الإثنين 3 يونيو 2024

قبل أن نقول وداعاً لفلسطين

1-3-2017 | 11:18

بقلم –  يوسف القعيد

 

خلال زيارة رئيس وزراء العدو الصهيونى بنيامين نتنياهو لواشنطن الأولى، لمقابلة الرئيس الأمريكى الجديد - أو الذى من المفترض أنه مازال جديداً – دونالد ترامب. فوجئنا - أو المفترض أننا فوجئنا بنتنياهو يعلن من واشنطن أن خيار الدولتين لم يعد له وجود، ولا يجب الحديث عنه من الآن فصاعداً.

ومن باب تنشيط الذاكرة القومية أقول إنه كان هناك كلام عن خيار الدولتين، دولة إسرائيلية مغتصبة، ودولة فلسطينية تستعيد الحق الفلسطينى وعاصمتها القدس الشريف. هذا ما كنا نقوله على الأقل حتى إعلان نتنياهو المدوى من واشنطن، من قلب البيت الأبيض بعد أن استقر فيه ساكنه الجديد.

 

لحظتها تصورت أن الزمن توقف ولم يتقدم لحظة واحدة. وأن كل ما فى الوطن العربى والعالم الإسلامى، وربما العالم الثالث، ولمَ لا نقول العالم أجمع. ذلك العالم الذى أفترض فيه تعاطفه مع الحق الفلسطينى المشروع. الحق الفلسطينى الذى تم اغتياله على مدار نصف قرن من الزمان. هذا العالم ستكون له حكاياته مع ما أعلنه نتنياهو، أخشى أن أقول إن الأمر مر مرور الكرام، لأنه يجب ألا يمر. ولا يجب أن يكون مرور الكرام. عموماً لن أتعجل، فالعجلة من الشيطان. ربما حملت لنا الأيام المقبلة بعض الطمأنينة المفقودة.

التحرك الوحيد حتى لحظة كتابة هذا الكلام، كان تحركاً مصرياً أردنياً. عندما وجه الرئيس عبد الفتاح السيسى دعوة للعاهل الأردنى الملك عبد الله الثانى، لزيارة القاهرة والتباحث فى مجمل القضايا العربية الثانية، وهكذا وصل الملك عبد الله الثانى، ملك الأردن، إلى القاهرة. وكان هدف الاجتماع مواجهة التنصل الصهيونى من حل الدولتين.

وحل الدولتين كنا قد قبلناه على مضض. ورفعنا فى مواجهته شعار نجيب محفوظ الخالد:

- إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون.

وحتى قبولنا به وكان ذلك صعباً وعصيباً على النفس. فها هو رئيس وزراء العدو يتنصل منه.

هل أتقدم خطوة وأقترب من طريقة تفكيرى وأعلنها، رغم أنه تفكير شديد الخصوصية يخصنى وحدى، ولا يلزم غيرى به. عموماً لأفعل ذلك والأجر والثواب على الله. عندما أعلنوا عن رحلة نتنياهو إلى واشنطن الأولى فى ظل وضعها الجديد. تصورت أن بيضة الديك الذى ستتمخض عنها الزيارة ستكون الإعلان عن نقل العاصمة الإسرائيلية إلى القدس. ورحت أتخيل ردود الأفعال على هذه الخطوة الخطيرة. وأنا أقصد ردود الأفعال الفلسطينية، ثم العربية، ثم الإسلامية، ثم من العالم الثالث. ولم لا أقول والعالم كله. وأقصد العالم الذى مازالت لديه ثوابت الوقوف مع الحق الفلسطينى.

يبدو أنه على جيلنا أن يتجرع الخيبات خيبة وراء خيبة، وأن ينحدر من نفق إلى نفق حتى يصل إلى ما بعد السفح أو أسفل السفح. لأنه فى حدود المعلن - والمعلن ليس كل ما يتم - ويبدو أن العبارة العربية القديمة: ما خفى كان أعظم. لابد من الإيمان بها واستحضارها والتعامل معها باعتبارها من قوانين الواقع السياسى الراهن والمعاصر لنا.

ليس لدىَّ يقين، وليس لدى أحد شبه يقين من أن الأمر لم يطرح. ولم تتخذ بشأنه قرارات. والأمر الذى أقصده نقل العاصمة الصهيونية إلى القدس الشريف. تعالوا نتعامل مع ما أعلن. ونعتبره يقيناً. علماً أن زماننا بلا يقين على الإطلاق. لأن ما يعلن بعد مثل هذه اللقاءات ليس جزءاً من الحقيقة. بل ربما كان نقيض الحقيقة على طول الخط.

ما أعلن هو أن كل ما قيل على مدى أكثر من نصف قرن عن أن حل الدولتين لم يعد له وجود. طبعاً لم أعُد للمربع رقم واحد. ولن أتكلم عن قرار التقسيم الذى رفضناه جملة وتفصيلاً سنة ١٩٤٨، وهو يبدو الآن حلاً بعيد المنال. ولست أدرى كم من الأحلام التى ربما رفضناها فى البداية سننتقل من حلم إلى حلم. حتى نصل إلى ما تحت السفح.

توقف الزمان بالنسبة لى عندما سمعت الأنباء القادمة من واشنطن. وعندما مرت بعدها أيام خالية من ردود الأفعال، تتعامل مع ما جرى على أنه من الأمور الطبيعية. علماً أن الشاعر الألمانى العظيم: برتولد بريخت. يقول:

- إن مآسى الأمم تبدأ عندما تنظر إلى الأمور غير الطبيعية على أنها من الأمور الطبيعية.

لكن الأمر لم يتوقف أحد أمامه بالخطورة التى يستحقها من قبل الأشقاء الفلسطينيين بجبهاتهم الثلاثة: رام الله التى يوجد فيها الحكم الفلسطينى، أو المفترض أنه الحكم الفلسطينى أو من غزة حيث يوجد من يطلقون على أنفسهم: حماس، والحكم الإسلامى. أو من الضلع الثالث للقضية الفلسطينية وهو: الفلسطينيون فى الشتات. الفلسطينيون الذين يعيشون فى كل أنحاء العالم الآن. وحلم العودة يتراجع من خيالهم يوماً بعد يوم.

وها هى الضربة القاصمة أو الضربة القاضية تنزل عليهم جميعاً بأن تطلب منهم ألا يفكروا فيما سبق لهم التفكير فيه حتى كحلم بعيد المنال. ألا وهو حل الدولتين. مع أن الموقف الفلسطينى والعربى إزاء هذا الطرح عندما نعود إلى قديم الزمان وسالف العصر والأوان كان الرفض المطلق لها. وها نحن الآن نوشك أن نفقد ما رفضناه، وأن نلهث وراء ما قلنا له: لاوألف لا.

بعد صمت الفلسطينيين المفزع بالنسبة لى. ها هو صمت الأمة العربية. والعالم الإسلامى. والعالم الثالث. وضمير العالم كله الذى من المفترض أن يتحرك فى مواجهة هذا الهول الصهيونى الذى أعلن من واشنطن. وكأن واشنطن موافقة عليه. يخيل إلىَّ أن ما أريد أن يصلنا هو الموافقة الأمريكية على التطرف الصهيونى الذى تعدى ما كنا نتصوره من قبل خطوطاً دولية حمراء فى التعامل مع القضية الفلسطينية.

وسط هذا الصمت الكئيب والخرس الحزين والغياب القومى شبه الكامل. تحركت مصر واستقبل الرئيس عبدالفتاح السيسى الملك الأردنى عبد الله. وأعلن أن التنصل من حل الدولتين مسألة خطيرة. وأن حل الدولتين من الثوابت القومية العربية التى لا يمكن التنصل أو التهرب منها.

هل أقول إن هذا العمل الجليل الذى قامت به مصر والأردن يوشك أن يكون الرد العربى – ربما الوحيد – على ما فعله العدو الصهيونى وحليفه الأمريكي، لن أقول إنه رد الفعل الوحيد. وكنت أتصور أن الأمر يستلزم قمة عربية إستثنائية وعاجلة تعقد فى القاهرة أو أى مكان آخر لإعلان رد عربى على ما ذهب إليه نتنياهو. وما كنت أتصور أنه يجرؤ على التفكير فيه. لكن هذا ما جرى.

حسب ما أعلنه السفير علاء يوسف، الناطق الرسمى باسم رئاسة الجمهورية بعد مفاوضات الرئيس عبدالفتاح السيسى والملك عبد الله الثانى. وقد تمت على مرحلتين، الأولى: فى لقاء ثنائى اقتصر عليهما وحدهما. والثانى: لقاء انضم إليه أعضاء الوفدين الأردنى والمصرى لبحث مجمل القضايا العربية، وفى المقدمة منها الزلزال الصهيونى. وأيضاً التمهيد للقمة العربية التى ستعقد فى عمَّان.

طبعاً سأقول من باب التذكير فقط إن من ثوابت الموقف العربى والحلم القومى العربى إقامة الدولة الفلسطينية فى حدود ٤ حزيران ١٩٦٧، باعتبار أن ذلك من ثوابت الحلم القومى العربى التى لا يجوز التنازل عنها بأى حال من الأحوال، وليس من حق هذا الجيل ولا الأجيال السابقة عليه ولا الأجيال التالية له التنازل عن هذا الحلم. لأن ذلك يتم فى إطار الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطينى وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية فى القدس والأراضى الفلسطينية.

هذا إن كان لدينا رغبة فى الحفاظ على الاستقرار فى المنطقة وليس فى فلسطين وحدها. لا أريد أن نصل فى جيلنا لتجرع مرارة أن نقول فى يوم من الأيام:

- وداعاً لفلسطين.