واحدًا من أهم الأدباء في القرن الـ 20، لعبقريته في كتابة وسرد الرواية، وهو أحد أعمدة الأدب العربي الحديث، كاتب أبدع في تجسيد الروح السودانية في كتاباته، ورسم بريشته اللغوية لوحةً أدبيةً غنيةً بالأصالة والحداثة، والذي وُلد في شمال السودان، حيث امتزجت الثقافة العربية والإفريقية، فانعكس هذا الامتزاج على أعماله، التي جاءت مشبعة بالصور البلاغية والتعبيرات العميقة التي تعكس هموم الإنسان وهويته وصراعه مع ذاته ومع العالم من حوله، إنه الأديب والصحفي السوداني الطيب صالح.
تميز أسلوب الطيب صالح بالسرد الشاعري واللغة العذبة التي تمزج بين الفصحى والعامية، مما أضفى على كتاباته طابعًا فريدًا يجذب القارئ إلى عوالمه المتخيلة والواقعية على حد سواء. ومن خلال أعماله، أبرز الطيب صالح قضايا الهوية والانتماء والتناقضات التي يعيشها الإنسان بين إرثه الثقافي والحداثة الزاحفة، كما هو الحال في رائعته الخالدة موسم الهجرة إلى الشمال، التي جسدت ببراعة الصراع بين الشرق والغرب بأسلوب فني مبدع وحبكة روائية متقنة.
إن الطيب صالح ليس مجرد كاتب، بل هو شاعر المعاني العميقة وصانع الصور البديعة، جعل من كلماته جسورًا تربط بين ماضي الإنسان وحاضره، وبين وطنه والعالم، ليبقى أدبه شاهدًا على عبقرية السرد العربي وجماليات، وأطلق عليه النقاد «عبقري الرواية العربية»، عرف اسمه برواية «موسم الهجرة إلى الشمال»، وهي من أهم الروايات في الأدب العربي، وترجمت أغلب أعماله إلى ما يزيد عن 10 لغات.
الميلاد والنشأة
ولد الطيب محمد صالح أحمد، في إقليم مروي شمالي السودان بقرية كرمكول بالقرب من قرية دبة الفقراء، وهي إحدى قرى قبيلة الركابية التي ينتسب إليها، وعاش هناك فترة طفولته، وهو الوحيد الذي حصل على الثانوية العامة من المنطقة.
انتقل بعدها إلى ولاية الخرطوم لإكمال دراسته، ذهب لدراسة تخصص الزراعة من كلية غوردون التذكارية بجامعة الخرطوم، لكنه لم يكمل دراسته في النهاية، ثم عمل مدرسًا للصفوف الإعدادية لفترة من الزمن حتى سافر إلى إنجلترا ليواصل دراسته في جامعة لندن، وغيّر تخصصه إلى دراسة الشؤون الدولية السياسية.
مناصب وظيفية
عمل الطيب صالح لسنوات طويلة من حياته في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية، وتدرج فيها حتى وصل إلى منصب مدير قسم الدراما، ومن ثم قدم استقالته من الـ bbc، ليعود مجددًا إلى السودان ليعمل فترة في الإذاعة السودانية، حتى هاجر إلى قطر وعمل هناك في وزارة الإعلام في منصب وكيل ومشرف على أجهزتها، وعمل بعد ذلك مديرًا إقليميًا بمنظمة اليونيسكو في باريس، وعمل ممثلاً لهذه المنظمة في الخليج العربي.
وكان الطيب صالح كثير التنقل والترحال من بلد إلى أخرى، وحالة الترحال والتنقل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب أكسبته خبرة واسعة بأحوال الحياة والعالم، وأهم من ذلك أحوال أمته وقضاياها وهو ما وظفه في كتاباته وأعماله الروائية، وخاصة روايته العالمية موسم الهجرة إلى الشمال.
أسلوب واتجاه الطيب صالح
كانت كتابة الطيب صالح تتجه بصورة عامة إلى مجال السياسة، وإلى موضوعات وقضايا أخرى متعلقة بالاستعمار، والمجتمع العربي والعلاقة بينه وبين الغرب، في أعقاب سكنه لسنوات طويلة في بريطانيا تطرّقت كتابته إلى الاختلافات بين الحضارتين الغربية والشرقية.
الطيب صالح معروف كأحد أشهر الكتاب في يومنا هذا، وخاصة بسبب قصصه القصيرة، التي تقف في صف واحد مع جبران خليل جبران، وطه حسين، ونجيب محفوظ.
كتب العديد من الروايات التي تُرجِمت إلى أكثر من ثلاثين لغة وهي «موسم الهجرة إلى الشمال» و«عرس الزين» و«مريود» و«ضو البيت» و«دومة ود حامد» و«منسى».
وتعد روايته «موسم الهجرة إلى الشمال»، واحدة من أفضل مائة رواية في العالم، وقد حصلت على العديد من الجوائز، ونشرت لأول مرة في أواخر الستينات من القرن العشرين في بيروت، وتم تتويجه كـ«عبقري الأدب العربي»، وفي عام 2001 تم الاعتراف بكتابه من قبل الأكاديمية العربية في دمشق على أنه صاحب الرواية العربية الأفضل في القرن العشرين.
مؤلفات الطيب صالح على شاشة السينما
أصدر الطيب صالح ثلاث روايات وعدة مجموعات قصصية قصيرة، حولت روايته «عرس الزين» إلى دراما في ليبيا ولفيلم سينمائي من إخراج المخرج الكويتي خالد صديق في أواخر السبعينات، حيث فاز في مهرجان كان.
الطيب صالح في الصحافة
عمل الطيب صالح أيضًا في مجال الصحافة، وكتب خلال عشرة أعوام عمودًا أسبوعيًّا في صحيفة لندنية تصدر بالعربية تحت اسم «المجلة».
رحيل وأثر باق
رحل الأديب المتميز والمتفرد الطيب صالح يوم الأربعاء الموافق مثل هذا اليوم 18 فبراير من عم 2009م، في إحدى مستشفيات العاصمة البريطانية لندن التي أقام فيها، وشيع جثمانه يوم الجمعة 20 فبراير في السودان حيث حضر مراسم العزاء عدد كبير من الشخصيات البارزة والكتاب العرب والرئيس السوداني السابق عمر البشير والسيد الصادق المهدي المفكر السوداني ورئيس الوزراء السابق، والسيد محمد عثمان الميرغني، ولم يعلن التلفزيون السوداني ولا الإذاعات الحداد على الطيب صالح لكنها خصصت الكثير من النشرات الأخبارية والبرامج للحديث عنه.