يبدو غير واقعي. ووفقاً لمعظم الخبراء، لا تمتلك إسرائيل ما يكفي من القنابل الخارقة للتحصينات القادرة على الوصول إلى المنشآت النووية المدفونة على عمق كبير، بل وفي بعض الأحيان، كما هو الحال في فوردو، مخبأة تحت الجبل. أما بالنسبة للإدارة الأمريكية التي ارادت الهروب من أوروبا والشرق الأوسط لتتجه نحو المحيط الهادئ، لم تظهر أي رغبة خاصة في فتح جبهة جديدة الى جانب اسرائيل في مواجهة إيران. إن التقارب الإيراني مع روسيا والصين يمكن أن يضمن للجمهورية الإسلامية تقنيات دفاعية جديدة من شأنها أن تجعل الهجمات المستقبلية ضد إيران أكثر صعوبة.
وإذا كان من الممكن "كسب الوقت" فيما يتعلق بالحصول على القنبلة النووية من خلال ضرب أجهزة الطرد المركزي أو من خلال زيادة أعمال التخريب والاغتيالات المستهدفة، فإن الامر ليس كذلك فيما يتعلق بالمعارف النووية الإيرانية التي تم اكتسابها بالفعل، ولا يمكن انتزاعها. وكما تشير هيلويز فايت، "من الوهم الرهان على تغيير النظام كحل لمشكلة الطاقة النووية... ليس من المؤكد أن الحكومة الجديدة ستكون أكثر تأييدا للوصول إلى اتفاق". ولا إلى "التخلي" عن السلاح النووي، الذي يمكن على العكس من ذلك أن "يحمي وصولها إلى السلطة". والمثال الأخير هو أوكرانيا، التي وافقت في عام 1994 في مذكرة بودابست على التخلص من رؤوسها النووية مقابل ضمانات لأمنها وسلامة أراضيها، والتي بعد نزع سلاحها، وقعت فريسة لروسيا، لا يمكن إلا أن تدعم المسيرة الإيرانية نحو القنبلة، مهما كان النظام القائم في طهران.
لقد أصبح السلاح النووي الايراني الآن ضمن المعادلات التي يكاد يكون من المستحيل حلها. ولكن عواقبها وخيمة على المنطقة. ومن شأن القنبلة النووية الإيرانية أن تزيد من قدرة طهران على زعزعة الاستقرار الإقليمي. 

Dr.Randa
Dr.Radwa