الأربعاء 8 يناير 2025

مقالات

الحب والحياة


  • 7-1-2025 | 13:13

سامح إدوار سعد الله

طباعة
  • سامح إدوار سعد الله

وقت مطلع الفجر شعرت السيدة المسنة بالألم الشديد يعتصرها، لم يأتها ألم مثله من قبل، صرخت بصوت هز أركان البيت، وزوجها فلاح فقير عجوز جاء إليها مسرعًا، يتفحصها كالعادة -أصنع لكِ مشروبًا ساخنًا؟ سألها كانت الزوجة متعبة جدًا لا تقوى على الكلام، لا تملك إلا التأوه والصراخ، وحده في البيت ماذا يفعل؟

 المنطقة جبلية، بين البيت والآخر مسافة كبيرة، أسرع بتجهيز عربته البدائية التي يجرها هو، كان يستعين بها في أعمال الحقل والزراعة ونقل الأعلاف لحظيرة المواشي، قديمًا كان يجرها بغل قوي ولكنه نفق منذ شهر ولم يبتع غيره، وضع زوجته المريضة في الخلف، حملها إلى أقرب مشفى، كان الطريق شاقًا ومؤلمًا عليهما معًا،. في الطريق الطويل لا يزال الظلام يسود قبة السماء، يمتد بطول الطريق الجبلي، تصادف مرور مجموعة من الشباب الأقوياء، في البدء لم يهتم الشباب بهذا المنظر المؤلم للرجل، استكملوا طريقهم الموازي لطريق الرجل، توقف عند منحدر قوي، صحة الرجل لا تسعفه للسيطرة على العربة، وهي تحمل فوقها وزنًا إضافيا، يحتاج المعونة، نظر إليهم بنظرة عطف واستعطاف، لم يلتفتوا إليه، أخيرًا نادهم بصوت مسموع نظروا إليه، ثم نظروًا إلى بعضهم بعضًا، قال واحد منهم:" ماذا ننتظر؟!" لم يتحرك أحد.

ربما لو كان أحد آخر غير هذا الشخص لذهبوا جميعًا، يبدو أنهم يرفضون أن يكون هذا المتحدث قائدهم، نظر إليهم في يأس، ثم تحرك سريعًا باتجاه العربة، نظر إلى العجوز وزوجته، يشعر بالألم بداخله كأنه بالون يوشك أن ينفجر الألم، حل محل العجوز، وأحكم السيطرة على العربة، ببطء شديد بدأ ينزل المنحدر الصخري الصعب، كان الشاب ذكيًا جدًا، تعامل بحكمة مع المنحدر، ثبت رجله وترك الثقل كله على ظهره وهكذا بدل الحركة من اليمين إلى اليسار حتى يتفادى اندفاع العجلة بقوة مع نزول هذا المنحدر الصعب، قوته البدنية ومعرفته بإدارة عجلة العربة جعلته ينزل بسلام. عندما بلغ مرحلة الأمان ؛ وجد العجوز لازال يتشبث بالمنحدر.

العجوز ضعيف  لكنه خبرة يستطيع أن يفعلها بمفرده ولكن الوقت لا يسمح بأكثر من ذلك، انتفض سريعًا التقط العجوز على ظهره وقفز المنحدر بشجاعة الفرسان، وضع العجوز هو الآخر بجوار زوجته وسحب العربة إلى طريق النجاة. بدأ الرجل العجوز يتحدث معه، يشكره على معروفه، وراح يفضفض.. كأنما يناجي نفسه، ولكنه في الوقت نفسه يواسي زوجته المريضة، التي عاشت معه طوال أربعين عامًا في شقاء وبؤس ومعاناة، تكد وتكدح، تساعده في الحقل، وتتحمل وحدها أعباء البيت، ابتسم الشاب وقال له: "يبدو أنك تحب زوجتك حبًا عظيمًا، أشعر بك من تعبير وجهك، ونبرة صوتك " رد العجوز معقبًا أنهما جسد واحد لا ينفصلان ولا يختلفان منذ أربعين سنة مضت قال الشاب بمزيد من الحماس والتأثر: أنا لم أنجز مهمتي بعد، انتظر حتى نصل بسلام ثم اشكرني. بما للعجائز من مكر أحيانًا،  قال: -خبرني يا بني، لماذا لم يأت الشباب معك عندما طلبت مساعدتكم؟ قال له الشاب: لا تهتم يا جدي بالموضوع. فقط من يحب عمل الخير يأتي بدون طلب، واستطرد: -وأنا أظن أنني أخطأت في طلبهم، كان واجبًا عليهم أن يأتوا بدون إذن، - ليكن يا بنيّ، نحن الآن نقترب من المشفى، دعني أخبرك شيئًا. قال العجوز - تفضل يا جدي. - أعرف يا بني أنك تحملت مشقة الطريق وحدك حتى تقدم لي هذا المعروف، ذلك نابع من أصلك الطيب، أعرف أنهم كذلك هم نبلاء مثلك ولكن أظن أنهم يرفضون أنك تقودهم وتكون قائدًا عليهم، أليس كذلك؟ الشاب مبتسمًا: أيها العجوز الماكر النبيه، لقد انتبهت لذلك، بمجرد نظرة واحدة فقط عرفتهم. - لذلك يا حبيبي أُخبرك اليقين ما سوف تراه في المستقبل، أنت الذي تقودهم، أتعرف لماذا؟ أجاب ببساطة: واصل الرجل كلامه: عندما نذهب إلى المشفى سوف يكونون هناك، إن رأيتهم أعرف أن نبوءتي صادقة، - خبرني كيف عرفت؟ تساءل الشاب - انتظر.

قالها العجوز. بعد حوالي نصف ساعة وصلت العربة إلى المشفى، هبط العجوز بمفرده، ثم استدار للخلف ليحمل زوجته، أسرع الشباب إلى السيدة العجوز التي تصرخ من الألم يحملونها، رمقهم الشاب وهو صامت مندهش، وصرخ فيهم العجوز:هيا أسرعوا من هنا، رفقًا بها، عظمها لم يعد يحتمل، لمّا اقترب من الشاب الذي رفض رفقاؤه أن يكون قائدهم، قال له: تفضل يا سيدي كل شيء سوف يكون على ما يرام، دخل الاثنان سويًا، خلفهم الشباب الذين يحملون زوجته المريضة، استقبلها الطبيب وفتح لها غرفة العناية، هنا أحكم الشاب قبضته على العجوز، قال له بالله عليك، أخبرني، كيف عرفت؟! كان العجوز قلقًا على زوجته يترقب خروج الطبيب، وعيناه معلقتان على غرفة العناية، هزه الشاب مرة أخرى، وبقية المجموعة تراقب في حيرة الحديث الدائر بين العجوز والشاب، وما رده على سؤال زميلهم، بانتظار خروج الطبيب، وعلى شفتيه ابتسامة مطمئنة.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة