الجمعة 21 يونيو 2024

إبداعات الهلال| «الكمبيوتر الذكي».. قصة قصيرة للأطفال لصابرين عاشور

صابرين عاشور

ثقافة29-5-2024 | 10:25

دار الهلال

تنشر بوابة دار الهلال، ضمن باب "إبداعات" قصة قصيرة للأطفال بعنوان "الكمبيوتر الذكي" للكاتبة صابرين عاشور، وذلك إيمانا من مؤسسة الهلال العريقة بقيمة الأدب والثقافة ولدعم المواهب الأدبية الشابة وفتح نافذة حرة أمامهم لنشر إبداعاتهم.

قصة الكمبيوتر الذكي

ـ 1 ـ

تصحو الشمس معلنة بدءَ يومٍ جديد؛ فيستعد الجميع للذهاب إلى أعمالهم اليومية، ومن بينهم طارق الذي حينما يشعر بدخول الأشعة إلى غرفته يقوم بتأفف، ويبطئ في نهوضه من سريره متذمرًا لعدم حبه الذهاب اليومي إلى المدرسة..

فتشجعه أمه قائلة:

ـ طارق، اليوم هو يومك المفضل، أثناء تحضيري أشيائك وجدت في جدولك حصتين لمادة الحاسب الآلي.

وبمجرد أن أنهت كلامها قام مسرعًا يرتدي ملابسه وذهب بلمح البصر إلى "الأتوبيس" الذي يعلم سائقه جيدًا أن هذا اليوم الوحيد الذي يأتي فيه في موعده لأنه يوم الحاسب الآلي المفضل لديه..

 

في الزاوية يبكي "الكمبيوتر" وينظر بشاشته إلى الساعة بقلق ويقول:

ـ حان موعد قدومه، سيبدأ أولًا في تخريب لوحتي الكتابية وخلع بعض الأزرار مني ثم يضغط بعنف على الماوس، ويغلق ويطفئ شاشتي مئات المرات أثناء جلوسه؛ فكيف أهرب منه؟

يلاحقه بالرد الكمبيوتر المجاور له قائلا:

ـ إن أمجد حينما يأتي إليّ يعاملني بلطف، كم أحب هذا اليوم كي أراه.

يرد عليه:

ـ أحسدك على صديقك؛ فإنه يعرف جيدا أهميتك أما طارق فلا.

 

يرن الجرس معلنًا بدء الساعتين المفضلتين لديه؛ فيهرول بين زملائه ليدخل ويجلس على مقعده المعروف كل مرة، يبدأ المعلم الحصة الأولى، يشرح بعض الأساسيات المعتادة، ثم يترك تلاميذه يفعلون ما تعلموه للتو..

بقسوة يسحب اللوحة على المكتب، ويشد الماوس ويطفئ ويضيء الشاشة

مرات متتالية وهو يضحك بسخرية، ويسأل صديقه بالقرب منه:

ـ أريد أن أعرف كيف تدخل الإضاءة إلى الداخل؟!

يرد صديقه في صدمة:

ـ أرى أنك تفكر في نزع الأشياء من الداخل أيضا!

بثقة يقف، يهندم ياقة قميصه قائلا:

ـ نعم، فأنا البشمهندش طارق، أفسد الحواسيب وأعيد إصلاحها مرة أخرى في غمضة عين.

يلاحقه بالرد:

ـ ستندم؛ إن تلك الأشياء ليست ملكًا لنا حتى نفسدها.

ويقوم بغضب من جانبه.

 

في الجهة الأخرى تبكي الشاشة بشدة، ودون اكتراث لما قاله له صديقه.. قام ينزع جميع الأجزاء ويلقيها بجانبه ثم يعيدها في عشوائية، وبالقرب منه أصدقاؤه غاضبون لما يفعل، لا يبالي لهم وينظر بثقة قائلا:

ـ أرأيتم؟ ها قد نزعت كل شيء وأعدت تركيبه مرة أخرى، والآن سأوصله بالكهرباء وسيعود للعمل مرة أخرى، وبمجرد أن وضع  إصبعه على زر التشغيل...

 

-2-

بدأ يشعر بأن شيئًا يجذبه ناحيته، وهو يصرخ في أصدقائه:

ـ ساعدوني؛ كأن قوة ما تجذبني إلى الشاشة.

ينظرون إليه بغضب:

ـ كفاك مقالب اليوم يا طارق، يكفي ما فعلت بالحاسوب؛ إنه لن يعمل بعد اليوم.

لم ينهوا كلماتهم حتى اتسعت حدقات أعينهم فصديقهم لا يكذب؛ رأوه بأعينهم وكأنه تحول إلى ضباب، ثم سحب إلى داخل الحاسوب..

 

-3-

الجميع يلتفون حول الأطفال متعجبين من تعالي صرخاتهم، المعلمون والعاملون ومدير مدرستهم ينتظرون تفسيرًا لتلك الضجة، فبدأ أمجد يسرد ما رآه قائلا بخوف:

ـ يا معلمي الفاضل، رأيت طارق يُسحب إلى الداخل هنا.

ويشير بإصبعه ناحية الشاشة المضاءة، ويكمل:

ـ رأيته أنا والجميع، يمكنك أن تسألهم.

بألسن متلعثمة يقولون:

ـ نعم رأيناه.

فبدأ المعلم بتعنيفهم، وبغضب قال:

ـ هل تعرفون أن الكذب يغضب الله ورسوله؟!

في صوت واحد:

ـ نعم نعلم، ونحن لا نكذب، هذا ما حدث.

فتدخل المدير وقال:

ـ أرى أن تحرمهم من الدخول إلى هنا مرة أخرى حتى لا يكذب أحدهم مرة أخرى.

وأضاف:

ـ أريد منك أن ترسل لأولياء أمورهم جميعا وخاصة طارق لأن لعبة "الغميضة" ليس مكانها هنا، وحينما تجده أبلغني.

وخرج وتركهم جميعا، فبدأ المعلم بسؤال تلاميذه:

ـ أين صديقكم؟!

 

أشارت أيديهم ناحية الشاشة، فثار المعلم مرة أخرى:

ـ إذًا سأحرمكم جميعا من الدخول إلى هنا، وطارق لن يدخل حصتي، بل لن يدخل المدرسة أبدًا حتى يتعلم التفرقة بين أوقات الحصص وأوقات اللعب.. وتركهم وذهب.

 

كدمية تفككت من بعضها وجد نفسه؛ أسلاك كثيرة من حوله وداخله، يمد يديه فتصيبه صاعقة كهربائية بسيطة تجعله يعيدها مرة أخرى، يمسك بإحدى ذراعيه ويحاول إعادتها إلى جسده فيصرخ من الذعر:

ـ ما كل تلك الأسلاك الملونة داخلي؟ ومن فعل بي هذا؟

 وصار يبكي في خوف، فوجد أشياء تأتي من بعيد وتقترب منه، ففتح فاه على آخره.

 

إنها شاشة الحاسوب الذي قام بتهشيمها منذ قليل.. قادمة إليه تستند على لوحة المفاتيح في مشهد جعله يقفز من مكانه؛ فتناثرت أعضاؤه مرة أخرى، وقام يجمعها في ذعر، فضحكت الشاشة قائلة:

ـ أمر مؤسف أن تجد جسدك عبارة عن أجزاء متناثرة.

فتلاحقه اللوحة قائلة:

ـ ما شعورك لو أتيت الآن ونزعت منك يديك بشدة؟!

 

فصرخ طارق باكيا:

ـ ماذا تريدون مني؟!

بضحكة عالية ترد الشاشة:

ـ لا شيء؛ فقط نذيقك مما فعلت.

وأضافت:

ـ أرى أن نضيفه بيننا مدة أطول.

وأشارت إلى الزاوية؛ فوقع طارق من هول ما رأى.

 

فكل الأسلاك واللمبات و"الماوس" والأزرار التي قام بتهشيمها من قبل قادمون إليه، اقتربوا منه، ثم أخذوه ووضعوه في علبة بلاستيكية ضيقة؛ شعر أن أنفاسه تختنق فقال:

ـ تذكرت، لقد فعلت هذا الأمر في اللوحة، نزعت جميع الأحرف ووضعتها من قبل في علبة بلاستيكية، هل كنتم تشعرون بكل هذا الضيق والألم مثلي؟!

 

فردت الأسلاك عليه:

ـ نعم وأكثر من ذلك، هل وضعت نفسك بمكان كل جزءٍ منا من قبل؟!

يرد بتعجب:

ـ ولكن أنتم جماد، كيف لكم أن تشعروا؟!

 

بضحكة ساخرة تلاحقه اللوحة:

ـ وأنت بشر كيف أتيت إلى هنا؟!

ـ لا أعرف، أنتم من جلبتموني إلى هنا.

 

بخبث ترد اللوحة:

ـ وستمكث معنا بعض الوقت.

 

ـ 4 ـ

تبدأ الحصة الأولى وهو يتجول داخل الشاشة، يرى أصدقاءه ينعمون ويستمتعون

دونه ويرى جميع الأجهزة أمامه سعيدة حينما يأتي إليها أي شخص آخر غيره، فعرف للتو أنه هو المفسد الوحيد، وأن الأجهزة ستنتقم منه أشد انتقام ولن تتركه يخرج من داخلها مرة أخرى.

يقف في الداخل ويدور في ذهنه بيته وعائلته، وأحب الأيام المدرسية إليه..

ـ لقد حرمت من كل هذا والسبب إهمالي، ليتني لم أفعل ذلك.

 

للتو انتهى فوجد الشاشة أمامه تبتسم قائلة:

ـ هل شعرت بما أمر به حينما كنت تفصل مني أحد أجزائي؟!

بعين دامعة يقول:

ـ نعم شعرت، ولو أعيد بي الزمن للخلف فلن أفعل هذا أبدا.

ـ وعد!

طارق بوجه منكسر وحزين:

ـ وعد ولكن فات الأوان، أظن أنكم لن تتركوني؛ فما فعلته لا يغفر.

 

يرفع عينه فيجد الساعة تعود بالعقارب إلى الخلف بحركات دائرية سريعة؛ ويشعر بسخونة الدماء تعود إلى جسده مرة أخرى، ثم مرة واحدة وجد نفسه يجلس أمام الحاسوب وبجواره صديقه أمجد الذي قام إليه يحتضنه فنظر إليه متعجبًا:

ـ ما بك يا طارق؟! وكأنني كنت مسافرًا وللتو عدت.

ـ لا شيء، فقط اشتقت لك.

ـ أمرك عجيب؛ اليوم تشتاق لي وأنا بجوارك، وأيضا لا أراك تفسد الحاسوب!

نظر حوله، وجد كل شيء كما كان عليه؛ ففهم أن الشاشة أعادته إلى آخر يوم كان هنا، وأعطته فرصة أخرى، وأهدته درسًا لا يعوض..

فهم أننا قبل أن نفسد وندمر الآخرين يجب أن نضع أنفسنا مكانهم، وأنه لا بد من المحافظة على الممتلكات العامة والملك لغيرنا.

وبينما هو شارد.. أطلق الجرس صوته في الأنحاء معلنًا انتهاء اليوم الدراسي؛ فيقوم ويعود إلى منزله بفرحة ولهفة تعجبت منهما أمه؛ فقبّل يديها، ودخل غرفته، وحمد الله على الدرس الذي تعلمه.

الاكثر قراءة