السبت 5 اكتوبر 2024

51 عامًا على انتصار أكتوبر.. الحسر والكسرة تسيطر على قادة العدو

دبابة محطمة

تحقيقات5-10-2024 | 15:30

محمود غانم

خاضت مصر حرب السادس من أكتوبر 1973، وسط ظروف غير عادلة بالمرة، وبرغم من ذلك فإن جنودها البواسل سجلوا ملحمة مدوية عجز التاريخ عن تدوينها، منزلين الرعب والذعر في نفوس العدو الذي لم يخف حسرته ولا كسرته، حيث بات ذلك جليًا من اعترافات قادته بوقع الصدمة وهول المباغتة.

وأقر قادة العدو بأن حرب السادس من أكتوبر مثلت ضربة قاصمة لهم، إذ جاءت مغايرة تمامًا لأي صراع سابق خاضوه مع العرب، وجعلتهم في موقف الدفاع لا الهجوم لأول مرة.

وأظهرت اعترافاتهم مدى اندهاشهم بالنتائج المتلاحقة التي حققها الجندي المصري، في غضون ساعات قلائل من اندلاع شرارة الحرب، ما خلق حالة من خيبة الأمل في صفوفهم، ما جعل اتخاذ أي قرار خطوة في غاية الصعوبة.

وكشفت مذكراتهم عن أنهم تلقوا خسائر فادحة في المعدات والأفراد، خاصة على الجبهة المصرية، التي درات فيها معارك ضارية فشلت فيها نيرانهم في الحيلولة دون زحف الجنود، حتى بات الأمر كارثة وكابوسًا لهم.

هزيمة مذلة لإسرائيل في حرب أكتوبر

وتحت عنوان:"الهزيمة" أوردت جولد مائير، رئيسة وزراء الاحتلال الإسرائيلي أثناء حرب أكتوبر 1973، بحروف صيغة من القهر اعترافاتها عن الحرب، إذ تقول في كتابها "حياتي":"ليس أشق على نفسي في الكتابة، من بين كل الموضوعات التي كتبت عنها في هذا الكتاب، قدر أن أكتب عن حرب أكتوبر، لكنها حدثت ومن هنا أكتب عنها لا من الناحية العسكرية، فذلك أمر أتركه للآخرين، وإنما ككارثة ساحقة، ووككابوس عشته بنفسي، وسيظل باقيًا معي على الدوام".

ويتجلى قهرها في قولها: "أؤكد للعالم بشكل عام، ولأعداء إسرائيل بشكل خاص، أن الظروف التي أودت بحياة 2500 إسرائيلي قتلوا في حرب أكتوبر، لن تتكرر مرة ثانية"، علمًا بأن من المعلوم أن إسرائيل تتكتم عن حجم الخسائر البشرية والمادية التي تلحق بهم في خضم أي صراع.

فيما يقول موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي، أثناء حرب أكتوبر:"بالرغم من ثقتنا في أنفسنا، إلا أننا كنا نشعر بقلق في أعماقنا، ولم يكن السبب راجعًا إلى أننا لم نتعود القيام بحملة تكون المبادرة فيها في يد العدو، وإنما الموقف كله أيضًا لم يكن متمشيًا مع طبيعتنا، ولا مع التركيب العضوي لجيشنا، الذي يستند أساسًا إلى الاحتياطي وتعبئه بنظام، إذ ليس من السهل على الإطلاق التحول خلال 24 ساعة من العمل في المكاتب وعلى الجرارت وأمام المخارط إلى ساحة القتال".

أما رئيس الأركان، دافيد أليعازار يقول: "إن حرب أكتوبر هي حرب تختلف عن كل الحروب التي خضناها ضد العرب، كانت المبادرة دائمًا في أيدينا، وكان التحرك بالنسبة لنا أمرًا سهلًا، لأننا نحن كنا الذين نهاجم، ولكن هم الذين هاجموا، ومعنى ذلك أن التوقيت لهم والهجوم لهم، أما المفاجأة فهي التي لنا، وأصبح علينا أن ندافع، وهذا أمر مرير كان يحز في نفسونا".

ومن جهة أخرى، كتب وليم كوانت، مساعد مستشار الأمن القومي الأمريكي:"لقد كان نشوب حرب أكتوبر مفاجئًا لإسرائيل والدول العربية والعالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، حيث لم تتوقع أغلب دول العالم نشوبها".

صدمة العبور

وحول المشهد في إسرائيل مع بدء الهجمات المصرية، يذكر أليعازار في مذكراته:"لقد كانت أخطر الإشارات التي وصلتنا حينئذ، هي التي أفادت أن المصريين بدءوا في عمل ممرات في السواتر الترابية السميكة، باستخدام قوة دفع المياه عن طريق مضخات خاصة كانوا يستخدمونها تحت ساتر كثيف من نيران المدفعية والمشاة، كما بدءوا يسقطون معديات ومعدات عبور أمام رءوس الكباري، وفعلًا كانت تلك الإشارة هي أخطر الإشارات، لأنها تعني أن أي تقدير للعمل العسكري، الذي تقوم به مصر وسوريا أصبح متأخرًا"

وفي هذا الوقت جن جنوننا فأصدرنا أوامرنا بأن يكثف سلاحنا الجوي هجومه في محاوله لمنع المصريين من عمل الممرات خلال السواتر، وتعطيل إسقاط المعديات والكباري، حسبما يذكر أليعازار، الذي أشار إلى أن وسائل الدفاع الجوي المصري المجهزة بصواريخ سام - 6 أسقطت خلال أربع دقائق خمس طائرات تابعة لهم.

ويتابع:"لقد كانت الإشارات تتوالى بشكل مذهل كنا بقدر الإمكان نحاول المحافظة على هدوء أعصابنا واتزان تفكيرنا، لكننا بعد وصول الإشارة رقم 22 التي أفادت أن المصريين تمكنوا من إنشاء عشرة كباري ثقيلة وعشرة كباري مشاة، وأن الدبابات والعربات المجنزرة والمعدات الثقيلة نجحت في العبور إلى الضفة الشرقية للقناة، لم نستطع أن نتوازن بشكل دقيق أو نفكر في أي شئ، بل سيطر علينا الذهول المقرون بخيبة أمل".

  خسائر فادحة

ويتحدث ديان في مذكراته عن شدة القتال في أول أيام الحرب، موضحًا أنهم خسروا خسائر كبيرة في الأفراد، فضلًا عن خسارة أراضي ومواقع غالية، وبالرغم من ذلك فإن تقرير رئيس الأركان الذي قدمه فى الساعة 10 مساءً إلى الحكومة كان يتسم بالتفاؤل...، وبالإضافة إلى القلق الذى كان يساورنى حول الموقف العسكرى فقد كان هناك سؤال يسيطر على كل تفكيرى، مالذي حدث؟ وهل أخطأنا في تخطيطنا أم التنفيذ؟ ما الذي حدث لثلاثة من العناصر الأساسية في عملنا، وهي: المدرعات، والقوات الجوية، والموانع الحصينة على القناة، والتي كانت كفيلة بإعاقة العرب عن العبور وإصابتهم بخسائر بالغة؟!.

وأردف:"إن العبور الآن حقيقة واقعة ولم تعد مواقعنا الحصينة سوى فخاخًا للموجودين فيها إن لم نستطع رد المصريين إلى الضفة الغربية".

وفي الساعات الأربع والعشرين الأولى من نشوب الحرب، أصبح الاحتلال، لايملك سوى قوة ضئيلة من المدرعات على الجبهة المصرية، وما أن انهار خط الدفاع الاول حتى تدفق المصريون على سيناء بقوات ضخمة وبقوة هائلة من الأسلحة، حسبما يذكر قائد جيش العدو.

وأضاف:"قاتل لواء دبابات الجنرال البرت ماندلر ببسالة لإيقاف تقدم المصريين، ولم يكن هذا اللواء منتشرًا وفق خطة الطوارئ في موقعه عندما بدأت الحرب، ولذا فإنه ما أن تقدم نحو القتال حتى تعرض لنيران عنيفة من الدبابات المصرية بالضفة الشرقية، ودارت معركة عنيفة ووحشية طوال بعد ظهر هذا اليوم، وازداد الموقف سوءً أثناء الليل".

وأكمل قائلًا:"وعند الفجر، وصلت موجات جديدة من المدرعات والمشاة المصريين وكانت قواتنا قد تكبدت خسائر فادحة في الرجال والمدرعات خلال هذه المعركة المستمرة ولم يبق سوى عدد قليل من دباباتنا قادر على الاستمرار فى القتال وقد نجحوا فى وقف قوة اندفاع تقدم المصريين، ولكنهم فشلوا فى إعادتهم مرة أخرى عبر القناة".

وسجل أرئيل شارون أحد قادة جيش العدو في حرب 1973، شهادته بالقول:"إن يوم الثامن من أكتوبر، كان كارثة حقيقية وكابوسًا لرجال الدبابات، أطلقنا في المعركة إحدى أشهر وحداتنا فلم يكتف المصريون بصدها بل عمدوا إلى نتف ريشها"، وفق ما أورده في مذكراته.

الاكثر قراءة