مُنهك مريض تكاد عظامه تتحمل شحوم جسده الضئيلة بالكاد، تقابلت معه خلال سقوطه بجواري على درج الأسانسير بالدور الأرضي في أحد المستشفيات "نحو الحياة ببطيء"، سند علي كتفي وقال "شد حيلك أنت بتقع من دلوقتي" ، نظرت إليه وحاولت أن أقنع ملامحي برسم أي تفاصيل ابتسامه ومازحته "أقع مين إحنا بعون الله بسبع أرواح على رأي صديقتي نورا وانتهت المقابلة بتلك السيناريو البسيط، ولكنني قابلته مرة أخرى علي باب العيادة وعندما رآني قال للممرضه "دخلي الراجل ده قبلي أصله عاوز يعمل فيها عنتر ومش قادر يقف".
جلس بجواري في انتظار الدور وهنا عرفت إنه مصاب بنفس المرض اللعين الخبيث الذي نشأت بيننا عداوة دون سبب فهو الذي أتى إلينا محتل أعضائنا ينهش فيها، فتذكرت أحد أغاني المهرجانات "أروح فين يا زمن قولي خالي محمد كل ورث أمي " فقد أتى إلى لياخذ ميراثي من الصحة والسعادة".
تحدث معي عم محمود وقال إنه في كل مرة يأتي لتلقي جرعة العلاج يرفضون لأن نسب المناعة والحديد بجسده تمكن منها المرض، فعرضت عليه بعض أدوية لإنعاش الشهية وأخرى مكملات الغذائية لتساعده على تخطي حاجز الحد الأدنى من المناعة لاستكمال علاجه، وتبادلنا أرقام الهواتف، ووجدته يتواصل معي ليطمئن علي من فترة لأخرى والغريب في الأمر أنه كان يتصل بي في أكثر فترات يتمكن المرض مني فيها.
وفي أحد الجلسات وأنا مستيقظ وحدي بالغرفة بالمستشفى.. أحد الأشخاص يدق الباب وبالطبع طالما يستأذن الدخول فهو غريب، وبالفعل دخل شاب في العشرينات من عمره وأخبرني أنه ابن عم محمود وأنه ترك لي رسالة قبل وفاته، وأوصى بأن تصلني يقول فيها نصاً صديق الدرج " عفواً.. مقدرتش أكمل.. بس أنت هتقدر" بكيت حزناً عليه واحتفظت بتلك الرسالة في محفظتي، ولا أعلم من أين جاء يقين عم محمود وثقته بعبوري لخط الأمان.