لو أرادت إسرائيل أن تدفع نحو انهيار النظام العالمي الذي قام في أعقاب الحرب العالمية الثانية، تجنبًا لويل مشابه، ما فعلت كل ذلك، فلم تقم وزنًا لكافة قرارات الشرعية الدولية، الصادرة بشأن حربها على غزة، المستمرة منذ أكثر من 14 شهرًا، ارتكبت فيها ما لا يرتكب وفعلت ما لا يفعل، حتى أن القرارت الأممية لم تسلم من نيرانها.
إسرائيل لم تكترث لقرارات العدل الدولية الصادرة، إزاء حربها ضد غزة، ونفس الأمر قابلت به قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فحين قال لها اسمعي، قالت لن أسمع، حتى انتهى الأمر إلى أن أصبح رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، مجرم حرب، بحسب توصيف محكمة الجنايات الدولية.
وعلى النحو ذاته، كان الوضع مع لبنان وسوريا، حيث أن الدولة العبرية لم تحترم أيًا من القرارت والاتفاقيات التي تنظم أوضاعها مع تلك الدول، حيث توغلت بريًا في كلتهاما، متجاهلة الشرعية الدولية.
التمرد على العالم
كان عام 2024 حافلًا بالقرارات الدولية، التي صبت لصالح الجانب الفلسطيني، الذي تشن عليه إسرائيل حرب إبادة جماعية، منذ السابع من أكتوبر 2023، وذلك بداية من قرارات محكمة العدل الدولية، التي صدرت في يناير من العام الجاري، حين طالبتها باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية.
لكن إسرائيل في المقابل أمعنت في إبادة أهالي القطاع، فحين صدر قرار العدل الدولية في الـ26 من يناير 2024، كان تعداد الشهداء نحو 26 ألف شهيد، أما الحين فقد سقط أكثر من 45 ألف شهيد.
الأمر ذاته حدث عندما طالبت المحكمة إسرائيل في مايو الماضي، بوقف عملياتها العسكرية برفح، وأن تحافظ على فتح معبر رفح، لتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة.
وها هي رفح حولتها إسرائيل كومة من الأنقاض، كما أنها لا تزال تغلق الجانب الفلسطيني من معبر رفح، منذ السابع من مايو الماضي، ما حال دون إدخال المساعدات إلى قطاع غزة بشكل منتظم، إن لم يكن بشكل كلي.
وكذا لم تحترم قرار مجلس الأمن الصادر في الـ25 من مارس 2024، الذي طالب بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان تحترمه جميع الأطراف، بما يؤدي إلى "وقف دائم ومستدام لإطلاق النار"، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن.
ومع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة، بوتيرتها الدامية، رغم كافة قرارات الشرعية الدولية، أصدر المحكمة الجنائية الدولية في الـ21 من نوفمبر الماضي، مذكرتي اعتقال دوليتين بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع المُقال يوآف جالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، تشن إسرائيل حربًا مدمرة ضد قطاع غزة، خلفت أكثر من 152 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط مجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وإضافة إلى ذلك، دمرت إسرائيل آلاف المنازل السكنية والأحياء المدنية على رؤوس ساكنيها، وعمدت إلى استهداف المنظومة الصحية بشكل متكرر، حتى المقرات الأممية لم تسلم من نيرانها، لا سيما تلك التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، حتى قيل أنه:"لا مكان آمنًا في غزة".
ودخلت إسرائيل في عداء صريح مع "الأونروا"، حيث قررت في الـ28 من أكتوبر الماضي، إلغاء اتفاقية عام 1967 التي سمحت للوكالة الأممية بالعمل في "تل أبيب"، وهذا يعني توقف أنشطة الوكالة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، وحظر أي اتصال بين المسؤولين الإسرائيليين وموظفيها.
وإلى لبنان، الذي توغلت فيه إسرائيل بريًا في الأول من أكتوبر الماضي، بحجة إعادة سكان الشمال إلى مستوطناتهم، الذين نزحوا جراء هجمات حزب الله اللبناني، التي بدأت في الثامن من أكتوبر 2023، كمؤوازة لأهالي قطاع غزة.
جاء التوغل الإسرائيلي في الأراضي اللبنانية، رغم تأكيد "بيروت" استعدادها تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، وما يقتضيه من إرسال الجيش اللبناني إلى جنوبي نهر الليطاني.
ووجدت إسرائيل في لبنان قوات "اليونيفل" التابعة للأمم المتحدة لقمة سائغة لاستهدافها بشكل متكرر، ما أسفر عن وقوع إصابات في صفوف القوات الأممية، أثير على إثرها موجة إدانات دولية واسعة.
ومن جانبه، اعتبر لبنان الهجمات الإسرائيلية المتكررة ضد قوات "اليونيفل" والطلب منها بشكل غير مشروع إخلاء مواقعها في جنوبي لبنان "سابقة خطيرة تؤكد استباحة تل أبيب للشرعية الدولية".
وفي ميدان آخر، استهدفت إسرائيل في الأول من أبريل الماضي، مبنى القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية، مما أسفر عن مقتل سبعة من كبار ضباط "الحرس الثوري"، من بينهم قائد فيلق القدس في سوريا ولبنان محمد رضا زاهدي، في خطوة استفزازية ومخالفة لكافة القوانين والأعراف الدولية، التي تؤكد على حرمة البعثات الدبلوماسية.
وفي سوريا كذلك، توغلت إسرائيل بريًا عقب سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر الحالي، مستغلة انشغال القيادة الجديدة بتيسير أمور البلاد، وإلى جانب ذلك شنت هجمات متعددة استهدفت تدمير البنية العسكرية بهذا البلد العربي.
ووكأنها تقرر متى شاءت، أعلنت إسرائيل من طرفها في ذلك الوقت، انهيار اتفاقية فض الاشتباك مع سوريا، وتوغلت في أراضي البلد العربي، في خطوة نددت بها الأمم المتحدة.
درجت على ذلك
وتعقيبًا على ذلك، أكد خبراء على أن إسرائيل دولة "مارقة" درجت قديمًا وحديثًا على عدم احترام القرارات الصادرة عن الهيئات والمنظمات الدولية، ويدعمها في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية بغطاء سياسي.
ولم يستبعد الخبراء في تصريحاتهم لـ"دار الهلال" سيناريو سقوط النظام العالمي جراء الممارسات الإسرائيلية، بيدا أنهم قللوا من قدر الدولة العبرية في تحقيق ذلك.
إلى ذلك، يؤكد كمال يونس، خبير القانون الدولي، أن إسرائيل، دأبت على انتهاك كل القوانين والقرارات والمواثيق الدولية، وذلك قديمًا وحديثًا.
وأوضح "يونس" في تصريحاته لـ"دار الهلال"، أن إسرائيل اعتادت على عدم الالتزام بالقرارات الدولية، بما فيها الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتي تأخذ صفة "الإلزام"، كما أنها لم تلتزم بالقرارات الصادرة عن محكمة العدل الدولية بـ"لاهاي"، وهي أعلى هيئة قانونية تابعة للأمم المتحدة.
ويدعم إسرائيل في موقفها المتمثل في عدم الالتزام بالقرارات الصادرة عن الجهات الدولية، بحسب خبير القانون الدولي، الولايات المتحدة الأمريكية عبر تقديم الدعم اللا محدود لها، وذلك جعلنا أمام "كيان" لا يلتزم بالمواثيق الدولية، التي اعتادت دول العالم على الالتزام بها، والانصياع لما يصدر عنها.
وأكد أن إسرائيل من طرفها كان لها موقف مغاير تمامًا عن الدول العالم "الملتزمة"، وخاصة في غضون العام الحالي، مشيرًا في الوقت ذاته، إلى أن هذا الأمر ليس بغريب عنها.
ولا يتفق "يونس" من جانبه مع الطرح الذي يشير إلى أن إسرائيل على هذا النحو تدفع نحو انهيار النظام العالمي، عازيًا ذلك إلى أنه كيان "قوي" لا يخضع لمثل هذه الأمور التي تصدر عن الاحتلال الإسرائلي، مشيرًا في الوقت نفسه، إلى أن هناك بالفعل رغبة إسرائيلية تسعى إلى تحقيق ذلك.
وشدد على أن هناك ازدواجية معايير واضحة في التعامل مع الملف الفلسطيني، مقارنة بـ"أوكرانيا"، وذلك نظرًا للدعم الأمريكي المقدم لإسرائيل، مرجحًا أنه على المدى البعيد سوف يكون للعالم موقف رادع لإسرائيل.
دولة مارقة
ويصف الدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية، إسرائيل بالدولة "المارقة"، التي لا تلتزم بقواعد القانون الدولي، ولا القرارت الصادرة عن المنظمات الدولية، ولا حتى تستجيب لها، حيث أنها تطبق منطق "القوة"، وتتجاهل قوة القانون.
وأضاف في حديثه لـ"دار الهلال"، أن إسرائيل تعتقد أن الغلبة في القوة المفرطة، زاعمة أن ذلك يجلب لها الأمن والاستقرار، على عكس الحقيقة، مؤكدًا أن ذلك السلوك "المارق" يأتي بدعم لا محدود من الولايات المتحدة الأمريكية، معقبًا: "بدليل أن القرارات التي تكون في طريقها للصدور من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإنها تعرقل من قبل "واشنطن" بواسطة حق "الفيتو".
ويؤكد "سلامة" أن ذلك الغطاء السياسي المقدم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية يحول دون صدور قرار في الأصل، وحتى إن صدرت القرارات في أوقات نادرة، فإن إسرائيل من جانبها لا تلتزم بها، لأنها لا تعترف لا بشرعية قانون ولا المنظمات دولية، موضحًا أنها تعترف فقط بشريعة "الغاب"، وذلك السلوك سيظل مستمر ما دام الدعم الأمريكى موجود.
ويستبعد الطرح الذي يشير إلى أن إسرائيل تدفع نحو انهيار النظام العالمي، الذي قام في أعقاب الحرب العالمية الثانية، لأنها لو كانت دولة "مارقة"، فهناك دول أخرى تلتزم بالشرعية الدولية، مشيرًا في هذا السياق، إلى أن الأمم المتحدة من طرفها لها نجاحات في مناطق أخرى، أما "تل أبيب" فهي حالة استثنائية.
"الحالة الوحيدة التي قد يحدث فيها السيناريو المُشار إليه، هي حال استمرار إسرائيل في عدم الانصياع لهيكلية النظام العالمي، وملامح ذلك ستتضح مع تولي الإدارة الجمهورية مقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية في الـ20 من يناير القادم"، بحسب ما يذكره أستاذ العلوم السياسية، الذي أشار إلى أن ذلك لن يكون نتيجة رغبة إسرائيل، بقدر ما يخضع لرغبة الولايات المتحدة في استحداث نظام عالمي جديد تسيطر فيه عبر الذراع الإسرائيلي "المارق".