في جميع الأحوال لا يمكن فصل السقوط المتسارع الذي لحق بنظام بشار الأسد في سوريا، عن التطورات المتلاحقة التي شهدها الشرق الأوسط في أعقاب عملية طوفان الأقصى التي شنتها الفصائل الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023، والتي على إثرها دفعت إيران وحلفائها دفعًا إلى خوض مواجهات مباشرة مع "إسرائيل"، لم يقم فيها من يسكن قصر "دمشق" بالدور اللازم حيال ذلك، رغم أنه حظي بدعم هؤلاء في مواطن كثيرة.
حزب الله منهك
بدأ العام الحالي في خضم ظروف عصيبة يتعايش الشرق الأوسط في ظلها، حيث تواصلت الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة، دون أي إذعان لكافة النداءت الدولية المطالبة بتحقيق وقف فوري ودائم لإطلاق النار.
وفي ذلك الوقت، كان حزب الله اللبناني يمارس دوره المعلوم في إسناد أهالي قطاع غزة، وذلك عبر خوض اشتباكات محدودة مع القوات الإسرائيلية فيما عرف بـ"الجبهة الشمالية".
تلك الجبهة، التي ستطور فيما بعد لتصبح حرب شاملة، يقضى فيها على زعيم حزب الله، الأمين العام، حسن نصر الله، الذي أكد مرارًا أن جبهة لبنان لن تتوقف عن إسناد قطاع غزة، قبل أن تتوقف الحرب الإسرائيلية على القطاع.
وعلى هذا النهج مات حسن نصر الله، إثر غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية في بيروت في الـ27 من سبتمبر الماضي، تاركًا ورائه إرث ثقيل، فإسرائيل في هذه الأثناء كان قد فتحت "حرب واسعة" ضد لبنان.
وبدأت إسرائيل في الأول من أكتوبر الماضي شن عملية عسكرية برية في جنوبي لبنان، هي الأولى من نوعها منذ عام 2006، وجب على حزب الله بدوره التصدي له.
وهو ما كان، حيث بدأ مقاتلوها في خوض معارك ضارية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي حاولت التسلل إلى الأراضي اللبنانية، لكن تلك الاشتباكات جعلته بطبيعة الحال منهكًا بعض الشيء، حتى دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بين الجانبين في الـ27 من نوفمبر الفائت.
إذًا حزب الله "منهك" بفعل المواجهات مع إسرائيل لأكثر من 13 شهرًا، وذلك ما جعله عاجزًا عن دعم حليفه الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد في مواجهة مد الفصائل السورية المتقدمة، في إطار عملية رد العدوان التي بدأتها في الـ27 من نوفمبر الفائت، وهو نفس تاريخ دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل حيز التنفيذ.
ورغم أن حزب الله أكد في هذه الأثناء على موقفه الداعم لنظام الأسد في مواجهة ما أسماه بـ"العدوان الذي يهدف إلى زعزعة استقرارها"، إلا أنه أقدم على سحب جميع قواته من سوريا بالتزامن مع اقتراب قوات الفصائل المسلحة من العاصمة دمشق، بحسب وكالة "رويترز".
نعمل وفق قدر الله
وفي الوقت نفسه، لم تكن إيران الداعم الرئيسي لنظام الأسد بوضع يسمح لها بتقديم يد العون له، فضلًا عن أنه لم بدوره حيال المواجهة مع إسرائيل، ولا سيما عقب عملية طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على لبنان.
وبات من الواضح أن إيران تركت الأسد يواجه مصيره بنفسه، عندما صرح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، قائلًا:"لا يمكننًا التنبؤ بمصير بشار الأسد، نحن لسنا متنبئين، نحن نعمل وفقًا لما يقدره الله".
وكان هناك حليف ثالث، وهو الدب الروسي، الذي سلك من جانبه نفس النهج، نظرًا لأنه كان منشغلًا بحربه في أوكرانيا، وهذا يعنى أن الأسد الذي كان طامةُ الكبرى، في أن جنوده فضلوا الفرار عن القتال في الميدان، تُرك لمصيره من جميع حلفائه.
وقد أفضى ذلك كله إلى دخول الفصائل المسلحة في الثامن من ديسمبر الجاري العاصمة السورية "دمشق"، معلنة عن سقوط نظام بشار الأسد الذي دام 24 عامًا، وذلك بعد أن بسطت سيطرتها على كافة المؤسسات الإستراتيجية والحيوية.
لماذا سقط الأسد؟
وإجابة على ذلك، أكد خبراء على أن السقوط المتسارع الذي لحق بنظام بشار الأسد، جاء جراء أسباب داخلية تنوعت ما بين مظلة القمع التي كان الشعب يتعايش في ظله، وما بين تهالك الجيش بفعل الصراع المستمر، لقرابة 14 عامًا.
ولم يستبعد الخبراء في حديثهم لـ"دار الهلال"، السياق الذي يشير إلى أن السبب الأبرز في سقوط نظام الأسد، كان تهالك حلفائه في صراعات أخرى، وخاصة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي دفعت إيران وحزب الله اللبناني دفعًا إليها.
إلى ذلك، يرى وائل الأمين، الباحث السياسي السوري، أن السقوط السريع الذي لحق بنظام بشار الأسد، أثبت أنه لم يكن هناك نظام قائم، وكذلك أثبت أنه لم يكن هناك جيش بالمعنى الفعلي، بل هناك منظومة فساد، سيطرت على الحكم، واستطاعت على مدى 53 عامًا، وهي فترة حكم الأسد الأب والابن، أن تخضع البلاد بالحديد والنار، طمعًا في تحقيق مصالح شخصية، وبطبيعة الحال ذلك ما أدى إلى السقوط.
وفي تقدير "الأمين" الذي كشف عنه في حديثه لـ"دار الهلال"، أن الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر 2023، تسببت في تحجيم حزب الله اللبناني، وكذا إيران، وذلك بفعل الضربات الإسرائيلية التي وجهت إلى الحزب اللبناني، والقوات الإيرانية المتواجدة في الأراضي السورية، وانعكاسات ذلك بالتأكيد تسببت في السقوط السريع لنظام الأسد.
وأوضح أن نظام الأسد من جانبه كان حريص على تلبية الطموحات الإيرانية، وبالتالي طهران كان راضية عنه حتى اللحظة الأخيرة، مستبعدًا بهذا السيناريو الذي يشير إلى أن طهران نظرت لحليفها مؤخرًا على أنه خائن.
وبخصوص الحليف الروسي، يوضح الباحث السياسي السوري، أنه كان منشغلًا في حربه ضد أوكرانيا، خاصة بعد واقعة "كورسك"، وهذا الأمر دفع إلى تقليص الوجود الروسي في سوريا، وبالتالي تقلص الدعم المقدم لنظام الأسد، موضحًا أنه على الأرض لم يكن هناك دعم بل كان مقتصرًا على الجو، مختتمًا حديثه بالتأكيد على أن سقوط الأسد أعطى فرصة للشعب السوري ليعيد بناء دولته.
تحالفات جلبت الفقر
ولأنه عاصر الأوضاع بنفسه، يؤكد قصي عبيدو، الباحث السياسي السوري، أن السبب الرئيسي لسقوط نظام بشار الأسد، هي "الديكتاتورية" التي كان يفرضها على الشعب السوري، وقساوة القبضة الأمنية التي فرضها على الشعب، فضلًا عن استفراده بالقرارات وعدم مشاورة أحد من القادة.
أما في شأن التحالفات التي أقامها نظام "الأسد" مع روسيا وإيران، فهي لم تجلب للبلاد سوى الفقر والجوع، بحسب ما يذكره "عبيدو" في حديثه لـ"دار الهلال"، موضحًا أن تلك التحالفات كانت سبب بالعقوبات على سوريا، وعزلها بشكل شبه كامل عن الدول الإقليمية والدولية، وجعلت البلاد ممر لتوريد السلاح لحزب الله وغيره من الفصائل.
وتابع حديثه بخصوص أسباب سقوط نظام الأسد، مشيرًا إلى أنه على الصعيد الداخلي فقد انفجر الشعب من شدة القمع والظلم والتجويع لحسابه هو وعائلته.
وفي شأن خذلان الحلفاء، يوضح الباحث السياسي السوري، أن الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر 2023، والتي طالت لبنان فيما بعد كان له دور بتحجيم دور إيران في المنطقة وتحديدًا سوريا، مؤكدًا أن "تل أبيب" تسعى لإقامة دولة إسرائيل الكبرى من "النيل" إلى "الفرات" عبر تقسيم الدول وتقسيم المقسم.
وفي إجابة عن سؤال ما إذا كانت طهران تخلت عن الأسد بسبب عدم فتح جبهة إسناد لدعم الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، يوضح الباحث السياسي، أن من المعلوم أن سوريا لم تكن قادرة على فتح جبهات أخرى، إذ أنها تعاني من حرب طويلة أنهكت قدراتها، فضلًا عن أن هناك ثلاث قوات أجنبية في سوريا وصفها بـ"المحتلة"، وهي من إسرائيل، وأمريكا، وتركيا، وبالتالي أي فتح لجبهة حرب مباشرة كانت ستنهي سوريا بشكل كامل.
وأردف بأن إيران تتطلق هذا الكلام، دون الأخذ بعين الاعتبار أن سوريا ليس لديها امكانيات لدخول أي حرب،
ولايوجد رغبة من الشعب الذي قوام الجيش منه لدخول أي صراع.
أما عن الدور الروسي، فإن الباحث السياسي، يرى أنه لم يكن بالمستوى المطلوب بالنسبة لنظام الأسد، عازيًا ذلك إلى أن "موسكو" تحتاج من يدعمها جراء العقوبات الغربية المفروضة عليها، فضلًا عن أنها دخلت في مستنقع أوكرانيا، مشيرًا في الوقت ذاته، إلى أنها كانت تسعى للمساوامة على سوريا لتحقيق أهدافها.
واختتم حديثه بالتأكيد على أن سوريا تخلصت من كل الآفات، لتنهض من جديد شريطة أن نبتعد عن التحالفات الضيقة، والأجندات الملتوية، وأطماع بعض الدول الانتهازية، وكل ذلك ممكن أن يتحقق ببناء سوريا الجديدة إذا ماتم مشاركة الجميع من أهل الاختصاص.
إيران تخلت عن الأسد
بدروه، قال الدكتور مختار غباشي، الخبير السياسي والإستراتيجي، إن 11 يومًا كان كافية لفصائل سوريا لتسقط فيها نظام بشار الأسد، والجيش السوري بمجمله، في زلزالًا لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع حصوله، وكذا المتشائمين.
وأوضح "غباشي" في حديثه لـ"دار الهلال"، أن بشار الأسد كان أمامه فرصة ذهبية في عام 2015، أثناء دخول الجيش الروسي، حيث كان سيتم وضعه كجزء من الحل السياسي داخل البلاد، لكنه من جانبه "ماطل" خلال الاجتماعات التي عقدت، ومع استمرار تلك "المماطلة" كان الجيش يتفكك من بين يديه شيئًا فشيئ.
وأضاف أن المفاجأة كانت في أن الجزء المعني بحماية الحدود سلم نفسه إلى الدول المجاورة، وذلك على غرار الـ2000 جندي سوري الذين سلموا أنفسهم بالعراق،
وفي المقابل، فإن المعارضة السورية، بحسب الخبير السياسي والإستراتيجي، جهزت نفسها بشكل جيد للغاية لخوض ذلك الصراع، في حين أن الجيش السوري لم يكن مؤهل لصراع بهذا الحجم داخل البلاد، وهذا يفسر السقوط السريع الذي اعترى نظام الأسد.
وعلى صعيد الأطراف الإقليمية، أشار غباشي، إلى أن حزب الله بعد أن تعرض لضربات إسرائيلية متتالية، في ظل صراعه الأخير، الذي دام لأكثر من 13 شهرًا، لم يعد قادرًا على القيام بنفس الأدورا التي كان يقوم بها داخل الأراضي السورية فيما مضى.
وأضاف أن إيران تخلت عن نظام الأسد بشيء أو بآخر، حيث لملمت أوراقها من هناك، لأسباب ما زالت خفية حتى الآن، ونفس الأمر كان من روسيا، مؤكدًا أن جميع تلك المتغيرات هي التي أفضت إلى السقوط المتسارع الذي لحق بنظام الأسد.