السبت 5 اكتوبر 2024

51 عامًا على انتصار أكتوبر.. العقلية المصرية تسقط نظرية «الأمن الإسرائيلية»| مذكرات الجمسي

نصر أكتوبر 1973

تحقيقات5-10-2024 | 09:33

محمود غانم

ساد في الأوساط الإسرائيلية الاعتقاد بعد حرب الأيام الستة، أنه لن تقوم قائمة للعرب، بما في ذلك مصر، إلا بعد أربعين عامًا على أقل تقدير، وذلك نظرًا لوقع الهزيمة المذلة التي نزلت بهم.

لكن الأمر لم يتطلب سوى 6 سنوات قضتها مصر على الرغم من أزماتها في هذا الوقت في حشد جميع مواردها بغية نفض غبار الهزيمة، فكانت حرب أكتوبر المجيدة، التي حطمت فيها ما لا يحطم، وأسقطت فيها ما زعم أنه لا يسقط، وجعلت العدو الإسرائيلي لأول مرة في موقف الدفاع لا الهجوم.

وبدوره، كشف المشير عبد الغني الجمسي، رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة في أثناء حرب أكتوبر 1973، كيف استطاعت مصر من خلال مجموعة من الإجراءات المحددة تجاوز هزيمة حرب يونيو 1967، في ظرف زمني قصير.

 

وتطرق الجمسي إلى الطريقة التي سلكتها هيئة عمليات القوات المسلحة في سبيل تحديد ساعة بدء الهجوم على العدو، حيث اعتمدت في ذلك على طريقة علمية دقيقة، راعت في طياتها جميع العوامل المحيطة لكي يخرج بأفضل النتائج.. وهو ما كان.

 

 الطريق إلى نصر

مع توقف نيران حرب يونيو عام 1967، كانت إسرائيل قد حققت مكاسب كبيرة، في المجالات السياسية والعسكرية والمعنوية، بينما خسر العرب خسائر جسيمة في كل المجالات.

أعطت نتائج تلك الحرب، لإسرائيل الوضع العسكري الاستراتيجي الأقوى، وشعرت بتفوقها على الدول العربية، الأمر الذي يتيح لها استمرار فرض الأمر الواقع، حتى يتحقق هدفها السياسي من الحرب، بحسب ما يذكره المشير عبد الغني الجمسي، رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة في أثناء حرب أكتوبر المجيدة.

وأشار الجمسي، في مذكراته، إلى أن وضع إسرائيل قواتها على الخطوط الجديدة، تعطيها ميزات عسكرية كبيرة؛ لتنفيذ استراتيجية دفاعية قوية، بأقل القوات، في حين تضع صعوبات كبيرة أما أي هجوم عربي لاسترداد الأرض.

 

في الوقت نفسه، فإن أوضاع القوات الإسرائيلية على الخطوط الجديدة، يعطيها فرصة الهجوم على الدول العربية المجاورة من أوضاع أفضل.

وجراء ما حققته إسرائيل من نتائج، اطمأنت إلى قوتها العسكرية، وآمنت أن جيشها هو الجيش الذي لايمكن هزيمته، وتملك قادتها الثقة بالنفس إلى حد الغرور.

أما في الجانب العربي، فقد حلت بهم كارثة بعد أن فقدوا مزيداً من الأرض، وأصبح هناك إقتناع أن الأرض التي أخذتها إسرائيل بالقوة، لا يمكن استردادها بغير القوة، ويدلل على ذلك قرارت مؤتمر القمة العربية، الذي جاء في أعقاب حرب 1967، حيث أكد على أنه لاصلح - لا مفاوضات - لا اعتراف بإسرائيل.

أصبح لزاماً على مصر، بعد النكسة أن تواجه الموقف، وتضع المبادئ الأسس والمبادئ السياسية والعسكرية، التي تقود مسيرتها الشاقة في المرحلة القادمة، حيث بات من الواضح، أن إسرائيل إحتلت الأراضي في حرب 67 لتبقى فيها زمناً طويلاً.

لذلك عملت القيادة المصرية بعد الهزيمة، على إعادة بناء القوات المسلحة، بعد أن فقدت الجزء الأكبر من أسلحتها ومعداتها، وتحطمت الروح المعنوية لرجالها، وكانت أول خطوة في هذا الصدد هي إعفاء المشير عبد الحكيم عامر من منصبه، وتعيين الفريق أول محمد فوزي قائداً عاماً للقوات المسلحة.

في حين كانت الخطوة الثانية لإعادة البناء هي إصدار قانون جديد يحدد أسلوب القيادة والسيطرة على شئون الدفاع عن الدولة والقوات المسلحة، فقد كانت من أسباب هزيمة 67 هو عدم تحديد سلطة حقيقية لرئيس الجمهورية على القوات المسلحة، إذ كانت الأمور متروكة لنائب الأعلى للقوات المسلحة.

وبعد دراسة وتحليل قدرات العدو وقدراتنا فى ذلك الوقت والمستقبل المنظور، تقرر إنشاء قوة جديدة هى "قوات الدفاع الجوى"؛ لمواجهة قوات العدو الجوية المتفوقة، والتي كان ينتظر أن تظل متفوقة لسنوات قادمة، وفقاً للجمسي.

وتابع الجمسي، في مذكراته: "هذا يعنى أن تتفرغ قيادة القوات الجوية لإعادة بناء هذه القوات تنظيماً وتسليحاً وتدريباً وإعداداً للقتال وإنشاء وتجهيز المطارات"، وبذلك أصبح لدينا قوتان تعملان ضد السلاح الجوى الإسرائيلي.

ويؤكد أنه كان من الضرورى، إعادة قواتنا من اليمن بعد حرب استمرت خمسة أعوام، حيث ظهرت الحاجة إلى هذه القوات من جهة، كما أن وجودها هناك أصبح لا يتفق مع السياسة الجديدة التى يجب أن تنتهجها مصر؛ للتعاون مع الدول العربية، وبصفة خاصة المملكة العربية السعودية؛ ونتيجة لذلك تمت تسوية مشكلة اليمن بصفة نهائية، وبالتالي زال التوتر الذي كان قائماً في العلاقات المصرية السعودية.

علاوة على ذلك، شرعت القيادة المصرية في إبعاد القوات المسلحة عن كل عمل مدني سبق التكليف به، فقد أعيد الضباط الذين يعملون في قطاعات مدنية إلى وظائفهم العسكرية، أو تم نقلهم نهائياً إلى وظائف مدنية، وتم إلغاء وحدات غير مقاتلة كانت مكلفة بأعمال مدنية من اختصاص وزارات أخرى، وبذلك احترفت القوات المسلحة عملها العسكري فقط.

بعد ذلك، عملت مصر على تسليح الجيش، وكان الاتحاد السوفيتي هو المصدر الرئيسي لإمداد مصر بالسلاح، وخلال المباحثات مع السوفييت طالب الرئيس جمال عبدالناصر بتحقيق التوازن العسكري بين مصر وإسرائيل، إذ كانت طائرات "الميج" المعتمد عليها حينها مداها قصير، مقارنة بطائرات "الميراج" و"المستير" التي تملكها إسرائيل والتي يمكنها أن تصل إلى العمق المصري.

بينما طائراتنا لا تستطيع الوصول إلى عمق إسرائيل؛ لذلك طلب عبد ناصر نوعاً جديداً من الطائرات القاذفة المقاتلة بعيدة المدى حتى لا تبقى إسرائيل متفوقة وقادرة على ضربنا بينما نحن لا نستطيع الرد عليها، كما طالب عبد الناصر أيضاً تزويد مصر وبصفة عاجلة وبطريق الجو بعدد من طائرات الميج 21 لكي تشترك في الدفاع الجوي، حيث كان يوجد حينها طيارون بدون طيارات، كما عملت مصر على تعميق العلاقة مع الجانب السوفيتي الذي سيساعدها في إزالة آثار العدوان عنها، بحسب الجمسي.

 

متى نحارب؟

بصفته رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، آنذاك، تولى الجمسي تحديد أنسب التوقيتات للقيام بالعملية الهجومية على العدو، والتي ستوضع أمام الرئيس السادات، الذي سيقوم بدوره باختيار الوقت الملائم بما يتناسب مع العمل السياسي، الذي سينسق مع العمل العسكري.

وجرى تحديد ساعة الحرب بناء على ضوء الموقف العسكرى للعدو وقواتنا، وفكرة العملية الهجومية المخططة، والمواصفات الفنية لقناة السويس من حيث المد والجزر وسرعة التيار واتجاهه، وساعات الإظلام وساعات ضوء القمر، والأحوال الجوية، وحالة البحرين المتوسط والأحمر، التي تحقق أفضل استخدام لقواتنا للقيام بالعملية الهجومية بنجاح وتحقق أسوأ الظروف لإسرائيل، كما كان ضرورياً إختيار أفضل التوقيتات التي تناسب تنفيذ الهجوم على الجبهتين المصرية والسورية في وقت واحد.

وفي الأخير، خلصت الدراسة إلى أن يوم السبت -عيد الغفران- السادس أكتوبر 1973، أحد الأيام المناسبة، وهو الذى وقع عليه الاختيار، وفق مذكرات الجمسي، حيث توفرت فيه الشروط الملائمة لاقتحام القناة والهجوم، فهو يوم عيد في إسرائيل، والقمر في هذا اليوم، الذي يوافق 10 رمضان، مناسب ومضيء من غروب الشمس حتى منتصف الليل بالإضافة للعوامل الأخرى المُشار إليها.

ونفى الجمسي، صحة أنه تم اختيار هذا اليوم، لأنه فقط "يوم كيبور"، موضحًا أن هناك عوامل أخرى كثيرة تحكمت في تحديد هذا اليوم.

ويقول: "سلمت هذه الدراسة بنفسي -مكتوبة بخط اليد لضمان سريتها- للفريق أول أحمد إسماعيل الذي قال لى إنه عرضها وناقشها مع الرئيس السادات في العرب (غرب برج الإسكندرية) فى أوائل أبريل 1973، وبعد عودته أعادها لى باليد، ونقل لى انبهار وإعجاب الرئيس السادات بها، وعبر الفريق أول أحمد إسماعيل عن شكره لهيئة عمليات القوات المسلحة المجهودها في إعداد هذه الوثيقة الهامة".

 

 تحقيق أهداف الحرب

دخلت مصر، حرب الـ 6 أكتوبر عام 1973؛ لتحقيق ثلاثة أهداف أصدرها الرئيس الراحل أنور السادات، هي:

- كسر وقف إطلاق النار اعتباراً من الـ 6 أكتوبر.

- تكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة.

- العمل على تحرير الأرض المحتلة على مراحل متتالية، حسب نمو وتطور إمكانيات القوات المسلحة.

ويؤكد رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة أثناء حرب أكتوبر، أن الهدف الاستراتيجي لمصر من حرب أكتوبر قد تحقق، مشيراً إلى سقوط "نظرية الأمن" التي اعتنقتها إسرائيل، وثبت أن فكرتها عن الحدود الآمنة خاطئة.