أجرت دراسة حديثة تحت إشراف الدكتور إسماعيل صافي من جامعة إيكس مرسيليا، كشفت الدراسة عن بقايا حلزون مطبوخ في منطقة كف الزاهي الواقعة شمال تونس.
وذلك طبقا لما ذكره موقع phys.org، تعود هذه البقايا إلى حوالي 7710 سنوات، ما يجعلها من أقدم الأدلة المسجلة لاستهلاك الحلزون في شمال أفريقيا، وتُعد الحالة الوحيدة المعروفة التي تُظهر بقاء الحاجز الغشائي للحلزون سليمًا.
استهلاك الحلزون في تونس القديمة
تقدم هذه النتائج رؤية جديدة حول تقاليد طهوية قديمة، وقد نُشرت هذه الدراسة المهمة في مجلة العلوم الأثرية والأنثروبولوجية، حيث تشير إلى استمرار جمع الحلزون واستهلاكه على مر العصور.
الاكتشافات في موقع كف الزاهي
يُعتبر موقع كف الزاهي واحدًا من المواقع النادرة في شمال أفريقيا التي تحتوي على بقايا قواقع، وقد تم خلال التنقيب في عام 2012، اكتشاف أكثر من 35,000 قوقعة تنتمي إلى نوع Sphincterochila candidissima، من بينها 41 قوقعة تحتوي على حاجز غشائي، وهذا يجعل الاكتشاف فريدًا من نوعه، حيث يُظهر أن البشر كانوا يستغلون هذا النوع من الحلزون في عصور ما قبل التاريخ.
تاريخ Sphincterochila candidissima في حياة الإنسان
يُعتبر حلزون Sphincterochila candidissima نوعًا من الحلزونات الأرضية التي تعيش في البيئات الجافة وشبه الصحراوية في منطقة البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا.
ويتميز هذا النوع بقدرته على التكيف مع الظروف المناخية القاسية، بما في ذلك درجات الحرارة العالية والجفاف، وهو ما يجعله مميزًا من الناحية البيولوجية.
على الرغم من ندرة الأدلة الأثرية حول استهلاك هذا النوع، فإن اكتشاف حواجزه الغشائية المحفوظة بشكل جيد يوضح كيف استطاع البشر القدماء استغلال الحلزون في طعامهم، خاصة في فترات المناخ الجاف عندما كانت الموارد الطبيعية محدودة.
استخدام الحلزون في العصور القديمة
يشير هذا الاكتشاف إلى أن المجتمعات البشرية كانت تعتمد على Sphincterochila candidissima كمصدر غذائي، خصوصًا في البيئات الصحراوية أو شبه الصحراوية.
تميزت هذه المجتمعات بمهارات خاصة في جمع الحلزون في فترات معينة من السنة، مثل فترات السبات الصيفي، حيث كان الحلزون يدخل في حالة راحة، ويتمكن البشر من جمعه بكميات محدودة.
وقد أظهر البحث الإثنوغرافي أن هذه الممارسات استمرت عبر الأجيال، وأن جمع الحلزون كان يُعتبر نشاطًا موسميًا يتطلب معرفة وخبرة متخصصة.
تأثير الظروف المناخية والتكيف
بفضل قدرته على تكوين حاجز غشائي يحميه من فقدان الماء في الفترات الجافة، كان Sphincterochila candidissima قادرًا على البقاء في ظروف قاسية، وهو ما ساهم في استمراريته عبر آلاف السنين، وقد اعتمد البشر على هذا التكيف الطبيعي لاستخدامه كمصدر غذائي.
دور الحواجز الغشائية في الحفاظ على الحلزون
أوضح الدكتور إسماعيل صافي أن القواقع الأرضية تُنتج حاجزًا غشائيًا في ظروف مناخية غير مواتية مثل ارتفاع درجات الحرارة أو الرطوبة العالية.
يحمي هذا الحاجز الحلزون من فقدان الماء، وهو ما يفسر ندرة هذه القواقع في السجل الأثري، ويُعد هذا الاكتشاف مؤشرًا مهمًا على قدرة البشر في تلك الفترة على استخدام الحلزون في غذائهم، وهو أمر غير موثق بشكل كبير في شمال أفريقيا.
مقارنة بالاكتشافات الأخرى في العالم
أشار الدكتور صافي إلى اكتشافات مشابهة في تركيا، حيث تم العثور على أصداف بوماتياس إليجانس ذات الحواجز في موقع كهف أوتشاغيزلي الأول، لكن لم يكن يتم استهلاكها مثلما تم في تونس.
يبرز هذا أن القواقع ذات الحواجز التي تم اكتشافها في كف الزاهي كانت تُجمع لأغراض الطهو، مما يجعل هذا الاكتشاف فريدًا من نوعه.
الدراسة الإثنوغرافية لسكان أولاد سعيد
لزيادة فهم ندرة هذا النوع من الحلزون في السجل الأثري، أجرى الدكتور صافي دراسة إثنوغرافية لسكان أولاد سعيد في تونس، حيث يخصص السكان المحليون جهدًا كبيرًا لجمع الحلزون Cantareus apertus، الذي ينتج حاجزًا غشائيًا أثناء السبات الصيفي، ويُظهر هذا البحث كيف تعتمد عملية جمع الحلزون على معرفة متوارثة حول التوقيت المثالي لجمعه والمهارات اللازمة للقيام بذلك.
الصعوبات المرتبطة بجمع القواقع ذات الحواجز
أحد الأسباب الرئيسية لندرة القواقع ذات الحواجز في السجل الأثري هو صعوبة جمعها، يحتاج جامعو الحلزون إلى استخدام معدات خاصة، مثل المعاول، لحفر الأرض واستخراج الحلزون قبل أن يفقد الحاجز أو يصبح غير صالح للاستهلاك بسبب مرارة طعمه، كما يتطلب جمع الحلزون الكثير من الجهد البدني، وهو ما قد يفسر تفضيل المجتمعات القديمة لأنواع أخرى من الحلزون التي تكون متاحة بسهولة على مدار العام.
الاستمرارية في التقاليد الطهوية والتجميعية
يُظهر هذا الاكتشاف أن تقاليد جمع واستهلاك الحلزون كانت متوارثة على مر العصور، فمثلما يخصص سكان أولاد سعيد وقتًا محددًا لجمع الحلزون، يبدو أن المجتمعات القديمة في كف الزاهي كانت تتبع تقاليد مشابهة، ووجود بقايا قواقع S. candidissima في الموقع يُظهر أن هذه الممارسات استمرت لفترات طويلة.
الاستنتاجات والندرة في السجل الأثري
يخلص الدكتور صافي إلى أن ندرة القواقع ذات الحواجز في السجل الأثري لا تعود إلى عوامل تحفظية بقدر ما ترتبط بالصعوبات المرتبطة بجمعها واستهلاكها.
قد يكون الجمع المتخصص لهذه القواقع أحد العوامل التي تفسر قلة وجودها في المواقع الأثرية الأخرى. كما أن هذا الاكتشاف يضيف بعدًا جديدًا لفهمنا للتقاليد الطهوية والثقافية في شمال أفريقيا القديمة.