تعد جائزة «نوبل»، هي أشهر الجوائز العالمية في حقول الإبداع والخلق والابتكار المتنوعة، وعقب نيل الجائزة للفائزين بها يتعرف عليهم العالم أكثر ويحظون بشهرة واسعة عبر قارات العالم كله، مما يدفع بنا للبحث عن رحلتهم ومسيرتهم، وإسهاماتهم للبشرية وتنميتها وتطورها.
ومع قسم الثقافة ببوابة «دار الهلال»، نحتفي معًا بحاصدي جائزة نوبل في الآداب لنسطر بعضًا من تاريخ إبداعاتهم ورحلتهم، من عقود كثيرة منذ بداية القرن بداية القرن العشرين، منح الجائزة لأول مرة في عام 1901 في فروع الكيمياء والأدب والسلام والفيزياء وعلم وظائف الأعضاء أو الطب.
نلتقى اليوم مع المناضل من أجل السلام «رومان رولان»
ولد الأديب الفرنسي رومان رولان، في بلدة كلاميسي بفرنسا، في 29 يناير 1866م من أسرة ريفية برجوازية عريقة القدم، وتعلم في مسقط رأسه، ثم انتقل إلي باريس عام 1886م حيث التحق بمدرسة النورمال العليا، وفي عام 1889م، نجح في امتحان الإجريجاسيون في التاريخ والفلسفة.
حصل «رولان» في عام 1895م على شهادة الدكتوراة في الآداب برسالة قدمها عن اصول المسرح الغنائي الحديث، وعين بعد ذلك أستاذًا لتاريخ الفن في مدرسة النورمال العليا، ثم عين أستاذًا في السوربون حيث أدخل مادة تاريخ الموسيقى وبقى فيها حتى عام 1911م.
مؤلفات رومان رولان
بدأ «رولان» حياته الأدبية بكتابة عدد كبير من النصوص المسرحية منها: «سان لويس»1897م، الذئاب 1898م، «انتصار العقل» 1899، «دانتون» 1900م، «14 يوليو» 190م، «انتصار الحرية» 1917.
تراجم لمبدعي العالم
وكان «رولان» يحب ويعشق حياة وسير الأبطال، الذين يرى فيهم مثلًا أعلى لما يجب أن يكون عليه الفرد من الفضائل؛ لذا كتب في مجال التراجم والسير مؤلفات: «حياة بيتهوفن» 1903، «حياة ميشيل آنج» 1906،«حياة تولستوي» 1913م، «مهاتما غاندي» 1926م.
رائد «مسرح الشعب»
وفي جانب المقالات والنقد والتحليل قدم «رولان» مقالات حول مقالات بعنوان «مسرح الشعب» 1900، وفيه نادى بأن يكون المسرح متحررًا من برجوازيته، وهاجم المسرح الكلاسيكي والمسرح الرومانتيكي، وكان يدعو دومًا أن كون فن المسرح صدىً لتفكير العصر الذي نحياه ونعيشة ويعبرعن واقعنا طوال الوقت.
وكتب «رولان» مقالات في جريدة «جنيف» بداية من أغسطس عام 1914م بدأها بخطاب مفتوح إلى الكاتب الألماني «هوبتمان» مستنكرًا الوحشية الألمانية التي أحرقت بلدة لوفان البلجيكية.
وكتب ضمن إبداعاته مقالًا بعنوان «خطاب إلى متهمي» معلنا للعالم :«إن الوقت الذي يخصصه للرد على خصم ما إنما يعتبر كسرقة من أولئك التعساء، أولئك السجناء، من تلك الأسر التي تسعى ونحن في جنيف أن نمد لها إدينا».
وألف قصصًا منها «جان كريستوف» 1904-1912، والتي تقع في عشرة أجزاء، وهي اقرب أن تكون ترجمة لشخصية خيالية، تتجمع فيها فضائل أبطاله السابقين.
فلسفة «رومان رولان » وأسلوبه
كان «رولان» في مقالاته متجردًا من كل خضوع للوطنية العمياء أو التأثر بتيار «الحماسة» الذي كان يجرف أمته كما كان يجرف كل الأمم المتحاربه، لم يتردد في السخرية من رجال الفكر والدين الذين خانوا مبادئهم النبيلة في وقت كان يمكنهم فيه تأدية أكبر جانب من مهمتهم في الحياة.
الإنسانية مذهبًا للكتابة
ويعد «رولان» في رؤية الآخرين له الكثيرين كاتب عالمي الفكر والعاطفة، لا يكتب لأمة معينة ولا لشعب خاص، بل يكتب للعالم أجمع ناظرًا إليه كأسرة إنسانية واحدة لاتمزقها حدود ولا تفرقها لهجات.
وحصل رومان رولان على جائزة نوبل في الأدب لسنة 1915م وجاء في تقرير لجنة «بمثابة تحية إلى المثالية النبيلة من إنتاجه الأدبى وتعاطف ومحبة الحقيقة مع الذي وصفه أنواع مختلفة من البشر»، وتكريمًا لمنجزه الإبداعي والإنساني، سمي الكويكب، بالفضاء رولاندية Rollandia» 1269» على اسم رومان رولان
مناضلًا حتى الموت ضد الحروب
كتب «رولان» عدد من المقالات عندما قامت الحرب العالمية الأولى، حيث كان في جينف بسويسرا، طالب فيها بحقن الدماء وعودة السلام وإنقاذ أرواح الشباب البرئ الدى يلعب به محترفو السياسة، ولقد آثر ذلك عداء الرجعيين من أبناء وطنه والصحافة المادية التي أثارت عليه الرأى العام.
وفي غمار الحرب العالمية الثانية أعلن «رولان» عداوته لكل نظام أتوقراطي، يمتهن كرامة الشعوب، مبينا أن الفكر الألماني، وهو الفكر الحر الداعي للمساواة بين الأمم، ومع دخول النازيون فرنسا، قاموا بالقبض عليه، وأرسل إلى معسكرات الاعتقال في ألمانيا، مما عجل بموته بعد أسابيع من تحرير فرنسا.
وفي يوم 30 ديسمبر 1944م، رحل رومان رولان عن عالمنا تاركًا أثره في كل ماقدم للإنسانية والأدب حتى أصبح واحدا من قادة الفكر الحديث المدافعين عن السلام.