كشف تقرير أعده المنتدى الاقتصادي العالمي المنُعقد حاليًا في نسخته لعام 2025 في مدينة دافوس السويسرية عن مخاطر اقتصادية كبيرة ناجمة عن تزايد التجزئة الجيو-اقتصادية في دول كثيرة حول العالم وقدَّر أن تكلفتها تفوق تلك التي تكبدها النظام العالمي إبان أزمتى 2008 المالية أو جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19".
ورجح التقرير الذي جاء تحت عنوان "التنقل في نظام مالي عالمي متجزئ"- ونُشر اليوم الخميس عبر الموقع الرسمي للمنتدى- احتمالية أن تُكلف السياسات المرتبطة بالتجزئة الاقتصاد العالمي ما بين 0.6 تريليون إلى 5.7 تريليون دولار، أي نحو ما يصل إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بسبب انخفاض حجم التجارة وتدفقات رأس المال عبر الحدود، بالإضافة إلى فقدان الكفاءات الاقتصادية. كما يمكن أن تؤدي هذه التجزئة في سيناريو أكثر قتامة إلى زيادة التضخم العالمي بأكثر من 5%.
وأظهر التقرير، الذي تم تطويره بالتعاون مع شركة "أوليفر وايمان" الرائدة عالميًا في مجال الاستشارات الإدارية، أن التأثير الاقتصادي الناجم عن تزايد التجزئة الجيو-اقتصادية قد يفوق الاضطرابات التي سببتها الأزمة المالية العالمية في عام 2008 أو جائحة كوفيد-19.
ومع تزايد استخدام الدول لنظامها المالي لتحقيق أهداف جيوسياسية، كما يظهر في ارتفاع نسب العقوبات بنسبة 370% منذ عام 2017، إلى جانب تقديم الإعانات وسياسات صناعية ومناقشات حول إنشاء هياكل مالية موازية، دعا التقرير صانعي السياسات إلى اعتماد استراتيجيات اقتصادية تعزز التعاون والتنمية المستدامة والمرونة في الاقتصاد العالمي.
وتعليقًا على ذلك، يقول ماثيو بليك، رئيس مركز النظم المالية والنقدية في المنتدى الاقتصادي العالمي:" التكاليف المحتملة للتجزئة على الاقتصاد العالمي مذهلة. أمام القادة فرصة حاسمة لحماية النظام المالي العالمي من خلال نُهج مبدئية".
وبحسب التقرير، فإن تأثير التجزئة الجيو-اقتصادية على معدلات التضخم ونمو الناتج المحلي الإجمالي يعتمد بشكل كبير على السياسات التي يتبناها القادة العالميون. ومن خلال اتباع نهج مبدئي، يمكن لصانعي السياسات تطوير استراتيجيات مناسبة لاقتصاداتهم ومجتمعاتهم مع الحد من الآثار غير المقصودة على تكاليف المعيشة ونمو الناتج المحلي الإجمالي. على سبيل المثال، تُظهر نماذج العلاقات التجارية أن نمو الناتج المحلي الإجمالي قد ينخفض بمقدار 10 أضعاف في سيناريو يشهد فك ارتباط كامل بين الكتل الشرقية مثل الصين وروسيا والغربية مثل الولايات المتحدة وحلفائها مقارنة بسيناريو أقل تجزئة يتم فيه تقييد تدفقات رأس المال والتجارة فقط في المجالات الحساسة المتعلقة بالأمن القومي والتنافسية. وبالمثل، سيكون معدل التضخم أعلى بنحو 9 أضعاف في هذا السيناريو مقارنة بالسيناريو الأقل تجزئة.
وأضاف أنه في سيناريو التجزئة الأكثر تطرفًا، من شأن الانفصال الاقتصادي الكامل بين الكتلتين الشرقية والغربية أن يجبر البلدان غير المنحازة على التجارة حصريًا مع شركائها الاقتصاديين الأكثر أهمية. وقد تشهد هذه الدول انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 10٪، وهو ما يقرب من ضعف المتوسط العالمي مع تحمل الهند والبرازيل وتركيا والاقتصادات الناشئة في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وجنوب شرق آسيا العبء الأكبر.
ويقول مات ستراهان، رئيس الأسواق الخاصة في المنتدى الاقتصادي العالمي:" سياسات التجزئة لا تؤدي إلى تغذية التضخم فحسب، بل تؤثر أيضًا سلبًا على آفاق النمو الاقتصادي، خاصة في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية التي تعتمد على نظام مالي متكامل لاستمرار تنميتها. ومن خلال حماية سلامة ووظائف النظام المالي العالمي، بما في ذلك من خلال ضمان احتفاظ الجهات الفاعلة بحقها في التعامل مع نظرائها عبر الطيف الجيوسياسي، يمكن للقادة تقديم نظام مالي أكثر فعالية لجميع أصحاب المصلحة".
وقدم التقرير مبادئ، وضعها أكثر من 25 من الرؤساء التنفيذيين والأكاديميين وغيرهم من القادة في القطاع المالي، لحماية النظام المالي العالمي من التفتت والتجزئة وتدعم هذه المبادئ الأداء الفعال للخدمات المالية على مستوى العالم وحمايتها في الحد من آثار التفتت في النظام المالي وكذلك وضعت ثمانية شروط رئيسية للحفاظ على عمليات النظام المالي وثقة السوق، بما في ذلك احترام سيادة القانون وحقوق الملكية والتشغيل البيني للنظام وتجنب المصادرة الأحادية الجانب للأصول السيادية.
ويضيف دانييل تانيباوم، الشريك والقائد العالمي لممارسات مكافحة الجرائم المالية في "أوليفر وايمان":" تستخدم الدول بشكل متزايد تدابير الحكم الاقتصادي مثل العقوبات وضوابط التصدير والتعريفات الجمركية كجزء من مجموعة أدوات السياسة الخارجية الخاصة بها، مما يجعل من الأهمية إنشاء إطار حاكم لتجنب الصدمات غير المقصودة للاقتصاد العالمي. يعد هذا التقرير الجديد بمثابة دعوة للقطاع الخاص للعمل لضمان مراعاة الحكومات لاستقرار السوق والازدهار العالمي عند نشر السياسات الاقتصادية."