تُعد قصيدة «أَلا تِلكَ عِرسي أُمُّ سَكنٍ تَنَكَّرَت» للشاعر أبو الأسود الدؤلي، إحدى أهم القصائد التي عرفها تاريخ الشعر العربي، تميز شعره بسلاسة الأسلوب والتنوع بين المدح والكرم والذم، والنصائح.
وأبو الأسود الدؤلي هو من أبرز الشُعراء، لُقب بـ ملك النحو لوضعه علم النحو، لأنه أول من ضبط قواعد النحو، ووضع باب الفاعل، والمفعول به، والمضاف، وحروف النصب والرفع والجر والجزم، وكانت مساهماته في تأسيس النحو الأساس الذي تكوَّن منه لاحقًا المذهب البصري في النحو.
وتعتبر قصيدته «أَلا تِلكَ عِرسي أُمُّ سَكنٍ تَنَكَّرَت» من أبرز ما قيل في الشعر العربي، ومن أشهر القصائد، وتحتوي على 21 بيتًا، علاوة على تميز أسلوب وقصائد أبو الأسود الدؤلي التي تدور حول تعبير عن مشاعر الشاعر تجاه حبيبته التي غادرتها.
نص قصيدة «أَلا تِلكَ عِرسي أُمُّ سَكنٍ تَنَكَّرَت»:
أَلا تِلكَ عِرسي أُمُّ سَكنٍ تَنَكَّرَت
خَلائِقُها لي والخُطوبُ تَقَلَّبُ
تَعَرَّضُ أَحياناً وَأَزعُمُ أَنَّها
تُحَوِّطُ أَمراً عِندَهُ تَتَقرَّبُ
فَقُلتُ لَها لا تَعجَلي كُلُّ كُربَةٍ
سَتَمضي وَلَو دامَت قَليلاً فَتَذهَبُ
فَإِمّا تَرَيني لا أَريمُكِ قاعِداً
لَدى البابِ لا أَغزو وَلا أَتَغَيَّبُ
فَإِنَّكِ لا تَدرينَ أَن رُبَّ سَربَخٍ
دِقاقُ الحَصى مِنهُ رِمالٌ وَسَبسَبُ
أَقَمتُ الهَدى فيهِ إِذا المَرءُ غَمَّهُ
سَقيطُ النَدى وَالدّاخِنُ المُتَحَلِّبُ
إِلى أَن بَدا فَجرُ الصَباحِ وَنَجمُهُ
وَزالَ سَوادُ اللَيلِ عَمّا يُغَيِّبُ
وَصَحراءَ سِختيتٍ يَحارُ بِها القَطا
وَيرتَدُّ فيها الطَرفُ أَو يَتَقَضَّبُ
قطعتُ إِذا كانَ السَرابُ كَأَنَّهُ
سَحابٌ عَلى أَعجازِهِ مُتَنَصِّبُ
عَلى ذاتِ لَوثٍ تَجعَلُ الوَضعَ مَشيَها
كَما انقَضَّ عَيرُ الصَخرَةِ المُتَرَقِّبُ
تَراها إِذا ما استَحمَلَ القَومُ بَعضَهُم
عَلَيها مَتاعٌ لِلرَّديقِ وَمَركِبُ
وَتُصبِحُ عَن غَبِّ السُرى وَكَأَنَّها
إِذا ضُرِبَ الأَقصى مِنَ الرَّكبِ تُضرَبُ
كَأَنَّ لَها رَأماً تَراهُ أَمامَها
مَدى العَينِ تُستَهوى إِلَيهِ وَتَذهَبُ
وَخَلٍّ مَخُوفٍ بَينَ ضِرسٍ وَغابَةٍ
أَلَفَّ مَضيقٍ لَيسَ عَنهُ مُجَنَّبُ
كَأَنَّ مَصاماتِ الأُسودِ بِبَطنِهِ
مَراغٌ وَآثارُ الأَراجيلِ ملعَبُ
سَلَكتُ إِذا ما جَنَّ ثَغَر طَريقِهِ
أَغَمُّ دَجوجيٌّ مِنَ اللَيلِ غَيهَبُ
بِذي هَبَراتٍ أَو بِأَبيَضَ مُرهَفٍ
سَقاهُ السِمامَ الهِندِكيُّ المُخَرَّبُ
تَجاوَزتُهُ يَمشي بِرُكنيَ مِخشَفٌ
كَسيدِ الفِضا سِر بالُهُ مُتَجَوِّبُ
كَريمٌ حَليمٌ لا يُخافُ أَذاتُهُ
وَلا جَهلُهُ فيما يَجِدُّ وَيَلعَبُ
إِذا قُلتُ قَد أَغضَبتُهُ عادَ وُدُّهُ
كَما عادَ وُدُّ الرَيَّةِ المُتَثَوِّبُ
وَكانَ إِذا ما يَلتَقي القَومَ قَرنُهُ
كَمَا عَادَ وُدُّ الرَّيَّةِ المُتَثَوِّبُ