سلط موقع محافظة القاهرة الضوء على معالم القاهرة في العصر الحديث وكان من ضمن المعالم أشهر المقاهي بالقاهرة والتي من ضمنها مقهى الفيشاوي التي تعد أحد المقاهي الكبرى المطلة على المشهد الحسيني بالقاهرة، وقد ارتاده على مر التاريخ زعماء ومفكرون وسياسيون عرب وأجانب وكذلك ملوك وأمراء وفنانين، وسنتعرف معًا على سر هذا المكان الكبير وتاريخه في السطور التالية.
نشأة مقهى الفيشاوي
كانت بداية مقهى "الفيشاوي" ببوفيه صغير يدعى "البسفور" سمي فيما بعد بمقهى الفيشاوي أنشائه الحاج عبد الله الفيشاوي عام 1771 في قلب خان الخليلي ليجلس فيه رواد خان الخليلي من المصريين والسياح وكان مكوناً من دكاكين صغيرة ظلت تتسع تدريجيًا.
وفي عهد الخديوى إسماعيل حصل علي أول ترخيص عام 1863 وظل المقهي يتسع تدريجيًا وكان عصر النهضة بالنسبة له في عهد "فهمي الفيشاوي" حيث وصلت مساحته لأكثر من تسعمائة متر ومنذ العشرينيات من القرن الماضي وفهمي الفيشاوي يكافح لكي يجعل للمقهي شخصية مميزة لا يحيد عنها كان الشكل العام للمقهي عبارة عن ممر طويل كما هو الآن ولكن كان به (ايوانات) أو غرف علي اليمين واليسار كل ايوان كان مسمي باسم أديب أو فنان مشهور فهذا ايوان نجيب محفوظ وهذا إيوان أحمد رامي وايوان حافظ إبراهيم وهكذا وكان الأثاث قوامه دكك خشبية يعود تاريخها إلي عام 1910 وقطع من الأرابيسك وترابيزات رخامية وصواني نحاسية موغلة في القدم.
وعكف "ضياء الفيشاوي" حفيد الحاج فهمي صاحب المقهى على إكساب مقهاه شكلاً مميزاً عن طريق حفاظه على النمط الشرقي في الأثاث والديكورات وحافظ كل أولاده من بعده على هذا النهج الأمر الذي أكسب المقهى طابعًا مميزًا عن بقية المقاهي التي انتشرت في كل أرجاء خان الخليلي فكان يرى في تزيين المقهى بالمرايا ناحية وظيفية غير الناحية الجمالية وهي أنها تسهل له رؤية كل أركان المقهى وهو جالس في مكانه المفضل بجوار باب المقهى من الداخل، ويضم المقهى حالياً ثلاثة حجرات لكل منها جمهوره الخاص.
أشهر رواد وزوار مقهى الفيشاوي
ومن أشهر الشخصيات التي زارت المقهي نابليون، وروميل القائد الألماني الشهير، وجان بول سارتر، وسيمون دو بوفوار هذا بالإضافة إلى عدد كبير من الأمراء العرب كما زارته الإمبراطورة أوجيني أثناء الاحتفال بافتتاح قناة السويس عام 1869 وأعجبت بالورود الصناعية العجيبة التي كانت محفوظة في غرفة زجاجية تخدع الناظرين بأنها طبيعية.
كما زار المقهى الرئيس جمال عبد الناصر ومعظم أعضاء مجلس قيادة الثورة وكبار الشعراء مثل أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ومطران خليل مطران والعقاد وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وأم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم ويحتفظ المقهي بسجل الزوار وبه كلمات تاريخية لشخصيات عديدة.
نجيب محفوظ على قهوة الفيشاوي
كان نجيب محفوظ دائم الجلوس بالمقهى وكان صديقًا للحاج فهمي الفيشاوي صاحب المقهى وألف معظم رواياته في المقهى وكان يحب في ليالي شهر رمضان الاستماع إلى غناء المطربين الشعبيين محمد عبد المطلب ومحمد الكحلاوي وهما يشدوان بأغانيهما على المقهى بل كثيرًا ما يشاركهما محفوظ الغناء ومعه بقية رواد المقهى.
وعن نجيب محفوظ يحكى الكاتب يوسف الشريف "كانت فرحتى لا توصف بينما أترقب وصول نجيب محفوظ لعلي أفوز بالحديث معه وكان على عادته حين يصل في تمام الثانية والنصف ظهرًا قادمًا من عمله في إدارة القرض الحسن بوزارة الأوقاف حيث يبادر صديق عم إبراهيم الضرير بائع الكتب بمداعباته اللطيفة ويطلب منه سماع نداءاته عن بضاعته من كتب التراث (قائلاً) "معانا الأغانى للأصفهانى.. معانا مروج الذهب.. معانا ابن إياس".
وكان من ندماء نجيب محفوظ في مقهى الفيشاوي المفكر والكاتب الكبير محمد عوده وكثيرًا ما كان يصاحبه معه بريماكوف مراسل البرافدا في القاهرة الذي أصبح فيما بعد رئيساً للحكومة الروسية وكان يعشق النارجيلة وشرب الشاي الأخضر.