غالبًا ما نقع فريسة له، ننخدع به لصخبه المعهود، نتخدر به وبهالته الملائكية التي يجلبها معه في البداية فيجعلنا نطوف داخل حرمه الوهمي الغامض، نخضع لعمليات احتيال ممنهجة منه، نستسلم لقبضته حين تُحكِم بتأثيرها وسحرها القوي علينا، نتجه مندفعين نحوها نتفحصها سريعًا وهى في طريقها لتسكن بداخلنا، تنفذ إلينا وتشكل رؤانا، فنستجيب لها تبعًا لما تلقننا إياه، وتمليه علينا.
الانبهار يحملنا في قاربه المتهالك، يدخل بنا إلى بحار من أوهام حالكة الظلمة، يسيطر علينا ويهرول خلفنا بأمواجه الثقال التي تلاحقنا فترفعنا عاليًا معها، ثم ما تلبث أن تهوي بنا وتسقطنا دون تنبيه أو إنذار، تعاود السخرية منا وتضحك شامتة دون تمهل أو انقطاع.
نعم، إنه ذلك الذي يدفعه القدر في طريقنا، يجيد قراءتنا ويتقن الاحتيال بكافة صوره، يجبرنا على السفر معه في رحلة مضنية نصعد معه فيها جبال وننزل من دون تحذير إلى سفوح ووديان، رحلة نعيشها بين قضبان كذبة كبرى تتشكل وتتلون علينا وتوشك أن تجرفنا معها نحو شطآن من سراب.
الاقتراب من البعض وقت الانبهار بهم يعد من أكثر الأمور خطرًا علينا، فنحن رقيقو الشعور متقدي الوجدان، نخلط الحقيقة بالوهم في أغلب الأحيان، نتأثر بهم ونقوم بتكوين الآراء على عجلة من أمرنا دون ترو منا وهذا يعد جنونًا وانتحارًا، الاستسلام لموجات الكلام الذي تم طلاؤه بالمكر والخداع ينذرنا بنهايات صادمة لا تحتمل، تدخلنا لتجارب لم تكن في الحسبان.
علينا أن نتفقد خطوط اللوحة حتى نعثر على خباياهم، فالموقف مازال يتكرر والتجربة ما زالت على قيد الحياة. التوجس خيفة من قبل خوض معارك الحياة يعد أمرًا محمودًا في معظم الأحيان.
البعض يأتي إلينا عبر هذه المنطقة التي يملؤها الخجل لأنه يراها ويلمس تفاصيلها بنا عن قرب، يثق بأننا مشبعون بالذوق والحياء، فيرتب أدوات حربه الشعواء بعد أن جمع كل خبايانا وأصبح على أهبة الاستعداد، يضع خطته الماكرة بكفاءة ويضمن فاعليتها فهى تجمع ما بين صوت عالٍ نبغضه، وعبوس مزعج يتبعه جدال.
ليس عيبًا أن نقي أنفسنا شرور الآخرين؛ من الصائب أن نحمي قلوبنا شرور الصدمات، إن الحياة التي نحياها الآن بها ما يكفي من مواقف صعبة تعصف بنا ولسنا في حاجة للإتيان بالمزيد من الخسائر أو الإخفاقات.
خيط رفيع للغاية يفصل بين حقيقة الأمر والانبهار به، خط أحمر اسمه الحذر من الوقوع تحت تأثير حسن الظن المطلق في الحكم على بعض الأشخاص، لحظة انتباه صادقة تجنبنا شقاءً لا نحتمله، أخذ الحذر لم يكن سيئًا على الإطلاق.