جائزة «نوبل»، هي أشهر الجوائز العالمية في حقول الإبداع والخلق والابتكار المتنوعة، وعقب نيل الجائزة للفائزين بها يتعرف عليهم العالم أكثر ويحظون بشهرة واسعة عبر قارات العالم كله، مما يدفع بنا للبحث عن رحلتهم ومسيرتهم، وإسهاماتهم للبشرية وتنميتها وتطورها.
ومع قسم الثقافة ببوابة «دار الهلال»، نحتفي معًا بحاصدي جائزة نوبل في الآداب لنسطر بعضًا من تاريخ إبداعاتهم ورحلتهم، من عقود كثيرة منذ بداية القرن بداية القرن العشرين، منح الجائزة لأول مرة في عام 1901م، في فروع الكيمياء والأدب والسلام والفيزياء وعلم وظائف الأعضاء أو الطب.
نلتقى اليوم مع « الأمريكي جون ستاينبيك»
جون ستاينبيك.. كاتب أمريكي مبدع، من أشهر أدباء القرن العشرين، واشتهر بقصصه حول الحرب العالمية الثانية.
الميلاد والنشأة
ولد جون ستاينبيك إرنست جونيور في 27 فبراير 1902، في ساليناس، كاليفورنيا، لأسرة محدودة الإمكانيات، وهذا انعكس بعد ذلك على أفكاره وقضاياه في مؤلفاته، وعلى رأسها «عناقيد الغضب» 1939م، حيث ركزّ في معظمها على قضايا اجتماعية واقتصادية، تنقل والده، «جون»، بين مختلف الوظائف لإعالة أسرته، كان يمتلك مخزن للأعلاف والحبوب، ثم أدار مصنعاً للدقيق كما وشغل منصب أمين خزينة مقاطعة مونتيري، والدته، أوليف كانت مُدرّسة.
ونشأ «ستاينبيك» بين ثلاثة شقيقات، عرف في شبابه بخجله وذكائه، امتلك حبا عميقا للوطن وخاصة موطنه في وادي ساليناس في كاليفورنيا، والذي ذكره مرارًا لاحقًا في كتاباته، كانت المرة الأولى التي عزم فيها «ستاينبيك» وقرر أن يصبح كاتبا في جيل الـ 14، في كثير من الأحيان حبس نفسه في غرفة نومه لكتابة القصائد والقصص.
التحق «ستاينبيك»، في عام 1919م، بجامعة ستانفورد لرغبة والديه ولم تكن رغبته، وهذا تضح جليًا في السنوات الستة التي قضاها في الجامعة، حيث كان متخبط النتائج إلى أن رسب نهائيا عام 1925م ليترك الجامعة بدون شهادة.
مؤلفات«ستاينبيك» .. قصص وروايات وأدب رحلات
حاول «ستاينبيك» بعد مغادرته لجامعة ستانفورد، العمل ككاتب حر، انتقل بعدها لفترة وجيزة للعمل في نيويورك، بدايةً في البناء ثم مراسل صحيفة، ليعود بعدها إلى كاليفورنيا، حيث عمل كحارس مبنى بالقرب من بحيرة تاهو، في تلك الفترة كتب «ستاينبيك» روايته الأولى، «كأس من ذهب» 1929م، والتقى وتزوج من زوجته الأولى، «كارول هينينج».
اعتمد «ستاينبيك» بعد مغادرته لجامعة «ستانفورد»، لعقد كامل من الزمن، على راتبه المتواضع إضافة إلى دعم زوجته كارول، وركزّ جهوده في الكتابة، ليصدر رواية «مراعي الفردوس» عام 1932، و«البحث عن إله مجهول» في العالم التالي1933، وكلاهما لم يكتب لهما النجاح، كما ألف «ستاينبيك» الرواية القصيرة «المهر الأحمر» في العام نفسه.
كتب «ستاينبيك»، رواية « شقة تورتيلا» 1935، بحس الفكاهة، وتحدث فيها عن الحياة في منطقة مونتيري، وهي أولى رواياته التي حققت نجاحًا باهرا لتدفعه نحو الشهرة، واستخدم «ستاينبيك» لاحقا أسلوب أكثر جدية في رواياته «معركة مشكوك بها » 1936م، «فئران ورجال»1937م و«الوادي الطويل» (الوادي الأخضر) 1938م، وهي مجموعة من القصص القصيرة.
رواية عناقيد الغضب
أشهر روايات «ستاينبيك» هي «عناقيد الغضب»، والتي نشرت في عام 1939م، وتحكي قصة عائة بائسة من أوكلاهوما وسعيها لإقامة حياة جديدة في ولاية كاليفورنيا في ذروة الكساد العظيم، صوّر الكتاب الغضب والقلق الذي طال المواطن الأمريكي خلال تلك الفترة ، في ذروة شعبيتها، وبيعت حوالي 10 آلاف نسخة من رواية «عناقيد الغضب» أسبوعًيا، وهي الرواية التي حاز بسببها «ستاينبيك» على جائزة بوليتزر عام 1940م.
مراسل حرب لصحيفة نيويورك هيرالدتريبيون
بعد النجاح الكبير الذي حقق «ستاينبيك» من وراء روايته «عناقيد الغضب»، عمل كمراسل حرب لصحيفة نيويورك هيرالد تريبيون خلال الحرب العالمية الثانية، في ذلك الوقت، سافر إلى المكسيك في مغامرة بحرية رفقة صديقه «إدوارد ريكيتس»، المتخصص في علم الأحياء البحرية، بعد رحلتهم نشروا كتاب «بحر كورتس» 1941م، الذي يصف الحياة البحرية في خليج كاليفورنيا.
استمر«ستاينبيك» في الكتابة خلال السنوات الأخيرة من حياته، ليضيف إلى رصيده مجموعة روايات منها.. «في مغيب القمر» 1942، «شارع السردين المعلب» 1945م، «الأتوبيس الجامح» 1947م، «الاحتراق الساطع» 1950م، «شرق عدن» 1952م، «شتاء السخط .. شتاء الأحزان» 1961م، و«رحلات مع تشارلي في البحث عن أمريكا» 1962 م، وألف الرواية الصغيرة «اللؤلؤة» 1947م.
حاز «ستاينبيك» على جائزة نوبل في الآدب في عام 1962 م، وجاء في تقرير اللجنة التي منحته الجائزة أنه نالها « لكتاباته الواقعية والخيالية، والجمع بين الفكاهة المتعاطفة والإدراك الاجتماعي الشديد».
رحيل وإرث كبير
رحل جون ستاينبيك في مدينة نيويورك في مثل هذا اليوم 20 ديسمبر من عام 1968م نتيجة لإصابته بمرض قلبي وعائي، وبقصور قلب احتقاني، عن عمر يناهز 66 عامًا، وكان مدخنًا طوال حياته، أظهر تشريح جثة ستاينبيك انسدادًا تامًا تقريبًا في الشرايين التاجية الرئيسية.
أُحرقت جثة «ستاينبيك» تطبيقًا لوصيته ودُفنت في 4 مارس من عام 1969م في مقبرة عائلة هاميلتون في ساليناس، بالقرب من قبري والديه ومن قبور أجداده من والدته، دُفنت زوجته الثالثة «إيلين» في قطعة الأرض نفسها في عام 2004، وكتب ستاينبيك إلى طبيبه، بأنه يشعر «في أعماق جسده» أنه لن يتمكن من النجاة من الموت الجسدي، وأن النهاية البيولوجية لحياته ستكون النهاية الأخيرة فيها.
أثر باق
وكتب الناقد الأدبي تشارلز بور، في صحيفة «نيويورك تايمز»، في اليوم الذي تلا وفاة ستاينبيك في مدينة نيويورك: «كان أول كتاب عظيم لـ «جون تشاينبيك» هو آخر كتاب عظيم له، لكن رباه، أي كتاب هو، كان وما زال، ذلك الكتاب الذي يحمل عنوان «عناقيد الغضب»، لاحظ «بور» حالة من الوعظ في عمل «ستاينبيك»، فقال «كما لو أنه حصّل نصف ميراثه الأدبي من أفضل ما قدم «مارك توين»، والنصف الآخر من أسوأ أعمال «كوتون ماذر»، لكنه عاد ليؤكد بأن «ستاينبيك» لم يكن بحاجة إلى جائزة نوبل، وإنما لجنة تحكيم الجائزة هي من كانت بحاجة له».
روايات «ستاينبيك» في المدارس الثانوية
نُشرت رواية «ستاينبيك» غير المكتملة والمبنية على أساطير الملك «آرثر» التي تتحدث عن السير توماس مالوري» وعن آخرين، والتي حملت عنوان «أعمال الملك آرثر وفرسانه النبلاء»، في عام 1976م، تفرض المدارس الثانوية الأمريكية على طلابها قراءة العديد من مؤلفات «ستاينبيك» وتعتبر رواية «فئران ورجال» واحدة من النصوص الأساسية التي تعتمد عليها هيئة الفحوص التابعة لاتحاد تقييم الكفاءات في المملكة المتحدة لتقييم الطلاب في امتحان الأدب الإنجليزي ضمن اختبارات نيل شهادة الثانوية العامة.
ووجدت إحدى الدراسات التي أجراها مركز تعلم الآداب وتعليمها في الولايات المتحدة الأمريكية أنّ رواية «فئران ورجال» كانت واحدة من الكتب العشرة الأكثر قراءة في المدارس الثانوية العامة في البلاد، على النقيض من ذلك، تعرضت مؤلفات الكاتب جون ستاينبيك للحظر في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل متكرر، وحظرت اللجان المدرسية رواية «عناقيد الغضب» إذ حظر مجلس المشرفين في مقاطعة «كيرن تدوال» هذه الرواية في المدارس والمكتبات الممولة من القطاع العام في المقاطعة، وحرقت عدة نسخ منها في مدينة «ساليناس» الأمريكية في عدة مناسبات، حظر مجلس إدارة إحدى المدارس في ولاية مسيسيبي تداول الرواية بحجة احتوائها على ألفاظ بذيئة، كان «ستاينبيك» ، وفقًا لجمعية المكتبات الأمريكية، واحدًا من الكتاب العشرة الأكثر تعرضًا للحظر بين عامي 1990 و2004، وصنفت رواية «فئران ورجال» في المرتبة السادسة ضمن قائمة أكثر 100 كتاب تعرضًا للحظر في الولايات المتحدة.
الأراء الدينية لـ «ستاينبيك»
كان «ستاينبيك» يرجع إلى الدين، في أعماله الخيالية، ودمجه في أسلوبه ومواضيعه، غالبًا ما يعتمد شكل الشخصيات التي يبنيها «ستاينبيك» في رواياته على الكتاب المقدس، وعلى اللاهوت الأنجيليكاني، جامعًا بذلك العناصر الرومانية الكاثوليكية مع البروتستانتية، فيما نأى «ستاينبيك» بعد مغادررته لمدينة «ساليناس» وتوجهه إلى «ستاتفودر»، بنفسه عن الأراء الدينية، لكن، ومع ذلك، ما زال العمل الذي أنتجه يعكس لغة طفولته في «ستاليناس»، واستمرت معتقداته بالتأثير بشكل كبير على أعماله الخيالية وغير الخيالية.
واعتبر «ويليام راي» أن «ستاينبيك» عرض وجهات نظره الأنجيليكانية بشكلٍ واضح في روايته «عناقيد الغضب»، إذ تلعب موضوعات الانتقال إلى ديانات جديدة، والتضحية بالنفس دورًا رئيسيًا في شخصيات «كاسي وتوم» الذان يحققان السمو الروحي من خلال اعتناقهما لديانة جديدة.