"هات مفتاح الدار بدنا نرجع في يوم" .. هكذا غادر الفلسطيني صاحب حق العودة بيته ووطنه أبان نكبة 1948، غادر وهو يحمل يقينا صادقا أنه سيعود ذات يوم مهما طال الزمن.
مفاتيح الدار أيقونة النضال، يتوارثها الأحفاد عن الأجداد، جيلا وراء جيل والمفاتيح محفوظة في الصدور وبين الضلوع، نقوش الدار محفورة في وجدان الأحفاد، هنا مدخل الباب وجواره كانت شجرة الزيتون العتيقة شاهدة علي أصحاب المكان وحقهم في العودة.
لا ينسي الفلسطيني صاحب حق العودة مكان داره أبدا، يقينه أنه سيعود، وسيندحر الاحتلال وسيقي التاريخ شاهدا علي جرائم المغتصب وعودة صاحب الحق.
حكايات العودة إلي الديار يرويها الأجداد إلي الأحفاد يرتلونها ترتيلا صباح مساء ومعها بطولات النضال والتضحيات في سبيل عودة الوطن المغتصب.
ريحة الأحباب لا تزال تفوح من المفاتيح العتيقة، ينتشر عبقها يخفف ألام الغربة ومرها، يحلم الفلسطيني صاحب حق العودة ببيته في أرضه المحتلة، لوعة الشوق تقض مضجعه، وحنينه إلي أرضه المغتصبة يؤرق نومه. ذات يوم سيعود الغريب إلي أرضه ويندحر المحتل الغاصب، وكلما زادت جرائم الاحتلال كلما اقتربت بشائر العودة، وما ضاقت إلا فرجت.
تبقي حكايات فلسطين الجريحة طازجة حية في القلوب، وكأن النكبة لم يمر عليها 76 عاما، تمر السنون والقضية تعيش في الوجدان العربي من المحيط إلي الخليج، ومخطئ من يعتقد أن العرب قد ينسون قضيتهم الأزلية.
حق العودة
بدأت الحكاية مع المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني في الفترة التي سبقت وصاحبت عام 1948 إلى تهجير نحو مليون فلسطيني من أرضه ودياره.
وكانت العصابات الصهيونية تعمد إلى مهاجمة القرى والبلدات الفلسطينية بهدف تهجيرهم إلى مناطق أُخرى من فلسطين والبلاد العربية المجاورة، عن طريق بث الرعب بين المدنيين في القرى والمدن الأُخرى.
وأعطى قرار الأمم المتحدة رقم 194، الصادر في عام 1948، "الحق في العودة في أقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم، وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، على أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة".
وجعلت الأمم المتحدة حق العودة كحق إنساني من فئة الحقوق غير القابلة للتصرف، وهو ليس بحاجة لاعتراف الآخر به، والأسباب التي دفعت المجتمع الدولي إلى اعتبار حق العودة من الحقوق غير القابلة للتصرف، ارتباطه بالحق في تقرير المصير، حيث لا يمكن لأي شعب أن يقرر مصيره ما لم يكن موجوداً على أرضه بشكل مادي.
وبموجب هذا القرار أنشأت "الجمعية العامة" لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين، لتكون بمثابة آلية تنفيذية لتطبيق القرار، عن طريق البحث عن حلول دائمة لقضية اللاجئين الذين شردوا من ديارهم عام 1948.
وفي هذه الأثناء، جاء تأسيس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بناء على توصية اللجنة؛ لتضمد جراح الشعب الفلسطيني عقب النكبة التي تعرض لها، حيث عرفت لاجئي فلسطين على أنهم الأشخاص الذين كانت فلسطين مكان إقامتهم الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين يونيو 1946 ومايو 1948، إضافة إلى الذين فقدوا منازلهم وديارهم نتيجة قيام دولة الاحتلال عام 1948.
ويعبر وجود "الأونروا" عن وجوب حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وفق أحكام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ولعل ذلك يفسر السعي الدؤوب من تل أبيب لإنهاء وجود الوكالة، وقد بات ذلك جلياً في أعقاب عملية طوفان الأقصى، التي شنتها الفصائل الفلسطينية في السابع من أكتوبر الماضي.
إسرائيل ترفض وترفض إسرائيل الاعتراف بحق العودة جملة وتفصيل، أو حتى الاعتراف بمسؤوليتها القانونية والأخلاقية عن خلق مشكلة اللاجئين، بل أصدرت "قانون العودة" عام 1950، الذي يسمح بعودة أي مواطن يهودي من أي بلد كان إلى دولة إسرائيل، واكتساب "الجنسية الإسرائيلية" تلقائياً فور أن تطأ قدماه أرض فلسطين.
وفي هذا الإطار، أقر الكنيست الإسرائيلي عام 2018، "قانون القومية" الذي يؤكد "يهودية الدولة" بشكل كامل، ويسد الأفق أمام عودة اللاجئين، بل يهدد وجود الفلسطينيين كمواطنين في "الدولة" منذ العام 1948، وفقاً لما أورده المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية.
الشعب الفلسطيني يتمسك بحق العودة وقالت حركة فتح، إن الحقيقة الفلسطينية لا يمكن طمسها، وأن إرادة الشعب الفلسطيني أصلب من أن تُكسر، وإصراره على التمسك بحق العودة وحق تقرير المصير وبالحرية والاستقلال الوطني لن يلين.
وأضافت فتح، أن المجتمع الدولي يتحمل المسؤولية التاريخية عن الظلم الذي لا يزال يتعرض له الشعب الفلسطيني وعن كل النكبات التي أصابته، وآخرها حرب الإبادة الهمجية التي يتعرض لها أهالي قطاع غزة، والتي تقوم بها دولة الاحتلال الإسرائيلي بأبشع الأساليب والصور، بالتزامن مع الحرب على الضفة والقدس، في ظل تصاعد هجمات "المستعمرين الإرهابيين" بدعم من حكومة الاحتلال المجرمة.
وتساءلت لماذا يُمنع الشعب الفلسطيني دون غيره من الشعوب من حقه في تقرير المصير والعودة إلى وطنه، وألا تحصل دولة فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة؟ فيما قال حزب الشعب الفلسطيني، إن جوهر حل الصراع يستند إلى تطبيق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وفي مركزها القرارات 181 و194 و242 و338 و19/67 لعام 2012 وغيرها من القرارات، والاعتراف بدولة فلسطين، وعلى أساس وحدة أراضي هذه الدولة في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، ووحدة الولاية السياسية والجغرافية عليها، وباعتبار أن إنهاء الاحتلال عنها، هو المهمة المركزية أمام شعبنا من أجل تجسيد سيادة دولته على أرضه.
وأكد الحزب، على التمسك بحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة، وغير القابلة للتصرف، وفي مقدمتها، إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على أراضيها المحتلة عام 1967، وعاصمتها القدس، من خلال الإنهاء الفوري للاحتلال عنها، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفق القرار 194.
وتشير البيانات الفلسطينية إلى أن نحو 880 ألف لاجئ يعيشون في الضفة الغربية، 25% منهم يعيشون في 19 مخيماً، معترفاً بها رسمياً من قبل وكالة الأونروا، فيما يعيش نحو 75% من اللاجئين في مدن الضفة الغربية وقراها.
وبحسب بيانات الأونروا، فإن عدد اللاجئين في قطاع غزة بنسبة 66% من إجمالي عدد السكان البالغ 2.3 مليون، بواقع نحو حوالي 1.7 مليون لاجئ، ويعيش حوالي 620 ألفًا منهم في ثمانية مخيمات معترف بها من قبل الأونروا. من جهته، كشف الجهاز المركز للإحصاء الفلسطيني، عن أن عدد الفلسطينيين في العالم بلغ 14.63 مليون نسمة حتى نهاية عام 2023، ما يشير إلى تضاعف عددهم نحو 10 مرات منذ أحداث نكبة 1948.
وأشار الجهاز، إلى أن من بين 1.4مليون فلسطيني كانوا يقيمون في 1.300 قرية ومدينة فلسطينية عام 1948، تم تهجير مليون مواطن إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة، فضلاً عن التهجير الداخلي للآلاف منهم داخل الأراضي التي أُخضعت لسيطرة الاحتلال منذ عام 1948، الذي سيطر على 774 قرية ومدينة فلسطينية، 531 منها تم تدميرها بالكامل، فيما تم إخضاع المتبقية للاحتلال وقوانينه.