في الذكري الخمسين لرحيل فنانة الشعب العربي أم كلثوم، لايزال عشقاها إلي اليوم يبحثون على شبكة الإنترنت، عن تسجيلاتها المفقودة، التي من بينها نحو عشرين أغنية قدمتها أم كلثوم للملك فاروق في مناسبات مختلفة في الفترة التي جلس فيها على عرش مصر من 1936 وحتى 1952، لم يعد متاحا من تلك الأغاني اليوم سوى أربعة أعمال، وفي الوقت الذي يتداول فيه عشاق محمد عبدالوهاب تقريبا كل ما غني بصوته للملك فاروق، يكبر السؤال هنا، أين ذهبت باقي أعمال أم كلثوم للملك؟
الجواب الصادم ببساطة هو أن أم كلثوم هي من قامت بمسحها وإتلاف أشرطتها بنفسها في مبني الإذاعة بعد قيام الحركة المباركة "ثورة يوليو" بسبعة أيام فقط! لكن لماذا أقدمت أم كلثوم دون غيرها من المطربات والمطربين على إتيان مثل هذا الفعل، مع الأخذ في الاعتبار أن معظم مطربي مصر في عصر فاروق غنوا له من محمد عبد الوهاب لفريد الأطرش لفتحية أحمد ومحمد فوزي ورياض السنباطي وآخرين، منذ كرست الاذاعة المصرية عند تأسيسها عام 1934 الغناء للملك فؤاد ولنجله الملك فاروق من بعده في مناسبات عيد ميلاده وعيد جلوسه على العرش، وفي زواج فاروق وفي عيد زواجه وفي مولد أنجاله وحتى في زواج شقيقته فوزية من ولي عهد إيران الأمير رضا بهلوى، حيث تصدرت أم كلثوم المشهد كأكثر مطربة مقربة إلى القصر وأكثر مطربة دعيت وغنت داخل قصر عابدين على الإطلاق. هل كانت أم كلثوم بحاجة إلى القيام بذلك لإثبات ولائها للضباط الأحرار وللحركة المباركة؟ ومن ثم تنصلها من فعل قامت به تجاه الملك فاروق بأريحية شديدة مرارا وتكرارا في "العهد البائد"، وهل كان تصرفها ذلك ينطوى على قدر ما من الانتهازية؟
نحاول العثورعلى إجابة عن تلك الأسئلة في هذا التحقيق. أم كلثوم تتطهر ! الخبر الصادم نشرته مجلة "الكواكب" في عددها الصادر يوم الثلاثاء الخامس من أغسطس 1952، تحت عنوان "تطهير" جاء فيه: "توجهت الآنسة أم كلثوم في الأسبوع الماضي إلى محطة الإذاعة لتشرف بنفسها على تنقية بعض الأغاني من فقرات خاصة بالعهد الماضي، ولانتزاع هذه الفقرات من التسجيلات حتى يمكن إذاعتها نقيّة خالصة ليسمعها شعب حرّ كريم. وقد تناولت التغييرات تسجيلات عدة، أُلغي بعضها، وحُذف الكثير من البعض الآخر، وتمثل الصورة الآنسة أم كلثوم وهي تستمع إلى أغانيها بعد حذف بعض الفقرات منها".
نشر هذا النص تحت صورة لأم كلثوم التقطها مصور "الكواكب" تبدو فيها أم كلثوم في استديو الإذاعة وهي تشرف على عملية المسح والحذف، ويعود تاريخ التقاط الصورة إلي يوم الجمعة الأول من أغسطس 1952، أي بعد سبعة أيام فقط من قيام الحركة المباركة كما سميت وقتها. هل حقا منعت أم كلثوم من الإذاعة طبقا لرواية الكاتب الصحفي مصطفى أمين، منعت أغاني أم كلثوم من الإذاعة بقرار من مندوب الضباط الأحرار "أركان حرب الإذاعة" الذي أسندت إليه مهمة الإشراف على الإذاعة بعد الثورة، وأن أم كلثوم لاحظت اختفاء أغانيها من خارطة الإذاعة فاتصلت بأمين تستفسر منه عن الأمر، وبعد اتصالات منه علم بقرار منع أغانيها باعتبارها من "رموز العهد البائد" حسب توصيف أمين، فأبلغ بدوره الأمر إلى جمال عبد الناصر، الذي استغرب القرار واتصل من فوره بالمسئول عن الإذاعة وطالبه بإلغاء القرار وقال لهم:
" إذا كانت أم كلثوم من رموز العهد البائد فلماذا لا نردم النيل ونهدم الهرم فهما كذلك من رموز العهد البائد ". ورواية مصطفى أمين هي الوحيدة تقريبا عن تلك الواقعة ولم تتطرق إليها أم كلثوم في أي من أحاديثها الصحفية كما لم تشير إليها في المقال الذي كتبته لمجلة "الهلال" في أكتوبر من عام 1971 وحمل عنوان "كيف عرفت عبد الناصر"، ولا توجد على الإطلاق رواية لشخص آخر تؤكد على حدوث مثل تلك الواقعة، وإن وجدت يكون صاحبها قد أخدها عن مصطفى أمين، ومصطفى أمين كان مقربا من الملك فاروق ومن أم كلثوم ومن الضباط الأحرار بعد قيام الحركة المباركة. لكن لا أحد يعرف على وجه التحديد متى تم منع أغاني أم كلثوم من الإذاعة ومتى ألغي القرار وكم يوما استمر ذلك المنع، وعند مراجعتنا لبرامج الإذاعة كما نشرتها مجلة "الإذاعة المصرية" في أعدادها الصادرة خلال شهري يوليو وأغسطس كانت أغاني أم كلثوم حاضرة في برامجها، وكانت الأغاني الأكثر بثا هي قصيدة "مصر تتحدث عن نفسها" وقصيدة "النيل" وقصيدة "السودان" وقتها لم تكن أم كلثوم قد سجلت بعد أغنية " صوت الوطن" أو "مصر التي في خاطري"، وقد يعطي ذلك إيحاء بأن المنع لم يحدث.
لكن إذا وضعنا في عين الاعتبار أن برنامج الإذاعة الذي تنشره مجلة "الاذاعة المصرية" هو برنامج تم إعداده سلفا لينشر في المجلة التي تصدر صباح كل سبت يتضمن ما ستقدمه الإذاعة من أغنيات في الأسبوع المقبل، وأن هذا البرنامج قد ثحدث فيه تعديلات بسبب أمور طارئة، ربما يكون قد حدث هذا المنع على الأرجح خلال الأسبوع الأول من حركة الجيش. وبناء على هذا الترجيح يبدو أن ذهاب أم كلثوم إلى دار الإذاعة في شارع الشريفين وقيامها بمسح أغانيها للملك فاروق قد جاء في إطار تسوية ما بينها وبين الضباط الأحرار، إذ يبدو من الصعب أن يسمح لفنان أن يدخل مبنى الإذاعة ويحصل على أشرطة أغانية من مكتبتها ودخول غرفة خاصة بالمونتاج ومن ثم مسح الأشرطة تحت إشراف أحد المهندسين دون الحصول على موافقة القيادة. خصوصا و أن أم كلثوم قامت بذلك الفعل في اليوم التالي لبيان القائد العام للقوات المسلحة وقتها محمد نجيب، الذي دعا فيه "الأحزاب والهيئات إلى تطهير صفوفها كما فعل الجيش" وهو البيان الذي بثته الإذاعة بصوته، وكانت أم كلثوم أول من استجاب إلى تلك الدعوة، رغم أنها فنانة وليست حزبا أو هيئة، لكنها حقيقية أكبر منهما فهي أحد أكبر عناصر قوى مصر الناعمة في المنطقة.
بالتأكيد أن قرار منع أغاني أم كلثوم وحدها كان قرارا جانبه الصواب وسوء تقدير ممن اتخذه أيا كان، إذ انطوى على نوع من التشكيك في وطنية قامة بحجم أم كلثوم خصوصا وأنها قامت بتأييد حركة الجيش من فورها كما ذكرت في مقال كتبته لمجلة "الهلال" في أكتوبر 1971،حيث جاء فيه حسب روايتها : "كان المؤذن قد انتهى لتوه من أذان الفجر. حين اتصل بي ابن أختي - وكان يومئذ ضابطًا بسلاح،الإشارة،وقال،لي: "أبشري. لقد حقق الله سبحانه وتعالى الأمل الكبير الذي طالما كنت تحلمين به.
لقد قامت الثورة. إسمعي الإذاعة"، كنت يومئذٍ أصطاف بالإسكندرية. وهرعت إلى الراديو. وسمعت أنور السادات بصوته القوي المؤمن يبشر الناس بقيام الثورة. ويتلو البيان الأول الذي خرجت مصر على صيحته تتنسم أنفاس الحرية. كان شيئًا كالأحلام. بل أجمل من الأحلام. ونهضت على الفور وأعددت عدتي للسفر إلى القاهرة. اتجهت إلى مطار الإسكندرية وهناك وجدت بعض أعضاء الوزارة القائمة يومئذ - وزارة نجيب الهلالي - يتأهبون لركوب الطائرة لتذهب بهم إلى القاهرة وسألني أحد، الوزراء: لماذا أنت ذاهبة إلى القاهرة؟ قلت له بمنتهى الصرامة: قل لي أنت لماذا أنتم ذاهبون إلى القاهرة؟ وذكرت له سبب ذهابه، واستغربت لأنني كنت واثقة أنهم ذاهبون لعلهم يحاولون الوقوف في وجه القدر، ولكن يد الله كانت فوق أيديهم وبقيت الثورة وإستقرّت في أعماق التاريخ أما هم فقد ذهبوا مع الريح. ونزلت من الطائرة وذهبت إلى إدارة الجيش بكوبري القبة رأسًا لأهنئ الأبطال الثائرين على الظلم والبغي والطاغوت الذين وثبوا ليضعوا نهاية تاريخية لعهود الظلام وكنت أتصوّر وأنا أتسرّب إلى مبنى إدارة الجيش أنني لن أعرف منهم أحدًا، ولكني عندما قلبت عينيّ في وجوه هؤلاء الأبطال لم ألبث أن تبينت أنني أعرف من بينهم تلك الوجوه الحبيبة المؤمنة وجوه أبطال الفالوجا الذين احتفيت بهم في بيتى منذ أربع سنوات وفي طليعتهم وجه جمال عبد الناصر وتصافحنا للمرة الثانية. وقد ازداد في عينيه هذه المرّة بريق الإصرار على النصر". إذن يبدو من الإجحاف وصف تصرف أم كلثوم بالانتهازية في هذه الواقعة فالمطربة الكبيرة التي شقت طريقها في الصخر وطافت قرى ونجوع مصر على ظهر حمار حتى صعدت إلى قمة المجد الفني وتربعت على عرش الغناء العربي، فجأة ترى كل ماحققته على مدى أكثر من ثلاثة عقود يتداعى أمامها، فماذا كان يتوجب عليها أن تفعل؟
أن تتشبث ببضع أغنيات يقال لها "أغاني مناسبات"، كان أمر عدم إذاعتها لاحقا هو تحصيل حاصل، وحتى تلك الأغاني التي قدمت في مدح الملك فؤاد توقف بثها إذاعيا خلال عهد نجله فاروق، وطبيعى أن أغنيات فاروق ستمنع في العهد الجديد، كما أن تلك الأغاني لاتمثل ذروة نتاج أم كلثوم الغنائي، فهي أولا وأخيرا أغاني مناسبات، وفي النهاية اختارت أم كلثوم أخف الضرر .
الاقتراب من رأس السلطة أكثر من عشرين أغنية خاصة قدمتها أم كلثوم للملك فاروق الذي يحل عيد ميلاده في الحادي عشر من الشهر الجاري فبراير، وهو العيد الذي طالما أحيته أم كلثوم غناء مع عيد جلوسه على عرش مصر في السادس من مايو 1936،وهما العيدان الرسميان اللذان كانت تحتفل بهما الإذاعة المصرية بتقديم أغاني للملك يشارك في تقديمها كل مطربي ومطربات مصر وشعرائها وملحنيها، وليس أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب فقط، ولكن كونهما أكبر قامتين في الغناء العربي وضعا كما نقول بالعامية "في بوز المدفع" وأصبحت تكال لهما الاتهمات بالنفعية والانتهازية والنفاق دون غيرهما من باقي مطربي مصر! أول أغنية قدمتها أم كلثوم للملك كانت على الأرجح التي قدمتها خلال الاحتفال بعيد ميلاد الملك فاروق الأول بعد جلوسه على عرش مصر خلفا لوالده الملك فؤاد، في الحادي عشر من فبراير 1937 حيث دعيت أم كلثوم إلى قصر عابدين للغناء احتفالا بالمناسبة، وحسب مجلة "آخر ساعة" في عددها رقم 137 الصادر في فبراير 1937 :
"أقيمت يوم الخميس الأسبق في قصر عابدين العامر حفلة ساهرة احتفاء بعيد ميلاد صاحب الجلالة الملك المحبوب وقد شرفها جلالة الملك، وبقى إلى ما بعد منتصف الليل بقليل، ثم بارح القصر عائدا إلى سراي القبة العامرة، وبدأ الحفل بمقطوعة موسيقية، ثم الأستاذ محمد عبد القدوس، فألقى منولوجه المعروف "التلميذ العبيط"، أو قصيدة "السموأل"، ورفع الستار بعد ذلك عن الآنسة أم كلثوم وسط أفراد تختها الخاص، فألقت نشيد "عيد ميلاد جلالة الملك"، الذي أعدته خصيصا لهذه المناسبة السعيدة، وهو من نظم الأستاذ أحمد رامي، وتلحين الموسيقار رياض السنباطي". وهو النشيد الذي يقول مطلعه :
"اجمعي يامصر أزهار الأماني يوم ميلاد المليك / واهتفي من بعد تقديم التهاني شعب مصر يفتديه" وبعد أن انتهت منه طلب منها الملك عبر أحمد حسنين باشا أن تغني "نشيد الجامعة" أو "نشيد ياشباب النيل" الذي غنته في فيلم "نشيد الأمل" من كلمات رامي وألحان السنباطي، فغنته دون مصاحبة تختها لأنها لم تكن قد أجرت بروفات له، وفي الاستراحة وبعد افتتاح جلالته للمقصف الفاخر الذى أعد للمدعوين أرسل لها جلالته صاحب العزة محمد بك حسين يستدعيها لمقابلته، وعندما مثلت بين يدي جلالته مد يده إليها يصافحها مبتسما يقول:
" أهنيك يا فندم دي حاجة عظيمة جدا"، والتفت صاحب السمو الملكي الأمير محمد على وقال لها وهو يبتسم :"إوعى تفتكرى علشان إننا ماقولناش آه وكمان، إننا ماكناش مبسوطين بالعكس إحنا جدا ومبسوطين خالص"وبعد أن غادرت أم كلثوم، أثنى الملك على فنها والتفت إلى من حوله وقال "دي حاجة تشرفنا صحيح أمام الأجانب". لم تكد تمضي أشهر قليلة حتى استدعت أم كلثوم مجددا للغناء في قصر عابدين احتفالا بمباشرة الملك لسلطاته الدستورية بعد بلوغه سن الرشد، في التاسع والعشرين من يوليو 1937 حيث غنت قصيدة خاصة بهذه المناسبة كتبها الشاعر أحمد رامي ولحنها رياض السنباطي حسب مانشرت مجلة "الراديو المصري" يقول مطلع القصيدة :"جل من هناك بالملك السعيد يامليك النيل في العصر الجديد / نعمة أسبغها الله على عهدك الزاهي وواديك الرغيد".
أزمة التوثيق لأعمال أم كلثوم من المخجل حقا أنه وحتى اليوم وبعد مرور 50عاما على رحيل أم كلثوم ليس هناك موسوعة أو كتاب يضم بين دفتية أعمالها موثقة تاريخيا بشكل دقيق، وجميع ما صدر منها حتى اليوم يعج بالأخطاء والمغالطات ويفتقد إلى الدقة بما في ذلك الموسوعة التي أصدرتها مكتبة الإسكندرية ووضعها المؤرخ محمود كامل والدكتورة إيزيس فتح الله، وأنا أقودكم في جولة هنا لما ورد في الموسوعة من أغان خاصة بالملك فاروق، وحسب التواريخ التي ذكرت فيها فحسب هذه الموسوعة، أغنية "يامليكي الحسن سجدلك" هي أول أغنية غنتها أم كلثوم للملك من نظم بيرم التونسي وتلحين زكريا أحمد غنتها عام 1936، وأن أم كلثوم عادت وغنت في عيد الجلوس الملكي الأول من العام التالي 1937 لفاروق "ياسنا التاج عالي اللواء" من أشعار أحمد رامي وألحان محمد القصبجي جاء فيها :"عهد فاروق قد تعالى في عهود المالكين / ضم مجدا وجمالا وجلالا في سجل الخالدين / فازرع الخير وزدنا نعمة وأسر في وادي الأماني نسمة /واستبق مجد الأوالي همة".
في العام التالي 1938، غنت لفاروق ثلاث أغنيات، أولها جاءت في حفل زفافه على الملكه فريدة قصيدة "عيد الزفاف الملكي" أو "أشرقت شمس التهاني" في العشرين من يناير الذي أصبح فيما بعد عيدا للزواج الملكي السعيد من كلمات أحمد رامي وألحان رياض السنباطي، تقول بعض أبياتها :"وفرحنا يوم أن قال البشير زفت الشمس إلى البدر المنير / دوحة طابت أصولا ونمت عرضا وطولا / وأحاطتنا بظل نشتهيه وأمدتنا بزهر نجتنيه". والثانية كانت في عيد ميلاد فاروق في الحادى عشر من فبراير غنت "اجمعي يامصر" من تأليف أحمد رامي وألحان رياض السنباطي وهي الأغنية التي أثبتنا أنها صدرت عام 1937 وليس 1938.
والثالثة في مناسبة ميلاد أول طفل للملك فاروق الأميرة فريال في الثامن عشر من نوفمبر غنت قصيدة "يا أغاني السماء هات من الخلد لياليك وارقصي يا أغاني" من شعر محمود حسن إسماعيل وألحان رياض السنباطي. في العام التالي 1939 غنت بمناسبة مرور عام على الزواج الملكي السعيد قصيدة "ارفعي يامصر أعلام السرور" لأحمد رامي ورياض السنباطي، تقول في ختامها: "تمت الآمال للبيت الكريم فارفعي يامصر آيات الولاء / رددي عذب الأغاني واغنمي صفو الزمان / زاده الله هناء ونعيم / يابهي الملك مصر أزينت زينة الأفراح في عيد القران / دمت للنيل سعيدا وازدهت في حمى الفاروق أعياد الزمان".
وفي العام نفسه غنت في مناسبة زواج الأميرة فوزية شقيقة فاروق من الأمير رضا بهلوي ولي عهد إيران طقطوقة "زفة الأميرة فوزية"، تقول في مذهبها: "مبروك على سموك وسموه ده تاج إيران والنيل الغالي / ياللي القمر قالك في علوه أغيب أنا وتطلعي إنتي بدالي " من شعر بديع خيري وألحان رياض السنباطي وهي الأغنية الثانية والأخيرة له مع أم كلثوم بعد الدور الرائع "هو ده يخلص من الله"، يؤكد المؤرخ الراحل محمود كامل على أنها من تأليف أحمد رامي حسب ما ورد في الموسوعة، وقد تأكدنا من نسبها لبديع بعد عثورنا عليها في كتاب "بديع خيري الأعمال الكاملة". جمع وتحقيق ودراسه الدكتور نبيل بهجت الذي صدر مؤخرا عن مكتبة الأسرة، وكان نشرها في مجلة "الصباح" قبل أن تطالعها أم كلثوم وتعجب بها وتختارها لتغنيها، وقد اعتمدت في بحثي هذا على كتاب "أم كلثوم موسوعه أعلام الموسيقى العربية" إعداد محمود كامل وإيزيس فتح الله، الذي يعد أكمل وأشمل موسوعة صدرت عن أعمال أم كلثوم، لكنه وللأسف يعج بأخطاء عديدة في تورايخ الأغاني، بل وفي نسب أغنية من شاعر إلي شاعر ومن ملحن إلى آخر.
وحسب الموسوعة أيضا في العام 1940 وفي الذكري الثانية للزفاف الملكي غنت طقطوقة "يابهجة الروح" لرامي والسنباطي، يقول مذهبها :" يابدر لما جبينك لاح على العيون اللي تراعيك / تمت لنا كل الأفراح وفضلت الأرواح تناجيك / ما أحلاك في سماك فرحان ببهاك يابهجة الروح ياقمر". وفي عيد ميلاد الملك من العام التالي 1942 غنت من شعر رامي وألحان السنباطي "يازمن مرت الايام"، وفي العام نفسه غنت بمناسبة مولد الأميرة فادية ابنه فاروق والملكة فريدة، قصيدة "أميرة الوادي " من أشعار رامي وألحان السنباطي، وفي عيد الجلوس الملكي من عام 1943 غنت لفاروق "لاح نور الفجر في عيد الجلوس " لرامي والقصبجي، جاء فيها ": يامليكا عرشه في دولة العز مكين/ كل قلب في الحنايا راع وأمين / عش لنا يافرحة الوادي/ دم لنا يانجمنا الهادي/ سعدنا في عصرك النادي". وفي مناسبة عيد الجلوس الملكي السعيد العام 1944 غنت "تغنى بحبك موج البحر" أو "تحية الربيع " من أشعار محمود حسن إسماعيل وألحان رياض السنباطي: "أفاروق أنت عزاء الوجود وأنت على كل قلب نشيد / هفا مستجير إليك الصعيد فمزقت عنه ثياب المحن / وعلمته كيف يلقي الزمن ويعلو على الشمس في كل جبل". وفي عيد ميلاد الملك عام 1946 غنت قصيدة "أيقظي ياطير نعسان الورود" من شعر مصطفى عبد الرحمن وألحان رياض السنباطي، وجاء فيها :"
ياحبيب النيل عش واسلم لنا وأعد للشرق ماضيه الحبيب / هلت البشرى على النيل السعيد حينما أشرقت نورا وهدى / وإذا الأيام في ظلك عيد فاض يمنا وصفاء وندى". قصيدة "عيد الدهر" لأمير الشعراء أحمد شوقي وألحان رياض السنباطي غنتها أم كلثوم على الأرجح في عام 1948 حسب مجلة الإذاعة وليس في 1936 كما أورد محمود كامل وإيزيس نظمي في موسوعتهما عن أم كلثوم ذلك حسب مايبدو صوت أم كلثوم في تسجيل الأغنية، قدمت في مناسبة عيد الجلوس، وكان شوقي نظمها عام 1910 مدحا للسلطان محمد رشاد الخامس عند احتفاله بعيد جلوسه على عرش الخلافة العثمانية بعد السلطان عبد الحميد الثاني المعزول عام 1908، ويقول فيها "الملك بين يديك في إقباله عوذت ملكك بالنبي وآله".
وكما يبدو قدمت الأعمال جميعها في قالب القصيدة ماعدا ثلاثة فقط في قالب الطقطوقة. فاروق والملك فيصل والملك عبد العزيز جاءت أم كلثوم على ذكر فاروق في أربعة أعمال أخرى لم تكن مكرسة تماما له أشهرها بالطبع كان غناؤها لفاروق في حفلة النادي الأهلي في الرابع والعشرين من أكتوبر 1944 التي منحها فيها نيشان الكمال من الدرجة الثالثة ولقب صاحبة العصمة، عندما فاجأ فاروق الحضور خلال وصلتها وهي تغني "حبيبي يسعد أوقاته" لبيرم التونسي وزكريا أحمد وعلى العكس ما هو سائد لم تقم أم كلثوم بتبديل كلمات الأغنية لتحيي فاروق بل غنتها كما هي في ضيغتها الأولى حسب مانشرت مجلة "الراديو المصري" نص الأغنية التي قدمت في مناسبة عيد ميلاد الملك في ذلك العام وكانت الاغنية تحمل اسم" يا مليكي" وهذا يعني أنها لم تبدل جملة "وأنت حبيبي" ب "لك يامليكي" بل العكس هو الذي حدث بعد أعوام من تقديمها.
في الحفل نفسه بدلت أم كلثوم كلمات أغنية "ياليلة العيد أنستينا" فقالت: "يا نيلنا ميّتك سكّر وزرعك في الغيطان نور/ يعيش فاروق ويتهنى ونحيي له ليالي العيد" إلى أن تختتمها بقولها "على قدومك في ليلة العيد"، الطريف أن أم كلثوم حيت الملك فيصل الثاني ملك العراق بالأسلوب نفسه عندما زارت العراق عام 1946، فغنت :"يادجلة ميتك عنبر وزرعك في الغيطان نور يعيش فيصل ويتهنى ونحي له ليالي العيد"، كانت تحية لطيفة من المطربة الكبيرة للملك الذي بدل القانون العراقي ليتمكن من منحها وسام الرافدين الذي كان يمنح للرجال دون النساء. أم كلثوم حيت الملك فاروق أيضا في طقطوقة تحمل عنوان "في أوان الورد ابتدى حبي " العام 1945 التي أنشدتها في مناسبة عيد الميلاد الملكي السعيد، من كلمات بيرم التونسي وألحان زكريا أحمد حيث خصته في نهايتها بأبيات تقول فيها "أعياد في كل مكان بيك يافاروق تزدان /متجمعة في أوان فيه الوجود فرحان / في أوان الورد" والأغنية هذه لم يرد نصها في الموسوعة. أيضا في قصيدة "زهر الربيع" للشاعر محمد الأسمر والموسيقار زكريا أحمد، التي غنتها في قصر الزعفران في حضور وفود الدول العربية ملوك ورؤساء بمناسب توقيع ميثاق تأسيس منظمة "جامعة الدول العربية" عام 1945 حيث غنت ضمن القصيدة تقول :
" كفاه أن يد الفاروق ترعاه وأنه أمل للشرق مرتقب ". وفي عام 1946 قدمت قصيدة "سلوا قلبي" في نسختها الأولى للاذاعة المصرية من شعر أحمد شوقي وألحان رياض السنباطي بعد إضافة خمس أبيات شعرية في نهاية القصيدة وضعها الشاعر محمد الأسمر يرحب فيها بقدوم ملك السعودية الملك عبد العزيز أل سعود عند زيارته لمصر، وهي المناسبة نفسها التي غني فيها محمد عبد الوهاب قصيدة "يارفيع التاج من أل سعود يومنا أجمل أيام الوجود" . تقول الأبيات الخمسة التي أضافها الأسمر:" وكيف ينالهم عنت وفيهم يدا ملكين بل روضتين طابا / إذا الفاروق باسم الله نادى رأى عبد العزيز قد إستجابا / فصن ياربنا الملكين واحفظ بلادهما وجنبها الصعابا / هما فجر العروبة أبصرته فقالت يومي المرجو آبا / إذا اتحدت أسود الشرق عزت عروبتهم وصدر الشرق غابا"، عادت أم كلثوم في العام التالي وسجلت القصيدة في نسختها المعروفة اليوم بعد حذف أبيات الأسمر الخمسة. ويورد الدكتور نبيل حنفي في كتابة " الغناء المصري أصوات وقضايا" أسماء أغنيات أخرى قدمتها أم كلثوم للملك فاروق لم يرد ذكرها في الموسوعة وهي :
"يامليك النيل" 1937 و"ياربوع النيل" 1938. قامت أم كلثوم بمسح الغالب الأعظم من تلك الأعمال ولم ينج منها سوى أربعة أعمال من أربعة عشر عملا قدم بأكمله في مدح الملك، وعملان فقط من أربعة ورد فيها تحية للملك، ويعود الفضل فى الحفاظ على هذه التسجيلات إلى أن أكثر من عمل من تلك الأغاني طبع على أسطوانات تجارية ولم يكن في إمكان أم كلثوم أن تحصل عليها جميعا لتقوم بإتلافها وقد بيعت فعلا للجمهور، والأعمال هذه هي قصيدة "أجمعي يامصر أزهار الأماني" التي طبعتها شركة "أوديون" على أسطوانتها، وكذلك قصيدة "أيقظي ياطير نعسان الورود" وقصيدة "عيد الدهر"، فيما قام عشاق أم كلثوم بالحفاظ على كل من "زفة الأميرة فوزية" و"سلوا قلبي" في نسختها الأولى بتسجيلها من الإذاعة المصرية في وقتها باستخدام ألات تسجيل بدائية، وكان الإذاعي الراحل وجدي الحكيم ذكر أن تسجيل "زفة الأميرة فوزية" باعه أحد الهواه في سوق وكالة البلح، أما تسجيل حفلة النادي الأهلي 1944 فكان التسجيل الوحيد في مكتبة الإذاعة الذي نجا من "المذبحة" ويبدو أن أم كلثوم غفلت عنه، فبقي هو التسجيل الوحيد المتبقي في مكتبة الإذاعة المصرية إلى اليوم .