الأحد 8 سبتمبر 2024

فرانثيسكو دي كيفيدو.. شاعر السخرية وكاتب العصر الذهبي الإسباني

فرانثيسكو دي كيفيدو

ثقافة8-9-2024 | 14:34

همت مصطفى

كان واحدا من أبرز الشعراء الإسبان في العصر الذهبي الإسباني، سطر بحروفه الشعر  كما كتب في السياسة باتجاه ساخر،  ومن مؤلفاته في هذا الاتجاه روايته الشطارية الواقعية عن التشرد وحياة الطبقات الدنيا  وقدمها بعنوان «تاريخ دون بابلو دي سيغوفيا» و المعروفة باختصار «آل بوسكون»، إنه فرانثيسكو غوميث دي كيفيدو إي سانتيبانييث فييغاس  ويعرف بـ «فرانثيسكو دي كيفيدو».

 

الميلاد وبداية الرحلة

 

ولد «فرانثيسكو دي كيفيدو» في 14 سبتمبر 1580، مدريد، بإسبانيا،  ونشأ في قصر الملك فيليب الثاني، بحكم وظيفة والديه الأرستقراطيين، وقد ولد بتشوه في رجليه، وبضعف في البصر، وبالرغم من يُتمه المبكر فقد تمكن، برعاية أمه، من مواصلة دراسته في جامعة مدريد، وهي أهم جامعة إسبانية حينذاك، وتخرج منها وهو ما يزال في مقتبل العمر، وتحصل على جل علوم عصره، إضافة إلى درس اللغة العربية أيضًا.

 

ظل «كيفيدو» منجذبًا إلى القصر وإلى السياسة، ما سيفسد عليه فيما بعد حياته كلها، فقد عاش متأرجحًا بين حلم الوجاهة الذي كان يصبو إليه، وما بين وجوده الواقعي الذي كان يعانده كثيرا،  فقد فر«كيفيدو» هاربا من إسبانيا بعد أن أودى بخصمه قتيلًا في إحدى المبارزات.

 

صحبة الدوق أوسونا

 

عاد «فرانثيسكو دي كيفيدو» إلى إسبانيا ثانية سنة 1613م حتى اتصل بدوق أوسونا، الذي أصبح فيما بعد حاكمًا لصقلية، وقربه منه كثيرًا، وصار سكرتيره وصديقه الحميم الذي ظل وفيًا له، بالرغم مما عناه بعدما تعرض هذا الأخير للخذلان،  فقد أصبحت حياته كما هو بيّن ما بين الرفعة والهوان، وشارك في المحاولة الخطرة التي استهدفت نزع مدينة نيس من دوق منطقة السافوا،  وهي إقليم فرنسي تابع لمنطقة رون ألبا  وتقع غربي الألب.

 

محنة السجن

 

نسب إلى شاعر«فرانثيسكو دي كيفيدو»  منشور هجائي،سنة 1639م، و اقتحم على إثرها بيته في عز الليل وتم سحبه من فراشه شبه عار، كي يتم اقتياده بعد ذلك إلى زنزانة ضيقة وشديدة الرطوبة في قبو الدير الملكي سان ماركو بمدينة ليون.

 

وكانت الرسائل التي كتبها «فرانثيسكو دي كيفيدو» من محبسه ذاك لشديدة التعبير عن حقيقة ما عناه فيه، ولم يطلق سراحه إلا بعدما طالب بشدةٍ بإنصافه، حيث اشتد به المرض، وتبين حينها أنه ظُلم، ولم يكن هو صاحب المنشور الهجائي الذي ظُن أنه هو من كان كاتبه، وسجن بمقتضى جنايته، بعدما ألقي القبض حينها على من كان حقيقة خلف ذلك التشهير.

وقضى «كيفيدو» في السجن أربعة سنوات، كانت هذه التجربة قاسية وقاصمة لعنفوانه، فانزوى  في بيته، منهكاً، شبه معدم وأعمى، انتقل إلى دير توري خوان أباد ولم تمض إلا سنوات قليلة حتى قضى أجله في 8 سبتمبر 1645م، وكان قد كتب مخاطبًا الموت:«أحبك أيتها المحسنة إلي، وأتريث .. دون أن أرتجف، ريثما يحين .. أجلي وأطرق الخلود!»

 

مؤلفات «فرانثيسكو دي كيفيدو»

 

سقى  الشاعر المتميز « كيفيدو» بعض معانيه وصوره الشعرية من مؤلفين سابقين، وكان ذلك دليلا على الثقافة الواسعة التي كان يتميز بها، و تتميز أعمال«كيفيدو» بكتابة صعبة، حيث كان محترفًا بالتلاعب اللفظي الذي يشكل على الدوام حجر عثرة كل ترجمة، من أية لغة كانت، أو الأوزان الخاصة المتعلقة بفن السوناتة.

 

أشعار «فرانثيسكو دي كيفيدو»

 

لم ينشر« دي كيفيدو» شعره في حياته، وإن كانت هناك إشارة تؤكد بأنه قد نوى كم من مرة ذلك، وبأنه عكف على إعادة كتابة قصائده، ثم مراجعتها وتصحيحها في أفق إعداد طبعها. ما لم يحدث قط إلا بعد وفاته، وذلك بإيعاز من أحد الجهابذة هو غونثاليث دي سالاس.

و نشر عددًا من قصائده باسم مستعار خاصة لدى انزوائه في لاتوريه دي خوان أباد. ثم أن زمرة من نصوصه كانت تقرأ وتنسخ، في سرية، طيلة مدة بأكملها، فإذا كان الرجل قد سعى ما بوسعه أن ينفلت من قبضة محاكم التفتيش حينها، مثل غيره، بأن كتب في اللاهوت، وأبان قدر الإمكان عن أرثوذكسية محضة، فإنه كان أقل أهل عصره تديناً، وجرّ عليه ذلك كثيرا من المتاعب.

 

وخلال فترة وجوده في قصر بلد الوليد خرجت قصائد « دي كيفيدو» الأولى، التي كان يقلد فيها ويحاكي بسخرية قصائد لويس دي جونجورا، ناشرا إياها تحت اسم مستعار ميغيل دي موسى في بعض الأحيان، وسرعان ما تعرف الشاعر القرطبي دي جونجورا على الشاب الذي قوض سمعته واكتسب شهرة على حسابه، فقرر مهاجمته بسلسلة من القصائد، فرد عليه كيفيدو بأبيات مماثلة، وكان ذلك بداية لعداء أزلي بينهما لم ينته حتى وفاة دي جونجورا.

 

قصائد الحب والموت

 

تدور قصائد «فرانثيسكو دي كيفيدو» حول الحب والموت، كانت القصائد التي تغنى فيها بالمسماة ليزي والتي لم يستطع أحد من دارسي شعره التعرف على هويتها، وعلى حقيقة وجودها بالفعل أكثر من غيرها من النصوص الأخرى، فإن شغفه بالحب هو أكبر حقيقة مما تواتر عن كيفيدو من كونه كان كارهاً وعدوا شرسا للمرأة. وربما أن قوله "إن المرأة نوع من الجحيم الذي نحمله معنا" هو ما ألصق به أكثر تهمة كرهه للمرأة من غيره.

 

 توفى « دي كيفيدو»في مثل هذا اليوم 8 سبتمبر من 1645م في فيانيوفا دي لوس إنفانتيس، ثيوداد ريال،  في إسبانيا.