تُعد قصيدة «فُتِقَتْ لكم ريحُ الجِلادِ بعنبرِ» للشاعر ابن هانئ الأندلسي، إحدى أهم القصائد التي عرفها تاريخ الشعر العربي، والتي حفظها العرب، وتناقلوها فيما بينهم.
ويعرف «ابن هانئ الأندلسي» كأحد أبرز الشعراء في العصر العباسي، الذين كتبوا قصائد تميزت بالغزل والمدح والفخر، وعلى رأسها قصيدة «فُتِقَتْ لكم ريحُ الجِلادِ بعنبرِ».
وتعتبر قصيدة «فُتِقَتْ لكم ريحُ الجِلادِ بعنبرِ»، من أجمل ما قيل في الشعر العربي، ومن أشهر القصائد، وتحتوي على 37 بيتًا، تميز شعره بسلاسة الألفاظ وسهولة المعاني وصدق العاطفة كما جاء بالقصيدة.
وإليكم القصيدة:
فُتِقَتْ لكم ريحُ الجِلادِ بعنبرِ
وأمدَّكُمْ فَلَقُ الصّباحِ المسْفِرِ
وجنَيْتُمُ ثَمَرَ الوقائِعِ يانِعاً
بالنصر من وَرَق الحديدِ الأخضَر
وضربتُمُ هامَ الكُماةِ ورُعْتُمُ
بِيضَ الخُدورِ بكلِّ ليثٍ مُخدِر
أبَني العَوالي السَّمْهرِيّةِ والسّيو
فِ المَشرَفيّةِ والعَديدِ الأكثر
مَنْ منكُمُ المَلِكُ المُطاعُ كأنّهُ
تحتَ السَّوابغِ تُبّعٌ في حِمْيَر
كلُّ الملوكِ من السروجِ سواقِطٌ
إلاّ المُمَلَّكَ فوق ظهرِ الأشقر
القائدَ الخيلِ العِتاقِ شَوازباً
خُزراً إلى لَحْظِ السِّنان الأخزر
شُعْثُ النَّواصي حَشرةً آذانُها
قُبَّ الأياطلِ ظامِياتِ الأنْسُر
تَنبو سنابكُهُنَّ عن عَفْر الثَّرى
فيطَأنَ في خدِّ العزيزِ الأصعر
جيشٌ تَقَدَّمَهُ اللُّيوثُ وفوقها
كالغِيلِ من قصَبِ الوشيج الأسمر
وكأنّما سَلَبَ القَشاعِمَ رِيشَها
مما يَشُقُّ من العَجاج الأكدر
وكأنّما اشتَمَلتْ قناهُ ببارقٍ
مُتألِّقٍ أو عارِضٍ مُثعَنْجِر
تمتَدُّ ألسِنَةُ الصَّواعقِ فوقَهُ
عن ظُلَّتَيْ مُزْنٍ عليه كنَهْوَر
ويقوده اللَّيْثُ الغَضَنْفَرُ مُعْلَماً
من كلِّ شثن اللِّبْدَتينِ غضَنفر
نَحَرَ القَبولَ من الدَّبورِ وسار في
جَمْعِ الهِرَقْل وعزمةِ الاسكندر
في فِتيةٍ صَدَأُ الدروع عبيرُهْم
وخَلوقُهم عَلَقُ النجيعِ الأحمر
لا يأكُلُ السِّرحانُ شِلوَ طعينهم
مما عليه من القنا المتكسِّر
أنِسوا بهجرانِ الأنيسِ كأنّهُمْ
في عبقريِّ البِيدِ جِنّةُ عَبْقَر
يَغشَوْنَ بالبِيدِ القِفارِ وإنّمَا
تَلِدُ السَّبَنْتَى في اليَباب المُقفر
قد جاوروا أجَمَ الضّواري حولهم
فإذا همُ زأروا بها لم تَزأرِ
ومَشَوْا على قِطَعِ النفوسِ كأنّما
تمشي سنابكُ خيلهم في مَرمَر
قوْمٌ يبِيتُ على الحَشايا غيرُهُمْ
ومبيتهُم فوق الجياد الضُّمَّر
وتظَلُّ تسبَحُ في الدماء قِبابُهُمْ
فكأنّهُنَّ سفائنٌ في أبحر
فحياضُهم من كلِّ مهجةِ خالعٍ
وخيامُهم من كلِّ لِبدَة قَسْوَر
من كلِّ أهرتَ كالحٍ ذي لِبْدةٍ
يَرِدونَ ماءَ الأمنِ غير مكدَّر
راحوا إلى أُمِّ الرِّئالِ عشيَّةً
وغَدَوْا إلى ظبْي الكثيبِ الأعفر
طَردوا الأوابِدَ في الفدافِد طَردَهم
للأعْوَجِيَّةِ في مجالِ العِثْيَر
رَكِبوا إليها يومَ لَهْوِ قنيصهمْ
في زِيِّهِمْ يومَ الخميس المُصْحِر
إنّا لتجمعُنا وهذا الحيَّ من
بَكْرٍ أذِمَّةُ سالِفٍ لم تُخْفَر
أحلافُنَا فكأنّنَا منْ نِسْبَةٍ
ولِداتُنا فكأنّنَا منْ عُنصُر
اللاّبِسينَ من الجِلاد الهَبْوَ ما
أغناهُمُ عن لأمَةٍ وسَنَوَّر
لي منْهُمُ سيْفٌ إذا جَرَّدْتُهُ
يوماً ضرَبْتُ به رِقابَ الأعصُر
وفتكتُ بالزَّمَنِ المُدجَّجِ فتْكَةَ ال
بَرّاضِ يومَ هجائن ابنِ المُنذر
صَعْبٌ إذا نُوَبُ الزمان استصعبتْ
مُتَنَمِّرٌ للحادثِ المُتَنَمِّر
فإذا عَفَا لم تَلْقَ غيرَ مُمَلَّكٍ
وإذا سطا لم تَلْقَ غيرَ مُعفَّر
وكفاكَ من حُبِّ السماحَةِ أنّهَا
منه بموضع مُقلةٍ من مَحْجِر
فغمامُهُ من رحمَةٍ وعِراصُهُ
من جَنّةٍ ويمينُهُ من كوثر