شهد فرع ثقافة الفيوم، عددا من الفعاليات، تزامنا مع يوم "عمنا.. صلاح جاهين"، الذي أطلقه وزارة الثقافة بمختلف المواقع الثقافية على مستوى الجمهورية، تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، وتنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة اللواء خالد اللبان.
أقيمت الفعاليات بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، حيث نظم قسم الثقافة العامة، صباحا، بالتعاون مع مكتبة الفيوم العامة، ورشة حكي بعنوان "عمنا جاهين"، بحضور طالبات مدرسة ابو السعود الإعدادية، قدمها الأديب أحمد طوسون، كاتب أدب الطفل واليافعين، والذي استهل حديثه بعصف ذهني للطالبات حول مدى معرفتهم بأوبريت "الليلة الكبيرة" للعرائس، وطرح عددا من الأسئلة حول مؤلف الأوبريت، وملحنه، ثم بدأ "طوسون" حديثه عن جاهين بأنه يعد علامة بارزة في تاريخ الفن المصري لكونه يحمل الكثير من علامات التراث الشعبي المصري، وأن هذا الأوبريت كان صوتيا وغنائيا فقط في الإذاعة المصرية، ثم تم تحويله إلى أوبريت بالعرائس، بعد التواصل مع ملحن العمل سيد مكاوي ومؤلفه الشاعر صلاح جاهين، ليتم عرضه على مدار مائة وعشرين يوما في دولة رومانيا ليلقى نجاحا ورواجا منقطع النظير هناك ، كما كان نقطة انطلاقه لأعمال اخرى للعرائس والأطفال من تأليف صلاح جاهين، ولكن تظل الليلة الكبيرة على رأسهم، وقد جلبت الكثير من الأموال لمصر، وحتى يومنا هذا يلقى هذا العمل استحسانا ورواجا في مصر والوطن العربي، وبسببه تم إنشاء مسرح العرائس.
ثم استعرض "طوسون" بعض الأعمال الأخرى للأطفال من تأليف صلاح جاهين مثل؛ "صحصح لما يكبر"، و"أوبريت اللعبة" للفنانة نيللي، ثم حكى عن طفولته ونشأته وكيف رفض أن يصبح قاضيا مثل والده، وإصراره على استكمال العمل الذي يحبه وهو فن الكاريكاتير، حيث بدأ فنانا للكاريكاتير ثم اكتشف موهبة تأليف الشعر بعد ذلك.
وواصل "طوسون" حديثه عن إبداعات ومؤلفات "جاهين" الفنية، ومنها أغنية "الطوفان" في فيلم اليوم السادس، ومعناها وفلسفتها، كما تحدث عن رباعيات جاهين وكيف كانت أعماله الروائية ومؤلفاته الشعرية التي تحولت لأغنيات، تحاكي حياة وهموم الشعب المصري اجتماعيا وسياسيا، لذلك أطلق عليه فيلسوف البسطاء، وكيف كان يهرب إلى رباعياته للتعبير عن همومه وأوجاعه ويختفي بداخلها، كما أصيب جاهين بالإكتئاب بعد نكسة ٦٧، وظل بداخلها لإنهيار أحلامه التي كان يتمناها بعد ثورة ٥٢، وبرغم نصر أكتوبر ٧٣ إلا أنه ظل مكتئبا حتى توفى عام ١٩٨٥.
أعقب الورشة مناقشة الطالبات والرد على استفساراتهن، كما صممت سحر الجمال، مسئول الثقافة العامة بالفرع، عددا من مجلات الحائط بمشاركة الطالبات، وفي الختام حث "طوسون" الطالبات على البحث والتعرف أكثر على عمنا صلاح جاهين؛ الإنسان والفنان وقراءة رباعياته، والإستماع إلى أغنياته.
واستمرارا للأنشطة المقامة بإشراف إقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد الثقافي برئاسة لاميس الشرنوبي، وينفذها الفرع برئاسة ياسمين ضياء، احتفاء بالرموز الثقافية المصرية، وإسهاماتهم الفنية والثقافية، وإثراء للهُوِية المصرية، واصل قسم الثقافة العامة برنامجه مساء، بأمسية شعرية غنائية بعنوان "ليلة جاهين"، بالتعاون مع قصر ثقافة الفيوم.
استهل الشاعر محمد حسني ابراهيم الأمسية بالحديث عن رباعيات جاهين، والنقلة النوعية التي أحدثها في شعر العامية مع فؤاد حداد بعد ما بدأها عبدالله النديم.
ثم بدأ الكاتب والمفكر عصام الزهيري كلمته قائلا؛ كان "جاهين" من أكثر الشخصيات تعبيرا عن الشخصية المصرية الممتلئة بكينونتها وتاريخها، وقال جاهين عن نفسه أنه مفتونا بثورة ١٩١٩ وابنا لثورة يوليو ١٩٥٢ والإصلاح الزراعي، وهو يعني بذلك أنه نزوع الثورة من الليبرالي الحر المعتز بقيم المواطنة والحريات والاستقلال إلى نزوع ثورة ٥٢ الجمعي نحو قيم الاشتراكية والعدالة الاجتماعية.
وأوضح "الزهيري" بأنه تعددت مستويات شخصية جاهين المركبة وخبراته الثرية بتعدد مراحل سيرته الحياتية والفنية، فقد ولد في القاهرة (حي شبرا) سنة ١٩٣٠ لأب قاض، طاف بأسرته بسبب ظروف عمله أنحاء القطر المصري بأقاليمه، مما منح جاهين إلماما بطبيعة البيئات والتقاليد والفولكلور المصري في الدلتا والصعيد، وقد بدأت ميوله تجاه فنون الشعر والتمثيل تظهر مبكرا ودفعته للتمرد على دراسة الحقوق كما أراد له والده ودفعته لدراسة الفنون الجميلة، وعندما التقى جاهين في شبابه بشعر فؤاد حداد تغيرت نظرته ورأى أن الشعر الحقيقي هو الشعر الذي ينبض بالحياة والقريب من الناس، وقد ظل يعتبر نفسه ليس مجرد رفيق لحداد ولكنه تلميذا له أيضا.
واستكمل حديثه قائلا؛ ولعل واحدة من أهم طرق التاريخ لسيرة جاهين ومراحله الفكرية والفنية ومواهبه المتعددة المتنوعة هي التأريخ لها بالمعارك التي خاضها عبر حياته، وعلى رأسها معركة شعر العامية المصرية ضد منتقديه من مدعي القداسة وحراس الجمود الذين توهموا أن الكتابة بالعامية مؤامرة على اللغة العربية وعلى مصر والإسلام، ورغم ما في هذه الدعوى من غرابة وشذوذ إلا أن جاهين مثل غيره من رواد العامية المصرية في القرن العشرين عانوا بسببها معاناة كبيرة.
وأضاف، برزت أشعار جاهين سنة ١٩٥٦ مع العدوان الثلاثي على مصر بأغنيات لا تزال حية وحارة وفاعلة في وجدان المصريين مثل أغنية "والله زمان يا سلاحي"، وقد خاض جاهين خلال فترات عمله بالصحافة وكتابته للشعر ورسمه للكاريكارتير وممارسته للتمثيل، كل معارك الثقافة الوطنية المصرية في الداخل والخارج، كما أشار "الزهيري" إلى أسباب وبدايات كتابة جاهين للرباعيات، والتي كتبت على غرار رباعيات عمر الخيام الشهيرة، لا تقل عنها روعة ولا سموا في الرؤى والأسلوب، وكانت من أكثر أعماله انتشارا وإثارة لاهتمام وإعجاب النقاد وجمهور الشعر، ثم استعرض عددا من معارك جاهين الفنية والفكرية والسياسية التي تؤرخ لسيرته الحياتية وهي معارك خاضها بسبب أشعاره ورسوماته وتدخل لحسم كثير منها الرئيس عبدالناصر شخصيا منحازا لحرية جاهين في الشدو بالشعر وفي النقد بالكاريكاتير، ملقيا الضوء على أبرز سمات كتابته الشعرية في عمله الشعري الملحمي الخالد (على اسم مصر)، وفي أغانيه التي شدى بها أبرز رموز عصره الغنائية بإختلاف اتجاهاتهم في الغناء مثل الفنانين عبد الحليم حافظ وسعاد حسني وأحمد عدوية.
ثم تغنى الفنان عهدي شاكر برباعيات جاهين وعدد من أغنياته الوطنية والعاطفية، تخللها فواصل شعرية للشعراء مصطفى عبد الباقي، وعبد الكريم عبد الحميد، وكريم سليم.