في ظل التحديات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية التي عصفت بالاقتصاد المصري في السنوات الأخيرة، يواصل الاقتصاد الوطني مسيرته نحو التعافي والنمو، رغم التوترات المرتبطة بالحروب الإقليمية، وفي مقدمتها الحرب الروسية الأوكرانية وآثارها على الأسواق العالمية.
ويستمر الاقتصاد المصري في التكيف مع التحديات الداخلية والخارجية، حيث تؤكد تصريحات الخبراء الاقتصاديين خلال حديثة لبوابة "دار الهلال"، على أن الحكومة المصرية تتبع سياسات مالية واقتصادية تعزز من قدرة البلاد على التكيف مع الأزمات، ومع تعزيز البيئة الاستثمارية، تتوجه مصر نحو آفاق اقتصادية أكثر استقرارًا في المستقبل القريب.
تحسن التصنيف الائتماني وتحقيق الاستقرار المالي
الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي، أكد أن الحكومة المصرية نجحت في تقليص الفجوة الاقتصادية بنهاية عام 2024 عبر استراتيجية جذب الاستثمارات، حيث عملت الحكومة على تنشيط قطاعات مثل صناعة السيارات، مما ساهم في استعادة النشاط الصناعي، مشيرا إلى أن التصنيف الائتماني لمصر شهد تحسنًا، ما يعكس نجاح السياسات الاقتصادية في تقليل التحديات المرتبطة بالأزمات العالمية.
وفيما يخص التوقعات لعام 2025، توقع الشافعي أن يواجه الاقتصاد المصري ضغوطًا إضافية بسبب زيادة الالتزامات المالية، مطالبًا الحكومة بإبراز رؤية واضحة للتعامل مع هذه التحديات من خلال جذب المزيد من الاستثمارات وتعزيز الصناعات المحلية.
ارتفاع الدولار وتأثيراته على الاقتصاد المحلي
من جانبه، أكد الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي، أن ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في الآونة الأخيرة يعد نتيجة لعدة عوامل اقتصادية رئيسية، أبرزها الطلب المتزايد على العملة الأمريكية بسبب تحويلات أرباح الشركات الأجنبية واستحقاقات استثمارات الأجانب في أذون الخزانة المصرية، ورغم ذلك، أكد غراب أن مصر تطبق سياسة سعر صرف مرن، مشيرًا إلى أن هناك وفرة في النقد الأجنبي لدى البنوك، مما يساهم في استقرار السوق.
نمو الاقتصاد المصري والتوقعات المستقبلية
الخبير الاقتصادي محمد محمود عبد الرحيم، وافق على توقعات النمو الاقتصادي التي تشير إلى نسبة نمو تصل إلى 3.7% في 2024، متوقعًا أن يشهد الاقتصاد المصري تحسنًا ملحوظًا في الأعوام القادمة إذا استمرت الحكومة في تنفيذ سياسات اقتصادية إصلاحية.
وأشار عبد الرحيم إلى أن التحديات الاقتصادية والسياسية العالمية قد تؤثر سلبًا على التدفقات النقدية، ما يفرض تحديات على استقرار سعر الصرف.
أما بالنسبة لسعر الدولار، فقد أشار عبد الرحيم إلى أن استقرار العملة المحلية مرهون بتحسين التدفقات النقدية من مختلف المصادر مثل السياحة وتحويلات المصريين في الخارج، وتوقع أن يكون هناك تحسن تدريجي في سعر الصرف في حال تحسنت الأوضاع الجيوسياسية.
توقعات إيجابية لعام 2025 وتوجيهات الحكومة
وتوقع الخبير الاقتصادي محمد أنيس أن يشهد الاقتصاد المصري نموًا بنسبة 3.5% في 2025، مستندًا في ذلك إلى التحسن في مؤشرات التضخم والعجز المالي، وأشار إلى أهمية السيطرة على الدين العام وتحقيق فائض أولي مستدام في الموازنة العامة لتحقيق استقرار اقتصادي على المدى الطويل.
وأكد أنيس خلال حديثة لبوابة "دار الهلال"، على ضرورة استمرار الحكومة في تطبيق السياسات الاقتصادية التي تدعم استدامة النمو، مع ضرورة تقليل معدلات التضخم والسيطرة على الديون، وأشار إلى أن التحسن المتوقع في المؤشرات الاقتصادية سيعزز ثقة المستثمرين في السوق المصري، وهو ما سيسهم في تعزيز النمو المستدام.
استثمارات ضخمة وتحفيز القطاع الخاص
من جهة أخرى، أكد وزير المالية المصري أحمد كجوك أن الحكومة تبذل جهودًا كبيرة لتوفير بيئة أعمال "صديقة للمستثمرين" من خلال إصلاحات اقتصادية شاملة.
وأشار إلى تحقيق فائض أولي بلغ 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي، مع تقليص العجز المالي والمديونية الخارجية، مضيفا أن الحكومة تستهدف توسيع دور القطاع الخاص من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص وتنفيذ مشاريع ضخمة، مثل "رأس الحكمة" الاستثماري.
وتسعى الحكومة المصرية جاهدة لتحفيز النمو الاقتصادي في مواجهة التحديات العالمية المستمرة، حيث أثرت الأزمات المتتالية على الاقتصاد المصري كما على غيره من اقتصادات العالم، بدءًا من الحرب الروسية الأوكرانية إلى النزاع في غزة، شهدت مصر تأثيرات كبيرة على الاستقرار الاقتصادي، لا سيما من خلال الضغوط التضخمية التي كانت نتيجة مباشرة لهذه الأزمات، ومع ذلك، وضعت الحكومة أهدافًا اقتصادية طموحة لعام 2024/2025 تهدف إلى تحقيق نمو اقتصادي قوي ومستدام، مدعومًا بتوجهات جديدة لتطوير القطاعات الحيوية مثل الاستثمار والاقتصاد الأخضر.
مستهدفات الاقتصاد المصري لعام 2024/2025
وتتمثل أبرز المستهدفات الاقتصادية للاقتصاد المصري في تحقيق معدل نمو اقتصادي قدره 4.2% لعام 2024/2025، مقارنة بتقديرات العام الماضي التي كانت عند 2.9%، ويعد هذا النمو المستهدف من أهم أولويات الحكومة في إطار خطة الإصلاح الاقتصادي، والتي تتضمن أيضًا زيادة الناتج المحلي الإجمالي إلى 17.1 تريليون جنيه، هذه الأرقام تشير إلى قوة الاقتصاد المصري وقدرته على التعافي رغم الأزمات العالمية.
ومن جهة أخرى، تتضمن الخطة زيادة الاستثمارات الكلية المستهدفة لتتجاوز لأول مرة حاجز التريليوني جنيه، وهو ما يعكس رغبة الحكومة في تعزيز البيئة الاستثمارية، كما ستحظى الاستثمارات الخاصة بحصة كبيرة، تصل إلى 50% من الاستثمارات الكلية، وذلك بفضل دعم مشروعات ضخمة مثل "رأس الحكمة" التي من المتوقع أن تساهم في جذب رؤوس الأموال المحلية والدولية.
الاقتصاد الأخضر: أولوية حكومية
تولي الحكومة المصرية اهتمامًا خاصًا لتطوير الاقتصاد الأخضر، حيث يُتوقع أن تشكل الاستثمارات الموجهة لهذا القطاع نحو 50% من إجمالي الاستثمارات العامة في السنوات المقبلة، ويمثل الاقتصاد الأخضر أولوية هامة في استراتيجية الحكومة لتحقيق التنمية المستدامة، ويتماشى مع التزامات مصر البيئية في إطار اتفاقية باريس لتغير المناخ.
الخطط المالية والموازنة العامة
تستهدف الموازنة العامة للدولة لعام 2024/2025 تقليص نسبة الدين العام إلى 88% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك من خلال إجراءات مالية تضمن تخفيض العجز المالي إلى 7.3%، كما يقدر الفائض الأولي السنوي بـ 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعكس قدرة الدولة على تحقيق توازن مالي يعزز الاستدامة الاقتصادية على المدى الطويل.
توقعات البنك الدولي: نمو مستدام رغم التحديات
وأعلن البنك الدولي عن تثبيت توقعاته لنمو الاقتصاد المصري للسنوات القادمة، حيث يتوقع أن يحقق الاقتصاد المصري نمواً بنسبة 2.8% لعام 2024، ثم يرتفع إلى 4.2% في عام 2025، وصولًا إلى 4.6% في عام 2026، وتعد هذه التوقعات مؤشرًا على أن الاقتصاد المصري قادر على استعادة زخمه في السنوات القادمة، رغم التحديات العالمية.