الخميس 25 يوليو 2024

لا .. لسنا سواء

مقالات25-7-2024 | 15:35

أرفض التعميم في الحكم على علاقة شخص ما بوالديه فلكل منا ظروفه الاجتماعية التي فرضتها الأقدار عليه، ظروف كونت شخصيته بحسب ما وجده أو افتقده من أبويه؛ فهناك من ابتسمت له الأقدار فأغدقت عليه من نعمها، فحاز على نصيب ضخم من عطف أب وحنان أم، ومنهم من أشقته الأقدار وجنت عليه، حين كتبت على جبينه صحبة من يسيء إليه في أغلب سنوات عمره عن عمد أو بدون قصد.

أخذتني الأفكار بعيدًا وقربتني كثيرًا من تفاصيل هذا الأمر، فوجدت أنه من الضروري أن أسلط الضوء عليه، قد يظن البعض خطأ أن حديثي يتنافى مع مفهوم ومعنى بر الوالدين، وهذا ما لا أريده ولا أقصده بالطبع؛ فاحترام الوالدين وبرهما لا يخضعان لهوى نفس أو لربط فعل بردة فعل، تلك قضية مسلم بها لا تقبل مساومة أو شك. 

إن ما يصيبني حقًا بالألم هو ذلك التسرع غير المبرر في إصدار الحكم على شخص مزقته معاناته وأثقلت تجربته القاسية كاهليه، قرر في لحظة أن يذكر ما تعرض له من ظلم فتم الحكم عليه بأقسى الكلمات وكأنه قد كتب عليه تقبل الأمر وتحمله حتى أنه أصبح لا يملك الحق في التعبير والشكوى من فرط ما تعرض إليه أوما مر به من تجارب مؤلمة دمرته أو كادت أن تدمره، وكأنه كان لزامًا عليه أن يتقبل الضربات صامتًا دون جزع وأن يطبق على الحق شفتيه.

بعض الأسر تضم نماذج عديدة من هؤلاء الذين تكاد أن تشهد عليهم جدران منازلهم، فهم يقومون بهدم أبنائهم والنيل منهم بسلبهم حقوقهم، إنهم يقتلون فيهم عزة نفس غالية، يجبرونهم على تحمل ما لا يطيقونه، يمعنون في تعذيبهم وإهمالهم، يستمتعون بإيذائهم النفسي والبدني، بعد أن تنازلوا برغبتهم عن نصيبهم من الرفق وصلبت الشفقة طواعية منهم على أبواب قلوبهم، غادرهم الوعي والإدراك بأهمية دورهم في تنشئة أطفال أسوياء، يسعدونهم ويسعدون بهم، يفكرون ويخططون من أجل حاضرهم ومستقبلهم. 

كلنا نعلم بأننا مختلفون عن بعضنا البعض، وبقليل من التنقيب والبحث سنجد أن كل إنسان منا هو وجه آخر  لبيئة صنعته، شيدته أو هدمته، كونت شخصيته، رفعته عاليًا أو خفضته.

لسنا سواء لكي نزن قصص حياة هؤلاء التعساء بموازين سعادتنا -إن- كنا بالفعل سعداء، لماذا يجتهد البعض في كيل التهم لهم، وإلقائها عليهم جزافًا دون إعمال لعقل، أو إحقاق لحق. 

لسنا سواء، فمنا من كان أبواه أكبر داعمين له، ومنا من حصل على دعم أب فقط أو دعم أم، منا من عاش بين أبوين رحيمين كريمين، ومنا من عاش يعاني من قسوة وبخل شديدين؛ وأخيرًا منا من تمنى عدم مجيئه لحياة سلبت منه أجمل أيام طفولته، مراهقته وشبابه، بل وربما سلبت منه بسوء حظه كل ما لديه.