الجمعة 3 يناير 2025

ثقافة

الفرنسي جوستاف كوربيه .. أحد رواد الواقعية

  • 31-12-2024 | 03:33

غوستاف كوربيه

طباعة
  • همت مصطفى

فنانًا فرنسيًا من الشخصيات الرئيسية في الحركة الواقعية، في القرن التاسع عشر،  في أوربا، و كان مكرسًا لتقديم أسلوبه المستقل في الفن حيث ابتعد عن تقنيات الفن التقليدية خلال عصره في الواقع، أصبحت أساليبه الفريدة مصدر إلهام بين التكعيبيين والانطباعيين، إنه  الرسام المتميز غوستاف كوربيه. 

كانت لوحات غوستاف كوربيه خلال أربعينيات القرن التاسع عشر هي التي جعلته مشهورًا، فقد حاول من خلال لوحاته، تحدي الأعراف  السائدة خلال ذلك الوقت، تضمنت معظم لوحاته أيضًا مواضيع أقل سياسية مثل العُراة والطبيعة الصامتة ومشاهد الصيد والمناظر الطبيعية.

الميلاد والنشأة

وُلِد غوستاف كوربيه في بلدية »أورنان»، في  قسم دوبس في منطقة بورغون فرانش كومتيه، في شرق فرنسا،  عام 1819م، وكان والداه هما «ريجيس وسيلفي»، وكانا يمتلكان أعمالاً زراعية مزدهرة، انجذب الصبي الصغير إلى الفن، مستلهمًا إلهامه من شقيقاته «جولييت ،وزيلي، وزوي».

قرر«كوربيه» في عام 1839م، الانتقال إلى باريس، من أجل التدريب في استوديو ستوبن وهيسه، وحتى عندما كان في باريس، كان غالبًا ما يعود إلى مسقط رأسه للعثور على المزيد من الإلهام لأعماله الفني، و سرعان ما غادر الاستوديو لأنه كان أكثر اهتمامًا بإتقان أسلوبه الفردي، وبدأ يطارد متحف اللوفر لنسخ أبطال كبار الفنانين القدامى مثل «تيتيان وكارافاجيو ودييجو فيلاسكيز».

الأعمال الأولية
كانت إحدى روائع ك«كوربيه» الأولى هي Odalisque»، والتي استوحاها إلى حد كبير من أعمال «ليليا وفيكتور هوجو»،  ومع ذلك، فقد اهتمامه بالأعمال الفنية التي تتناول موضوعات تتميز بتأثيرات أدبية، وبدلا من ذلك، أصبح أكثر إلهامًا لإنشاء لوحات تستند إلى موضوعات واقعية، ومعظم أعماله الفنية خلال أوائل أربعينيات القرن التاسع عشر تضمنت نفسه أثناء أداء أدوار مختلفة.

و أنشأ «كوربيه»عددًا من الصور الذاتية بما في ذلك الرجل اليائس، والنحات، والرجل الجريح، والصورة الذاتية مع الكلب الأسود، وعازف التشيلو، والرجل ذو الغليون، من بين عدد قليل من الأعمال الأخرى.

وبحلول عام 1846، بدأ «كوربيه» في القيام بجولات في بلجيكا وهولندا، وجعلته مغامراته يدرك قيمة تصوير الصور التي تحدث من يوم لآخر،  واستوحى إلهامه بشكل خاص من أعمال يوهانس فيرمير ورامبرانت ، بما في ذلك عدد قليل من الفنانين الهولنديين الآخرين الذين قدموا أعمالهم الفنية بصور من أنشطة الحياة اليومية، و في الجزء الأخير من أربعينيات القرن التاسع عشر، بدأ في إلهام نقاد الفن والمتحمسين الأصغر سنًا، وخاصة الواقعيين والرومانسيين الجدد.

الإنجازات المبكرة

وكان ذلك في عام 1849م عندما حقق «كوربيه»  نجاحه الأول في الصالون بتحفته الفنية بعنوان «بعد العشاء في أورنان»، ونال هذه اللوحة ميدالية ذهبية، مما يعني أنه تم إعفاؤه من موافقة لجنة التحكيم حتى عام 1857م.

ورسم«كوربيه» لوحة «محطمو الحجارة» التي رسمها عام 1849م، واعتبر نقاد الفن هذه القطعة الفنية الرائعة نموذجًا لحياة الفلاحين، فقد صورت مشهدًا لاحظه الفنان أثناء إحدى رحلاته على جانب الطريق،  إإضافة إلى ذلك، لم تكن أعماله مأخوذة بشكل خاص من المدارس الفنية الكلاسيكية الجديدة أو الرومانسية. فقد ادعى أنه يتمتع بأسلوبه الفريد، وأن هذه اللوحات نابعة من تجاربه الشخصية.


وفي نهاية المطاف، بدأ«كوربيه»  في تقديم القضايا والصور الاجتماعية في أعماله الفنية بما في ذلك الفلاحين والبرجوازية الريفية. وسرعان ما تم تصنيف عمله على أنه واقعي، إلى جانب موضوعات الأعمال الفنية لفنانين آخرين بما في ذلك جان فرانسوا ميليه وأونور دومييه. 

كان «كوربيه» يعتقد أن الواقعية تركز بشكل أكبر على التعامل الخشن مع الأصباغ، وأنها يجب أن تقدم الواقع والقسوة التي تحدث في المواقف اليومية.

استديو الفنان
كانت لوحة «ستوديو الفنان» واحدة من أكثر أعمال كوربيه إثارة، واعتبرها العديد من الفنانين تحفة فنية، بما في ذلك بودلير ويوجين ديلاكروا، ووفقًا للفنان، قدمت هذه اللوحة  الفنية حياته والعالم من حوله،  وأوضح أن هناك عناصر مختلفة في المجتمع الذي عاش فيه، بما في ذلك الثروة والفقر والبؤس والمعاناة، كان هناك العديد من الشخصيات المدرجة في اللوحة مثل حفار القبور والبغايا والقسيس من بين عدد قليل من الآخرين.

المنفى والحياة اللاحقة
 

واجه «كوربيه» مشكلات عديدة،بعد قضاء عقوبة بالسجن في عام 1872،  على الرغم من انتهاء عمل عمود فاندوم، بعد عام من انتهاء عقوبته، قرر الرئيس باتريس ماك ماهون إعادة بناء العمود،

وكان من المقرر أن يتحمل«كوربيه» تكاليف إعادة البناء، لم يكن لدى الفنان الوسائل الكافية لدفع النفقات، مما جعله يقرر الذهاب إلى منفى اختياري،  استقر في سويسرا، وأصبح نشطًا في المعارض الوطنية والإقليمية في هذه الأرض الأجنبية، و أصبح رئيسًا لمدرسة الواقعية السويسرية، والتي ألهمت عددًا من الفنانين بما في ذلك فرديناند هودلر وأوغست بود بوفي.

خلال حياة«كوربيه»  في المنفى، تمكن من إنشاء أعمال فنية رائعة مثل لوحات مختلفة لسمك السلمون المرقط، والتي ادعى أنها ترمز إلى حياته الخاصة، إضافة إلى الرسم، أصبح مفتونًا بالنحت،  في الواقع، كانت إحدى أفضل منحوتاته تسمى «صياد تشافوت»، والتي أكملها في ستينيات القرن التاسع عشر،  تبرع بهذا التمثال لأورنان، ومع ذلك تمت إزالته لاحقًا بعد اعتقال الفنان.

إرث الفنان غوستاف كوربيه

 أثّر«كوربيه» خلال حياته، على عدد من الفنانين من الجيل الأصغر سنًا،  في الواقع، عرض كلود مونيه صورة للفنان في لوحة بعنوان Le Déjeuner sur l'herbe، و نفّذ «كوربيه»  أسلوبًا مستقلا من الواقعية، والذي ألهم العديد من الفنانين مثل دائرة ليبل للفنانين الألمان.

كان أسلوب «كوربيه» الفريد واضحًا أيضًا في أعمال فنانين آخرين مثل «فينسنت فان جوخ»  و«بول سيزان» و«جيمس ماكنيل ويسلر»  و«هنري فانتين لاتور» ، ونجح «كوربيه» في البقاء مصدر إلهام للعديد من الناس على الرغم من المحن والتحديات الشخصية التي واجهها خلال حياته، وجعلته براعته ومهارته في العمل أحد أكثر الفنانين احتراماً في التاريخ، ولا تزال إرثه قائماً بعد سنوات من وفاته.

رحل «كوربيه» في مثل هذا اليوم 21 ديسمبر في عام 1877م في لا تور دي بيليز بسويسرا أثناء وجوده في المنفى،  بعد أن كان يعاني لسنوات  من مرض في الكبد.

الاكثر قراءة