يحتفل العالم اليوم بليلة رأس السنة وبداية دخول عام ميلادي جديد، سواء عن طريق الألعاب النارية المتنوعة والتي تنطلق في سماء الدول المختلفة، أو عبر جمع العائلة والأصدقاء، حول مائدة العام الجديد، فضلا عن الزينة المنزلية الجذابة، ولكن من الواضح أن احتفالات رأس السنة لم تكن بالجديدة علينا، إذ تمتد في جذور التاريخ الإنساني القديم.
تبرز احتفالات رأس السنة تفاعل الإنسان مع الطبيعة والزمن عبر تقاويم فلكية وزراعية ودينية، وتميزت كل حضارة بثقافة محددة في الاحتفال بعيد الميلاد، وذلك يبرز خصوصية كل مجتمع.
حضارة بلاد ما بين النهرين.. أقدم تاريخ للاحتفال بالسنة الجديدة
تعد احتفالات حضارات بلاد ما بين النهرين من أقدم الاحتفالات برأس السنة الجديدة في التاريخ الإنساني العالمي، حيث اعتبر البابليون أول من وثق هذه التقاليد في حوالي 2000 قبل الميلاد، وكانت هذه الاحتفالات مرتبطة بالاعتدال الربيعي، وهو الوقت الذي يتساوى فيه طول النهار والليل، مما يرمز إلى التوازن والبدء الجديد.
وكان مهرجان "أكيتو"، هو أهم تلك الاحتفالات بالعام الجديد، والذي تزامن مع حصاد الشعير، واستمرت الاحتفالات به 11 يومًا، وشملت طقوسًا دينية وسياسية، حيث كان الملك يقر بخضوعه أمام الإله مردوخ في طقوس تهدف إلى تأكيد استمرارية حكمه.
مصر القديمة
في مصر القديمة، كان العام الجديد مرتبطًا بعلم الفلك، أي بالحدث الفلكي لظهور نجم الشعرى اليمانية، والذي كان ينبئ ببدء فيضان النيل، وكان هذا الفيضان يُعد حدثًا للزراعة والحياة اليومية، مما جعل بداية العام الجديد مناسبة مقدسة ومليئة بالأمل.
وتُعتبر هذه الاحتفالات من أقدم المهرجانات التي عرفتها البشرية، وكان مهرجان "ويبت-رنبت"، يرمز عند المصريين القدماء لبداية السنة الجديدة لديهم.
وعلى عكس احتفالاتنا الحديثة في يناير، كان المهرجان مرتبطًا بفيضان نهر النيل الذي يحدث غالبًا في شهر يوليو، حيث كان الفيضان رمزًا للتجديد والخصوبة، ويمتاز هذا المهرجان بمزيج من الحزن والاحتفال، حيث كان يتمثل في طقوس رمزية لموت وبعث الإله أوزوريس.
ففي البداية، كان المصريون يقرؤون قصائد الرثاء، مثل "مراثي إيزيس ونفتيس"، للتعبير عن الحزن على وفاة أوزوريس، ولكن الاحتفال يتحول لاحقًا إلى أجواء مبهجة من الغناء والرقص والولائم، احتفاءً بعودة الحياة وتجددها مع إعادة ميلاد أوزوريس.
استمدت الاحتفالات برأس السنة في مصر القديمة جوهرها من أسطورة أوزوريس، الذي قتل على يد شقيقه ست، ثم أعيد إلى الحياة بفضل جهود زوجته إيزيس، وتجسد هذه القصة انتصار الحياة على الموت، وهو ما كان يتماشى مع دورة فيضان النيل وخصوبة الأرض.
كانت "ويبت-رنبت" أكثر من مجرد عيد؛ بل كانت انعكاسًا لثقافة المصريين القدماء وفهمهم للطبيعة ودورات الحياة، ورغم اختلاف الطقوس عبر الزمن، إلا أن الروح البشرية في الاحتفال بالتجديد والحياة تبقى ثابتة.
يوليوس قيصر التقويم الروماني
كان الاحتفال بالعام الجديد في الدولة الرومانية تحديدا بروما يبدأ خلال الاعتدال الربيعي، ولكن يوليوس قيصر، ادخل التقويم اليولياني في عام 46 قبل الميلاد، فجعل بداية العام الجديد في الأول من يناير.
ارتبط الأول من يناير بالإله جانوس، إله البدايات، والذي كان يتم تقديم القرابين له كتعبير عن الرجاء بالمستقبل والتأمل في الماضي.
صعود المسيحية وتغير في الأحوال
مع صعود المسيحية، عدلت تلك التقاليد الوثنية، فخلال العصور الوسطى، غيرت الكنيسة بداية العام إلى تواريخ دينية مهمة مثل عيد الميلاد في 25 ديسمبر وعيد البشارة في 25 مارس، ولكن مع اعتماد التقويم الغريغوري "ينسب إلى البابا غريغوريوس الثالث عشر بابا روما " في عام 1582، أعيد الأول من يناير باعتباره بداية العام.
الصين
استندت احتفالات رأس السنة في الصين إلى التقاليد الزراعية، فيعود تاريخ هذه الاحتفالات إلى حوالي 3500 عام خلال عهد أسرة شانغ، فبعد الانقلاب الشتوي، كان العام الجديد يبدأ بالقمر الجديد الثاني، وتضمنت هذه الاحتفالات طرد الأرواح الشريرة باستخدام الألوان الزاهية والألعاب النارية، وهي تقاليد مستمرة حتى العصر الحديث.
مظاهر احتفال العام الجديد عند الفرس "عيد النوروز"
يعرف التنظيف الربيعي عند الفرس باسم "خانه تكني"، حيث يتم تنظيف المنازل بشكل شامل، تغيير ألوان الجدران، وغسل كل شيء كجزء من الاستعداد للعام الجديد، وشراء ملابس جديدة استعدادًا للاحتفال، ولأجل الاحتفال بالعام الجديد، كان القفز فوق النار، طقس شائع يرمز إلى تطهير السلبية المتراكمة خلال العام الماضي، هذا وبالإضافة إلى إعداد مائدة الهفت سين، والتي تتضمن سبعة عناصر تبدأ بحرف "سين" الفارسي، مثل: التفاح (سيب) للجمال، والثوم (سير) للصحة، الخل (سركه) للصبر، والزنبق (سنبل) للربيع، والبودنج الحلو (سمانو) للخصوبة، البراعم (سبزه) للبعث، والعملات المعدنية (سكه) للثروة.
ومن ضمن تقاليد الاحتفال بالعام الميلادي الجديد، كان في اليوم الثالث عشر، يتم التنزه في الخارج وطرح البراعم في الماء، للتخلص من المصائب ودرء سوء الحظ، فضلا عن تقديم الحلويات التقليدية مثل "هفت ميوا" في أفغانستان و"سومالاك" في أوزبكستان وتركمانستان، وممارسة الرياضات التقليدية مثل لعبة "بوزكاشي" في أفغانستان.
العصر الحديث واختلاف الاحتفالات برأس السنة.. تغير في الطبيعة البشرية للاحتفال
تتنوع احتفالات رأس السنة بشكل كبير بين الثقافات، حيث تعتمد على التقاليد القديمة مع إضافة لمسات معاصرة وفيما يلي سوف يتم عرض طريقة الاحتفال الحديثة في كل بلد من البلدان.
الولايات المتحدة
تشمل التقاليد المميزة تشغيل فيديو "Yule Log" لمدة ثلاث ساعات منذ عام 1966، وفعالية "SantaCon" التي بدأت عام 1994 وتتميز بجولات لمحتفلين مرتدين زي سانتا في الشوارع.
أستراليا
وتختلف الأمور في القارة الأسترالية، حيث يتم الاحتفال بعيد الميلاد في الصيف مع أنشطة مثل السباحة، حفلات الشواء، والنزهات على الشاطئ أو في الحدائق.
النمسا
في احتفالات تخويف الأطفال واختبار سلوكهم تشتهر شخصية "كرامبوس" الشيطانية التي ترافق القديس نيكولاس، مع مهرجانات خاصة تعرف بـ"كرامبوسلاوف".
بيلاروسيا
تمزج بين التقاليد المسيحية والعادات الشعبية مثل إذابة الشمع للتنبؤ بالمستقبل وربط أرجل الطاولة لحماية المنزل.
كاتالونيا
تضيف شخصية "الكاجانر" التبرزية لمشهد الميلاد التقليدي، إلى جانب جذع "Caga Tió" الذي يُضرب لاستخراج الحلوى.
جمهورية التشيك
يعتمد الاحتفال على تناول سمك الشبوط، وتقاليد مثل رمي الحذاء للتنبؤ بالزواج أو وضع ميزان الشبوط في المحفظة لجلب الحظ.
الدنمارك
ترقص العائلات حول شجرة الميلاد المزينة بالشموع، ويترك الأطفال العصيدة للمخلوقات الفولكلورية، والمعروفة باسم الجان في التقاليد العربية.