الزيارة كلمة عامية بسيطة تحمل معاني عميقة لا تقدر بثمن، خاصة عندما يكون الزائر والمُزار في ظروف استثنائية، فهي ليست مجرد لقاء بل نافذة للأمل والإنسانية، تسهم في تخفيف وطأة الألم عن أصحاب الحالات الخاصة، أولئك الذين يعيشون خلف جدران صامتة قضبان حجب الحرية.
الزيارة عملة لوجهين فهي تمنح الراحة للمُزار وتمنحه شعور الدعم، وفي الوقت نفسه تمنح الزائر شعوراً بالامتنان والتقدير لقيمة التواصل الإنساني، الزيارة ليست مجرد تأدية واجب بل هي فعل إنساني نبيل يعبر عن التضامن مع الآخر في مواجهة العزلة أو المعاناة، حقاً هي فرصة لتخفيف أعباء النفس، ليس فقط عن هؤلاء المساجين بالمعنى الحرفي، بل أيضاً الذين يعانون من سجون معنوية، الوحدة، الألم، أو الحواجز النفسية التي تحاصر الإنسان في لحظات ضعفه، الزيارة تُعيد للروح رونقها ضمان لاستمرار الإنسانية، تذكرنا دائما بأننا لم نستطيع العيش بمفردنا، وأن العطاء مهما تواضع قيمته يحدث أثر السحر في حياتنا.
عندما كنت أشاهد إعلانات التليفزيون، وبالتحديد إعلانات مستشفي المرض اللعين، كان دائما يلفت انتباهي ويرن بأذني إعلان الطفلة الجميلة صاحبة عبارة " تعالوا زورونا" جملة بسيطة عُلقت في أذهان الكثير بمرض السرطان، ومع مرور الوقت اختلف معنى الجملة تماماً أمامي بعدما أصبحت سجين "أربع حيطان" وأنا المُنطلق المحب للحياة والسفر دوماً شعرت بمعناها الصعب عندما جلست منفردا بحالي، ولله الحمد لم تكن فترات طويلة فالكل ممن حولى يزاحم عقارب الساعة معي، بين حكاوي ومشاكل وفكاهة وذكرى حلوة.
أتذكر في بداية مرضي نصيحة زوجة شقيقي حنان أحمد الشبراوي لواء الإنسانية كما أطلق عليه بأن لا أجلس منفرداً بنفسي، وأن أرحب بباب الزيارة حتى لا يجد التفكير لقلبي طريقًا.
حقيقة إرثي أصدقاء لم يتركوني لحظة، بالمعنى الأدق يطاردوني ودائما معي حولي في كل مكان يتواصلون يومياً أكثر من مرة ويكثرون الزيارة، أعلن حبي لكل من يحاول التخفيف عني والوقوف بجواري.
أشياء كثيرة تغيرت معناها في ذهني في كبوة ألمي حتى أغنيتي المحببة "زوروني كل سنة مرة" كنت تسعدني في الفترات السابقة ولكنها الآن تبكيني!.
سألت أحد أصدقائي وهو طبيب نفسي، من أكثر الأشخاص تردداً على كرسي الاعتراف بالعيادة؟! أجاب دون تفكير أصحاب العزلة! ، لا يقصد بالعزلة هنا ترك الناس عن عمد، بل انشغال الناس عنهم في أحوالهم ومصائرهم.
لا تجعلوا مشاغل الدنيا تنسيكم أحبابكم، وإذا لم تستطع التواصل بالقرب فالصوت يكفى، ذكروا أحبابكم بمواقفكم وذكرياتكم التي صنعتوها معاً، لا تتحدثوا عن المستقبل، تحدثوا عن الماضي، فالنفس تعشق كل قديم، وكلنا مرضَى بحب الذكريات.
تواصلوا قبل أن ينقطع الوصل، فالعلاقات الإنسانية تُروى بالحب والتواصل، حتى وإن تعذر القرب الجسدي، فالصوت قادر على وصل القلوب، تذكروا المواقف الجميلة والذكريات التي صنعتوها معي، فالذكرى ملاذ يعيد الألفة، تواصلوا اليوم.. قبل أن يغيب صوت أو ينقطع الوصل، ولا تنتظروا الفرصة المثالية بل اصنعوها بأنفسكم.