تقف الولايات المتحدة الأمريكية، في هذه الأثناء، على مشارف سباق رئاسي تاريخي، كان دارماتيكيًا منذ اللحظة الأولى، ومن الواضح أنه سيستمر على النحو ذاته، حتى الساعات الأخيرة، التي سيعلن فيها اسم سيد البيت الأبيض، لمدة أربع سنوات قادمة.
ويتنافس في الانتخابات التي تنعقد، الثلاثاء، الموافق الخامس من نوفمبر الحالي، الديمقراطية كامالا هاريس، والجمهوري دونالد ترامب، في سباق محتدم بشكل غير مسبوق، ما يشير إلى أنه قد يحسم بفارق ضئيل، وبرغم أن القائمة تضم غير هذين المرشحين، غير أنه من المستبعد أن يحدثوا أي فارق يذكر، فالمنافسة على منصب الرئيس تنحصر دائمًا بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
وغدًا الثلاثاء، سيبدأ الأمريكيون بالتوافد على مراكز الاقتراع، للإدلاء بأصواتهم، في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024، ولكن قبل ذلك الحين فإن ملايين الأمريكيين قد صوتوا بالفعل، وذلك من خلال ما يعرف بـ"التصويت المبكر".
وقد بلغ عدد الأمريكيين الذين أدلوا بأصواتهم خلال الاقتراع المبكر في انتخابات 2024 أكثر من 77 مليونًا، ما يؤكد على اشتداد المنافسة بين المرشحين من الحزبين الكبيرين، وذلك وفقًا للمعطيات الصادرة عن جامعة فلوريدا حتى أمس الأحد.
وتعقيبًا على ذلك، قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، إن هذا الإقبال الكبير يعني أن كثيرًا من الأمريكيين لم يعودوا ينتظرون حتى يوم الاقتراع، وأن الأمر تحول إلى "موسم انتخابات" بدل "يوم انتخابات".
ورغم أن تلك الأرقام قياسية إلى حد ما، إلا أنها لا تقارن بما سجلته في عام 2020، التي جاءت في خضم جائحة "كوفيد-19"، حين دفعت المخاوف الصحية 100 مليون أمريكي للمشاركة في التصويت المبكر، وذلك بغرض تجنب مراكز الاقتراع المزدحمة.
وبغض الطرف عن رقم المسجل في التصويت المبكر في انتخابات عام 2020، فالأعداد التي سجلها السباق الحالي قياسية مقارنة بعام 2016 حين شارك 47.2 مليون صوت، وعام 2012 حين شارك 46.2 مليون صوت.
وعلى صعيد الأحزب السياسية، يميل الديمقراطيون إلى التصويت المبكر أكثر من الجمهوريين، وذلك استنادًا للحاصل في الانتخابات الرئاسية الماضية، حيث جاء 60 بالمائة تقريبًا من الأصوات التي حصدها جو بايدن من تلك الفئة، مقارنة بنحو 30 بالمائة لدونالد ترامب، بحسب بيانات مركز "بيو" للأبحاث.
الانتخابات في الولايات الـ50
وتعقد الانتخابات في الولايات الـ50، بجانب العاصمة "واشنطن"، بموجب إجراءات إدارية ولوجستية مختلفة، حيث أن لكل ولاية "وكالة" خاصة بها تدير الانتخابات، وكما هو معلوم تنقسم كل "ولاية" إلى عدد من المقاطعات، يعمل فيها آلاف الإداريين والموظفين الانتخابيين المسؤولين عن تنظيم وإدارة الانتخابات، بما في ذلك فرز وعد النتائج والتصديق عليها.
وبدورهم، يقوم هؤلاء الموظفون بالتصديق على أهلية المرشحين ويضبطون قوائم الناخبين ويختارون أجهزة التصويت ويصممون بطاقات الاقتراع.
وجراء حديث ترامب وأنصاره المتزايد عن خشيتهم من إمكانية تزوير نتائج الانتخابات، اتخذت كثير من الولايات والمقاطعات إجراءات من شأنها أن توفر مزيد من الحماية الأمنية لعملية الانتخاب برمتها، فضلًا عن إنجاز كثير من المهام بشفافية تامة.
وأخيرًا، تحظى مراكز الاقتراع بالانتخابات الأمريكية، بمراقبة من مئات الأشخاص الأجانب، إن لم يكن الآلاف، كما يتولى ممثلون عن منظمات دولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون بأوروبا، وكثير من المنظمات غير الحكومية نفس المهمة.
نتائج الانتخابات الأمريكية 2024
ومع انتهاء التصويت المقرر له الثلاثاء، سيصعب إعلان اسم الفائز مباشرة، وذلك نظرًا لتقاسم المرشحان، الجمهوري دونالد ترامب، والديمقراطية كامالا هاريس، التقدم في استطلاعات الرأي، ما قد يجعل الأمر قيد الغموض لعدة أيام.
وفي بداية عملية فرز الأصوات، قد يتقدم أحد المرشحين في بادئ الأمر، لكن سرعان ما يلحق به منافسه، ويسد الفجوة بعد فرز المزيد من الأصوات، وبالفعل حصل ذلك في الانتخابات الرئاسية الماضية، حين تقدم الجمهوري دونالد ترامب، لكن سرعان ما تغلب عليه الديمقراطي جو بايدن.
وبرغم من أهمية تلك الأصوات، إلا أنها في الأخير لن تكون عامل الحسم في سباق إلى البيت الأبيض، إذ سينتهي الأمر إلى ما سيقرره "المجمع الانتخابي"، المعني بترجمة أصوات الأمريكيين إلى تحديد هوية من سيكون رئيسهم لمدة السنوات الأربع القادمة.
وهنا نصل إلى المحطة الأهم.. ما هو المجمع الانتخابي؟
و"المجمع الانتخابي" نظام أوجدته الولايات المتحدة الأمريكية، بصفتها "اتحاد فيدرالي"، لكي يجبر المرشحين على الدخول في منافسات على المستوى القومي بصورة كاملة، فبدونه يمكن للمرشح الفوز اعتمادًا على أصوات الولايات الست الأكبر من حيث عدد السكان، مثل كاليفورنيا وتكساس ونيويورك وفلوريدا وإلينوي وبنسلفانيا، مسقطًا بذلك بقية ولايات الاتحاد، وهو أمر قد يهدد بقائه.
وبشكل رسمي، اعتمد المجمع الانتخابي في دستور الولايات المتحدة عام 1787، وذلك بغرض تمتع رئيس البلاد بصلاحيات كافية تجعله مستقلًا عن الكونجرس بمجلسيه الاثنين، ولتحقيق التوازن بين مصالح الولايات الأصغر والأكبر مع توفير طريقة لاختيار رئيس البلاد.
ويضم المجمع الانتخابي 538 مندوبًا، وحتى يتحقق فوز المرشح الرئاسي، لابد من حصوله على أغلبية بـ 270 صوتًا من أصوات أعضاء المجمع، وذلك مع العلم أن عدد المندوبين عن كل ولاية هو نفس عدد وفدها في الكونجرس بغرفتيه النواب والشيوخ.
وعلى سبيل المثال، ولاية "كاليفورنيا" -الولاية الأكثر اكتظاظًا بالسكان- لديها 54 صوتًا انتخابيًا، لأن لديها عضوين في مجلس الشيوخ بالإضافة إلى 52 نائبًا، أما الولايات الأقل كثافة سكانية مثل "آلاسكا" و"ديلاوير" و"فيرمونت" و"وايومينج" فلكل منها ثلاث أصوات انتخابية.
علمًا، بأن جميع الولايات الأمريكية تطبق نظام "الفائز يأخذ كل شيء"، حيث يحظى الفائز بها بتأييد أصواتها بالمجمع الانتخابي، وذلك باستثناء ولايتين فقط، وهما "نبراسكا" و"ماين"، حيث يعتدما نظامًا يوزع أصوات المجمع الانتخابي بناءً على تصويت المقاطعات بالولاية.
ومن المقرر، أن يجتمع أعضاء المجمع الانتخابي، في أول يوم ثلاثاء بعد الأربعاء الثاني من شهر ديسمبر -وفق التشريعات الأمريكية- والذي يوافق الـ17 ديسمبر 2024، للإدلاء بأصواتهم لانتخاب الرئيس ونائب الرئيس في اقتراعين منفصلين، وتباعًا، يجري تدوين أصوات المندوبين في كل ولاية في "شهادة التصويت" قبل أن يتم إرسالها إلى الكونجرس.
في غضون ذلك، ينص الدستور الأمريكي على أن يقوم رئيس مجلس الشيوخ، بحضور أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، بفض جميع مظاريف اللوائح ثم تحصى الأصوات، والشخص الذي ينال أكبر عدد من الأصوات يصبح هو الرئيس، إذا كان هذا العدد أغلبية مجموع عدد المنتخبين المعينين، وإذا نال أكثر من شخص مثل هذه الأغلبية، وكان عدد الأصوات التي نالوها متساويًا، عندها يقوم مجلس النواب فورًا، وعن طريق الاقتراع السري، باختيار واحد منهم رئيسًا، وإذا لم يحصل أي شخص على أغلبية، عندها يقوم مجلس النواب، بالكيفية عينها، باختيار الرئيس من بين الخمسة الفائزين بأكبر عدد من الأصوات في اللائحة.
وسوف يجري ذلك في جلسة مشتركة، يوم الاثنين، الموافق الـ6 يناير 2025، برئاسة المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، بصفتها رئيس مجلس الشيوخ، حيث ستعلن النتائج إما لها أو عليها.
وبناء على النتائج المعلنة، سيؤدي الرئيس المنتخب اليمين الدستورية، كرئيس للولايات المتحدة، يوم الاثنين، 20 يناير 2025، وفي حال فوز المرشحة كامالا هاريس ستكون أول سيدة تحكم الولايات المتحدة، وفي حال فاز دونالد ترامب فسيكون ثاني رئيس في الولايات المتحدة يحكم البلاد لفترتين منفصلتين.