عالم فرنسي، اشتهر بفكّه لرموز الهيروغليفية المصرية، استطاع فك رموز اللغة المصرية القديمة بعد استعانته بحجر رشيد الذي اكتشف أثناء الحملة الفرنسية على مصر؛ مما فتح الباب لفهم الحضارة المصرية القديمة ومعرفة الكثير من أسرارها، وتأسيس علم المصريات في أعرق جامعات أوروبا، وهو أكاديمي أكاديمي وفقيه لغوي وعالم شرقيات، إنه العالم الفرنسي جون فرانسوا شامبليون، و الذي يُعرف أيضًا بـشامبليون الصغير.
الميلاد والنشأة
ولد عالم المصريات الفرنسي شامپليون 23 ديسمبر 1790، لم يتمكن من الالتحاق بالمدرسة في صغره، فتلقى دروسًا خاصة في اليونانية واللاتينية، وذكر أنه حين بلغ التاسعة من عمره كان يستطيع قراءة مؤلفات الشاعر الإغريقي الملحمي الأسطوري، هوميروس والشاعر اليونياني فيرجيل.
ونبغ «شامبليون» منذ طفولته في مجال اللغويات، حيث قدّم أولى أوراقه البحثية المنشورة حول فك رموز اللغة الديموطيقية سنة 1806م، وتقلّد في شبابه العديد من المناصب الفخرية في الأوساط العلمية، وكان قادرًا على التحدث باللغتين القبطية والعربية بطلاقة.
دراسة علم المصريات
انتقل «شامبليون» إلى مدينة گرينوبل، في جنوب شرق فرنسا، على سفح جبال الألپ الفرنسية للالتحاق بالمدرسة الثانوية، ودرس التاريخ في كلية تخصص في اللغات القديمة، فتعلم اللاتينية واليونانية والعبرية والقبطية، وفي گرينوبلاتصل بعالم الرياضيات، والفيزيائي الفرنسي «جوزيف فورييه»، والذي كان سكرتيرا للبعثة العلمية التي رافقت حملة نابليون بونابرت، وكان لـ «فورييه» دورًا أساسيا في دفع شامبليون، وهو صبيا لدراسة علم المصريات، وذلك من خلال اطلاعه على مجموعته الخاصة من المقتنيات الأثرية، و ظهر اهتمام شامبليون بالتاريخ المصري والنص الهيروغليفي في سن مبكر، في عمر السادسة عشرة
ظهر نبوغ «شامبليون» مبكرًا جدًا، فقبل أن يبلغ السابعة عشرة كان قد قدم بحثا عن الأصل القبطي لأسماء الأماكن المصرية في أعمال المؤلفين اليونان واللاتين، وقضى ثلاث سنوات في دراسة اللغات الشرقية والقبطية على يد كبار علماء ذلك العصر، وأبدى موهبة لغوية نادرة.
ألقى «شامبليون» محاضرة أمام أكاديمية غرينوبل» والذي جادل فيها بأن اللغة المحكية من قِبل المصريين القدماء، والتي كتبوا من خلالها النصوص الهيروغليفية، كانت مرتبطة بشدة باللغة القبطية، أثبتت وجهة النظر هذه أنها ذات أهمية في القدرة على قراءة النصوص، وأكد التاريخ على صحة العلاقة المقترحة بين القبطية والمصرية القديمة، مكنه هذا من اقتراح أن النص الشعبي قد مثّل اللغة القبطية.
قاموس ضخم عن اللغة القبطية
استكمل «شامبليون» دراسته في باريس بين عامي 1807ـ 1808، فدرس السنسكريتية والفارسية والعربية، ووضع قاموسًا ضخمًا عن اللغة القبطية التي رأى فيها المرحلة الأخيرة من اللغة المصرية القديمة، في أثناء دراسته وقعت في يده نسخة عن «حجر رشيد»، الذي عثر عليه مصادفة خلال حفريات أجراها الجيش الفرنسي في مدينة رشيد، وكان محط اهتمام العلماء المرافقين للحملة الفرنسية.
على مصر، وعلى الحجر نص مرسوم ملكي أصدره الملك «بطلميوس الخامس» عام 196ق.م، مكتوب بالهيروغليفية والديموطقية واليونانية، وكان النص اليوناني الوحيد الممكن قراءته، وقد ذكر فيه أنه أعيدت كتابة المرسوم ذاته بالهيروغليفية والديموطقية.
النصوص الثلاثة لحجر رشيد
وكان قد حاول كل من المستشرق فرنسي «دي ساسي» عام 1802، ومن بعده الفيزيائي والعالم البريطاني «توماس يونج» عام 1814، تفسير رموز الهيروغليفية اعتمادًا على مقارنة النصوص الثلاثة لحجر رشيد، ومع أن جهودهما باءت بالإخفاق لكنهما خرجا ببعض الملاحظات التي أفاد منها شامبوليون فيما بعد، من قبيل أن الأسماء الملكية كانت تحاط بإطار «خرطوش» يميزها من بقية النص.
الخط الهيراطيقي
درس «شامبليون» أيضًا نص معبد جزيرة فيلة المكتوب بالخط الهيراطيقي، وتحته مقدمة باللغة اليونانية إلى بطلميوس وكليوباترة، وأثبت أن الهيراطيقية هي اختصار للهيروغليفية بدليل تكرار الإشارات الموجودة في اسم بطلميوس على حجر رشيد وفي نص فيلة، وبمقارنة الإشارات المتشابهة الموجودة في اسمي بطلميوس وكليوباترة، تمكن «شامبليون» من استخراج ثلاثة أحرف جديدة (ق، ر، أ)، وبتطبيق الأحرف الصوتية التي استخرجها تمكن من قراءة المزيد من الخراطيش العائدة إلى العصر البطلمي وكانت تحوي أسماء الملوك الإغريق والقياصرة الرومان، وكلما قرأ المزيد ظهرت لديه أحرف جديدة، حتى تمكن من صنع جدول كامل بها.
خرطوش رعمسيس
توصل «شامبليون» إلى نتيجة مهمة والتي ساعدته على فك رموز اللغة كاملة، هي برهانه على أن الهيروغليفية ليست كتابة تصويرية صرفا، بل تحتوي أحرفا ومقاطع صوتية تأتلف معا وفق نظام دقيق معقد، وهذا ما أغفله الباحثون قبله، وبرهن على ذلك عند قراءته خرطوش «رعمسيس»، فهو يعلم من كتابات المؤرخين القدماء أن الدائرة تمثل قرص الشمس أي الإله رع، ويعلم أيضاً أن الإشارتين الأخيرتين من الاسم هما الحرف الأخير نفسه من اسم بطلميوس الذي قرأه من قبل، فقرأها س س، أما الإشارة الوسطى التي ليست حرفاً ولا صورة، فقد فسرها مستعيناً بمعرفته باللغة القبطية، التي هي شكل متأخر من أشكال اللغة المصرية القديمة أضحى يكتب بأحرف يونانية، ولدى عودته إلى حجر رشيد ومقارنة الإشارة الواردة فيه نفسها مع مقابلها من النص اليوناني اتضح أن معناها هو «يوم الولادة» وتلفظ في اللغة القبطية «مس»، وبترتيب هذه العناصر معا قرأ الاسم كاملًا «رعمسيس» ومعناه الحرفي «رع يلده» أي «ابن رع».
طبق «شامبليون» النتائج التي توصل إليها عدد من الخراطيش وأثبت صحتها، وهكذا تمكن من قراءة النصوص كافة التي تعود إلى ما قبل العصر اليوناني والروماني، ووضع قاموسًا ونظامًا قواعديا للهيروغليفية.
أول أمين للمجموعة المصرية
زار «شامبليون» مصر بين عامي 1828إلى 1830، وألف كتابا عن مشاهداته فيها أسماه «آثار مصر وبلاد النوبة»، وعند عودته ثم رجع إلى جرنوبل مرة أخرى لتدريس التاريخ، ثم سافر إلى باريس ليعمل كأول أمين للمجموعة المصرية في متحف اللوفر، ثم أسند إليه كرسي علم المصريات الذي أحدث له خاصة في «الكوليج دو فرانس»، ولكن عمله المتواصل طوال السنوات العشر التي قضاها في حل رموز الهيروغليفية أثّر كثيرا في صحته وبعد وفاته نَشَرَ أخوه الأكبر مؤلفاته: «القواعد المصرية» و«القاموس المصري للكتابة الهيروغليفية» .
كشف «شامبليون» أن نقش على حجر رشيد نص بلغتين وثلاث كتابات المصرية القديمة ومكتوبة بالهيروغليفية وعرفت بالكتابة المقدسة، لإنها كانت مخصصة للكتابة داخل المعابد، والديموطيقية وتعني الخط أو الكتابة الشعبية، واللغة اليونانية بالأبجدية اليونانية، ومن خلال المقارنة بينهم نجح في فك طلاسم الكتابة الهيروغليفية
ورحل «شامبليون» عن عالمنا وهو في ريعان اشبابه 4 مارس 1832 ، في باريس عن عمر يناهز 42 عاما بعد أن ترك إنجازًا علميا حافلًا وشامخا أيضا وأصبح عالم المصريات الأكثلاة شهرة ومعرفة بين المتخصصين والعامة، فكاشف الكتابة واللغة الهيروغليفية ومن فك رموز حجر رشيد.