الجمعة 27 سبتمبر 2024

ستيفن روجر فيشر: الكتابة أداة مثالية لنقل المعرفة البشرية

غلاف الكتاب

ثقافة17-9-2024 | 18:27

دعاء برعي

يتناول المؤلف وعالم اللغويات النيوزيلندي ستيفن روجر فيشر في كتابه "تاريخ الكتابة" قراءةً أوَّليَّة مفيدة لطلَّاب الجامعات وغيرهم ممَّن يَتُوقون إلى الحصول على عرض عامّ وحديث لتاريخ الكتابة الرائع، وتضمُّ الموضوعاتُ المحوريَّة للكتاب أصولَ أنظمة الكتابة الرئيسة المستخدمة في مختلِف أنحاء العالَم، ونصوصها وأشكالها وأدوارها والتغيُّرات الزمنيَّة التي طرأت عليها.

 

ويستعرض فيشر عبر "تاريخ الكتابة" الصادر حديثًا عن مشروع "كلمة" للترجمة، الذي نقلته إلى العربية رشا صلاح الدخاخني، وراجع ترجمته محمد فتحي خضر، الديناميكيَّات الاجتماعيَّة للكتابة في كلِّ مرحلةٍ من المراحل؛ فمنذ ظهور الإنسان المنتصِب، يبدو أنَّ البشر ميَّزوا أنفُسَهم عن الكائنات الأخرى من خلال تكوين مجتمَعات بشريَّة قائمة على الكلام، والآن ما يميِّز الإنسانَ العاقل في العصر الحديث هو مجتمَعٌ عالَميٌّ قائم بشكلٍ أساسيٍّ على الكتابة.

 

ويؤكد أنه في السابق كانت الكتابة مجالاً متخصِّصاً تقتصر ممارسته على بِضْعة آلاف نسمة، أمَّا اليومَ فتُعَدُّ الكتابةُ مهارةً يمارسها نحو 85 في المائة من سكَّان العالَم؛ أيْ نحو خمسة مليارات نسمة. ويستند المجتمَع الحديث بأجمعه على ركيزة الكتابة. 

 

ويوضح في كتابه: "الآن، انقرضَت أغلب أنظمة الكتابة والخطوط التي كانت موجودة في العصور البائدة، ولم يَتبقَّ سوى آثار ضئيلة لأقدم أنظمة الكتابة -اللغة الهيروغليفيَّة المصريَّة- التي لا نكاد نلاحظ أثرها في الألفبائيَّة اللاتينيَّة المُستخدمة اليومَ لنقل اللُّغة الإنجليزية وغيرها من مئات اللُّغات الأخرى، وفي سلسلةٍ من التطوُّرات التصادُفيَّة، صارت الألفبائيَّة اللاتينيَّة أهمَّ نظامٍ للكتابة على مستوى العالَم، وبالرغم من أنَّها وسيلةٌ لنقل اللُّغة، فمن المحتمَل أن تعيش مدةً أطولَ من معظَم اللُّغات المألوفة على كوكب الأرض، ويُمكِن تقديرُ الطريقة التي تستخدمها البشريةُ اليومَ في الكتابة، وأهمِّيَّتها الأكبر نطاقاً بالنسبة إلى المجتمَع العالَميِّ الناشئ، على نحوٍ أفضلَ من خلال فَهمِ المَنبع الذي نشأت منه الكتابة، وهو موضوعُ هذا الكتاب".

 

ويضيف فيشر: "تثير الكتابةُ اهتمامَ الجميع؛ فمنذ ما يَقرب من ستَّة آلاف عام، احتضَن كلُّ عصرٍ من العصور هذه الأُعجوبةَ؛ الأداةَ الأكثر تنوُّعاً وإمتاعاً للمجتمَع بحقٍّ، واليومَ تستقطب الكتابةُ القديمة اهتماماً خاصّاً؛ لأنها تَسمح للماضي بأن يتحدَّث إلينا بلُغاتٍ انقرضَت منذ زمنٍ طويل، وهنا، تصبح الكتابةُ أشبهَ بآلةٍ مِثاليَّة للسَّفَر عبرَ الزمن، كما أن أنظمة الكتابة والخطوط في حالةِ تغيُّرٍ مستمرٍّ أبدَ الدهر، ولكن على نحوٍ أبطأ بكثيرٍ من اللُّغات التي تَنقلها".

 

ويلفت المؤلف إلى أن الكتابةَ أكثرُ من مجرَّد "رسم للصَّوت" على حدِّ تعبير الفيلسوف الفرنسيِّ فولتير. لقد أصبحت الكتابةُ أداةً مِثاليَّة لنقل المعرفة البشريَّة "العلوم"، ووسيطاً ثقافيّاً لمجتمَع "الأدب"، ووسيلةً للتعبير الديمقراطيِّ والإعلام الجماهيريِّ (الصحافة)، وأحدَ أشكالِ الفنِّ في حدِّ ذاتها "فن الخطِّ"، إذا اقتصرنا على ذكر بعض مظاهر إبداعات الكتابة. واليومَ، تتعدّى أنظمةُ الكتابة القائمة بالكامل على التواصُل الإلكترونيِّ، بسرعة على ما كان – وما يزال حتى الآن – اختصاصَ الكتابة القائمة على الكلام، تستطيع أجهزةُ الحاسوب أن "تكتب" كلّاً من الرسائل وأوامر البَرامج بأكملها، وتَتبادَلها فيما بينها، وفي الوقت نفسِه، تطوّر أنظمة جديدة خاصَّة بها تَتفوَّق على كلِّ ما أدركنا أنَّ كلمةَ الكتابة تَصِفه، وحتى الموادُّ المُستخدَمة في الكتابة تمرُّ بتغيُّرات مَهُولة؛ فالحِبر الإلكترونيُّ على الشاشات البلاستيكيَّة، الرقيقةِ مثل الوَرَق، ربَّما يَحلُّ مَحلَّ المادَّة التقليديَّة المنتشِرة – الوَرَق – التي حلَّت هي نفْسُها مَحلَّ جلود الحيوانات فيما مضى، فالكتابة تتغيَّر بتغيُّر ملامحِ الإنسانيَّة. إنها بمثابةِ مِقياسٍ لحالة الإنسانيَّة.

 

شغل المؤلف وعالم اللغويات النيوزيلندي ستيفن روجر فيشر منصبَ المدير السابق لمعهد اللُّغات والآداب البولينيزيَّة في أوكلاند، نيوزيلندا، وانتُخِب زميلاً للجمعيَّة الملكيَّة في نيوزيلندا في عام 2010، ألَّف أكثرَ من 150 كتاباً ومَقالاً عن اللِّسانيَّات، وكثيراً ما يُستشهَد به لإسهاماته في فكِّ رموزِ النصوص القديمة، من أعماله: "تاريخ القراءة"، الذي صدرت ترجمته العربيَّة عن مشروع كلمة، و"تاريخ اللغة".

 

وتخرجت مترجمة الكتاب المصرية رشا صلاح الدخاخني في قسم اللُّغة الإنجليزية وآدابها، بجامعة القاهرة، عام 2006، وحصلَت على دبلوم الترجمة القانونيَّة ودبلوم ترجمة الأُمَم المتَّحدة من الجامعة الأميركيَّة بالقاهرة عام 2013، وتعاوَنَت على مَدار مَسيرتها المهنيَّة مع عددٍ من دُور النشر المصريَّة والعربيَّة، ثم حصلت مؤخراً على جائزة "الترجمة للشَّباب" لعام 2023، من المركز القومي للترجمة بجمهوريَّة مصر العربيَّة، عن ترجمتها لكتاب "رفقة الغُرباء: تاريخٌ طبيعي للحياة الاقتصاديَّة".