17-1-2025 | 18:24
هبة عادل
هل ممكن أن يأتي يوم واحد في عمر كل منا حاملا معه صدفة ، أو أمل يحيي الحياة أو حدث ما تتغير معه الحياة ويصبح هذا اليوم محددا أن ما قبله غير ما بعده ؟
الإجابة:نعم ممكن، و إجابة هذا السؤال هي مفتاح فيلم " بضع ساعات في يوم ما " ،الذي يطرح بدوره سؤال أخر : هل يستطيع أحد أن يعيش وحيدا ويكون سعيدا ؟ أم أن الوحدة هي بيت الداء للعديد والعديد من المشاكل الاجتماعية والنفسية وربما الصحية ايضا ؟
فيلم" بضع ساعات في يوم ما "يقول عنه البعض انه فيلم رومانسي يجمع الحب بين أبطاله وأنا شخصيا رأيت أن الوحدة والرغبة في البحث عن شريك ايا كان حبيب أو صديق أو حتى مجرد السند النفسي .. هو ما يجمع أو هو العامل المشترك المتكرر بين قصص أبطال الفيلم، لا سيما وأنه قد جاء في شكل ثنائيات على مدار الأحداث، ومن ثم فإن تعدد القراءات والتي قد يراها البعض بشكل وأنا بشكل وغيري بشكل أخر، قد رمى بأبعاد الفيلم إلى سمة نقاط فلسفية جاءت بشكل السهل الممتنع ،كما رسم مؤلف ومخرج العمل الشخصيات والأدوار التي تطورت من خلالها الأحداث في إطار يوم واحد وتحديدا عبر ثمان ساعات تسلم كل ساعة منها الأخرى، فنجد بداية .. الثنائي ( مي عمر وأحمد السعدني) وهما زوجين يحتفلان بعيد زواجهما الثالث ولأنه أي الزوج مهوس بفكرة" السوشيال ميديا" حتى جعل منها مصدرا لدخله ورزقه فهو يصور كل كبيرة وصغيرة في حياته وحياة زوجته للحصول على" التريند" ومن ثم الأموال، فحتى الاحتفال بعيد زواجهما قرر فيه أن يصور هو وزوجته كل الأماكن التي جمعتهما قبل الزواج وشهدت قصة حبهما وتطورها ، و عندما تتضجر الزوجة" مي عمر" من استباحة حياتها على هذا النحو ،تواجه الزوج بأن كل ما يبغيه ليس أن يسعدها أو حتى أن يشاهد الأخرين هذه السعادة ولكن كل ما يهمه هو الهدايا التي تأتي اليها من المتابعين الذين يسعون في نهاية الأمر للوصول لها هي شخصيا ، وأن هذا الأمر لا يعنيه ، فتقوم بينهما مشاجرة تريد من خلالها فضحه بفتح التصوير" اللايف" بينما هو لا يعلم فيقوم أثناء الشجار بضربها بالحزام ما يوضح أمام الناس قسوته وانه زوج مزيف وأنهما ليسا في حالة السعادة التي يصدرها للجمهور وهي قضية مهمة جدا، كثيرا ما تناقش بين ما يصدره الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي وأنها قد لا تكون الحقيقة، وقد تكون الحقيقة أمرا على غير ذلك 180 درجة .
أما الثنائي الأخر فهو( هشام ماجد وهنا الزاهد) التي تهم لقيادة سياراتها في إتجاه السفر لزيارة والدها الذي يقبع في احد المستشفيات في منطقة بعيدة عن القاهرة ولشدة توترها وقلقها على والدها تخشى القيادة وحدها ،فتصطحب معها شخص عندما تساله عن وصفه للطريق يتبرع بمساعدتها وهو الفنان هشام ماجد، فتأمن له وتسمح له بالركوب معها حين يعرض ذلك وخلال الطريق يتبادلان الأحاديث للتعارف على شخصيات بعضهما البعض، فتروي له أن والدتها قد فارقت الحياة وهي طفلة وتولاها بالرعاية والحنان هذا الوالد المريض الأن و الذي تتعلق به ممثلا بالنسبة لها كل الحياة ،و يأتي خبر هاتفيا عبر طبيبه المعالج يبلغها برحيل الوالد وهي على الطريق، فتنهار تماما إلى أن تصل اليه و هي تصارع الزمن والوقت للوصول اليه حتى تلحق ل"دفنته "ويقف بجوارها مساندا تماما هذا الصديق الذي تعرفت عليه عبر الطريق ، و يعدها بعد دفنة والدها انه لن يتركها ابدا ، بل يتقدم لخطبتها ليكملا مشوار الحياة معا .
قضية جدلية أخرى أثارها النجمان( محمد الشرنوبي وأسماء جلال) فهو خطيبها الذي يحبها كثيرا ويغار عليها، أما هي فقد قبلت به لتعوض نفسها جرحا من فراق حبيبها الذي تركها غدرا وتزوج من أخرى، فتحاول أن ترتبط بشريك أخر ولكنها من الداخل لا تحبه وما زالت مشاعرها ملك للرجل الأول ولذلك يشعر دائما الخطيب الجديد بالشك والريبة، لا سيما وأنه قد كشف بالفعل كذبتها عليه حين قالت له إنها مع أخيها وعندما إتصل بهذا الاخ قال: انها ليست معه وعندما واجهها بذلك الأمر، بل و واجه والدتها أيضا النجمة" حنان سليمان" التي تجلس تنصح ابنتها بأنها يجب ان تبتعد عن مشاعرها تجاه هذا الرجل الذي خدعها وأن تكمل مع الخطيب المحترم الجديد، فتعترف لها بأنها ما زالت بالفعل غير قادرة على نسيان هذا الأول وفي تطور الأحداث يذهب الخطيبان الجديدان إلى الزوج أو الخطيب الأول "محمد مهران" وزوجته" ناهد السباعي" ليتعرف" الشرنوبي" من" مهران " على حدود هذه العلاقة فيتعامل "محمد مهران" بدونية شديدة حيث يكذب ويقول للخطيب الجديد : أنه حاول الابتعاد عنها كثيرا ولكنها هي التي تطارده ، فيما يرمي إلى علاقة غير شرعية جمعتهما، ولكن تثبت براءة أسماء جلال الزوجة" ناهد السباعي" التي تعترف بأن زوجها شخص كذاب وسييء للغاية ولا يجب لأحد أن يصدقه ويهدم حياته من أجله، وعندما تستفيق أسماء جلال على حقيقته وانه سييء الأخلاق للدرجة التي يستبيح فيها تشوية سمعتها بالكذب ، تعود لإستكمال حياتها مع الخطيب الجديد الذي يثبت لها أنه يحبها بالفعل لدرجه أنه قادر على أن يغفر لها ويسامحها كل ما مضى ويتقدمان لحياة جديدة هادئة مستقرة . وفي تشابك جديد لشخصيات أخرى في إطار العمل نجد علاقة( هدى المفتي) وحبيبها( محمد سلام) المتوترة دائما نظرا لغيرته الشديدة عليها ، ما يجعلها تنفر منه وتستسلم للتعارف عبر الهاتف مع شخص جديد يعاني هو الأخر من الوحدة ، حيث فقد زوجته وابنه وتحطم نفسيا تماما ويعيش حالة من التدمير النفسي البالغة، فيلجأ للتعارف عبر الهاتف مع أي فتاة تبادله الحديث، فتستجيب" هدى" لذلك الإتجاه ويسعدها حديثه ، فهو متفتح على عكس شخصية حبيبها ، ولكن هذا المتحدث عبر الهاتف ،لا يستطيع الخروج من شرنقته الحزينة حتى تنتهي به الأحداث لإلقاء نفسه منتحرا من الدور ال 14 تاركا لها صدمة كبيرة رغم تعارفهما لمدة ساعات عبر التليفون، بينما في الخلفية تظهر شخصية "محمد سلام "الغيورة ويحكي عن نفسه لصديقه" خالد أنور "وهما في طريقهما للسفر يشهدان حادث سير وانقلاب لسيارة تستقل الفنانة " مايان السيد" يذهبان بها إلى المستشفى ويقفان على علاجها ، فيعجب بها "خالد أنور" ويقف بجوارها و يكتشف أنها مصابة بحالة عصبيه نادرة تسبب لها ارتعاش في الرأس وحركات عصبية تشنجية وبالبحث عن جذور هذه الأزمة ، تأتي والدتها الفنانة" عبير منير" وزوجها لزيارة ابنتها ، و ترتاح مايان السيد للحكي عن مأساتها الحقيقية ل"خالد أنور" الذي ارتاحت اليه ، فتصرح ان بداية مأساتها كانت في انفصال والدها ووالدتها عن بعضهما البعض و هي طفلة ،كما تعترف له بأن زوج والدتها كثيرا ما يحاول التحرش بها ، فيقف له "خالد أنور" بالمرصاد مهددا إياه إذا كرر فعل هذه التصرفات والأفعال المشينة .
أما نهاية الفيلم فتأتي في صورة " فلاش باك "حيث لقطة تجمع بين كل أبطال العمل وهم مجموعة أصدقاء على" جروب واحد" تحكي لهم" مي عمر" على أسطورة " الثمان ساعات" وأنها قرأت في علوم الطاقة أن لو مجموعة تمنت أمنية واحدة في وقت واحد ، فبعد ثمان ساعات ستتحقق ، فكل شخص يسجل أمنيته ولا يستمعون إليها ا٦لا بعد الثمان ساعات، ليروا هل تحققت أم لا، وبالتالي تختتم أحداث الفيلم كما مرت بنا لنتعرف هل بالفعل تحقق لكل منهم ما تمناه أم لا . وفي ظهور خاص يظهر النجم" كريم فهمي" الذي جاء دوره خلال العمل بالكامل من خلال الصوت فقط عبر الهاتف وهو يحدث" هدى المفتي" وهي درجة من الثقة الفنية في النفس إذا جاز التعبير ،حيث يظهر في لقطة واحدة فقط ويكتفي بصوته في العمل بالكامل، فيما لا يمكن إنكار أن جميع الأبطال قد قدموا وهم كوكبة من نجومنا الشباب اللامعين، قدم كل واحد دوره بنضج حيث هذا الفيلم من نوعية الأعمال التي تعتمد على تجسيد أبعاد نفسية صعبة ، لكنهم أجادوها جميعا ، فيما لعب المونتاج في هذا العمل دور رئيسي للمونتير" عبد الرحمن كرم الدين" حيث جاء تتابع المشاهد في هارموني كبير لاسيما وأن نقطتان صعبتان توجدان في هذا العمل ،حيث أنه يمر كله في ثمان ساعات وفي أماكن متفرقة بين التصوير الخارجي والداخلي، بخلاف فكرة أن العمل يعتمد على ثنائيات وقصص مختلفة ومتفرقة تحتاج إلى ضبط إيقاع الانتقال بين دويتو و أخر، وحدث و أخر ومشهد وأخر، حتى لا تتشتت في ذهن المشاهد تتابعيه الأحداث والاستمتاع بها ايضا، كما جاء النص مميزا و الذي شارك في كتابته عن رواية المؤلف محمد صادق ، السيناريستان" نورهان أبو بكر وشدان زهران" و استطاعتا تجسيد الأحداث بصورة مفرطة الإحساس والحساسية للانتقال بين مشاعر الرغبة في الحرية أو في الحب أو في الخروج من حالة وحدة أو خوف أو الم، كما ساهمت الموسيقى التصويرية للموسيقار" نابلسي" في خلق حالة متوازية مع كل أحداث الفيلم بقيادة المخرج المتميز " عثمان أبو لبن" .